سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زيادة الإنفاق الحكومي ونمو القروض المصرفية يدعمان القطاع غير النفطي.. والنمو الأعلى لقطاعات التشييد والنقل والصناعة والتجزئة «جدوى للاستثمار» ترفع تقديرات مؤشرات النمو الاقتصادي في المملكة للعام الحالي
بقيت أسواق النفط متعادلة حتى اللحظة من العام، وجاءت الأسعار وحجم الإنتاج في المملكة أعلى من توقعاتنا. وقد عدلنا توقعاتنا لكليهما، ما يعني أن إيرادات النفط ستكون أعلى مما توقعناه في وقت سابق من هذا العام. هذه الإيرادات ستمكن المملكة من الإبقاء على فائض كبير في الحساب الجاري، لكن الإنفاق الحكومي المتزايد سيقلل من فائض الميزانية. وأبقينا معظم افتراضاتنا الخاصة بالاقتصاد غير النفطي على ما هي عليه دون تغيير. وقد كشفت البيانات الأولية عن قوة أداء الاقتصاد غير النفطي خلال النصف الأول من العام، وجاءت متفقة مع توقعاتنا. وعلى الرغم من أننا لا نزال نتوقع أن يسجل ميزان سوق النفط العالمي فائضاً في العام 2014، إلا أن نقطة الضغط الرئيسية في السوق التي أبقت على الأسعار مرتفعة هي التطورات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية. لقد أضافت التوترات المستمرة في ليبيا وضعف نمو الإنتاج من إيرانوالعراق والأزمة الجيوسياسية في أوكرانيا علاوة مخاطر على الأسعار. في ليبيا، بقي إنتاج النفط منخفضاً رغم الاتفاق الذي أبرم مؤخراً بين الحكومة ومجموعات الثوار والتي أدت إلى إعادة فتح محطتي تصدير. أيضاً، انخفض إنتاج إيران من الخام منذ بداية العام وحتى تاريخه بنسبة 13 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي ليصل إلى 3.2 ملايين برميل في اليوم، لكن ارتفاع مستويات الصادرات سيساعد على عكس هذا المسار التنازلي تدريجياً. أما في العراق، فعلى الرغم من أن النزاع الداخلي الحالي لم يؤثر سلباً على إنتاج النفط هناك حتى الآن، إلا أنه يشكّل عامل مخاطرة رئيسيا باتجاه الأسفل للتوقعات المستقبلية. وارتفع إنتاج العراق بنسبة 4 بالمائة منذ بداية العام وحتى تاريخه، على أساس المقارنة السنوية، ليصل إلى 3.1 ملايين برميل في اليوم. إنتاج المملكة استجابة لتلك الظروف، أبقت المملكة على مستوى إنتاج مرتفع حتى اللحظة من العام الجاري. تقدّر البيانات الرسمية إنتاج النفط بنحو 9.7 ملايين برميل في اليوم كمتوسط للفترة من بداية العام وحتى تاريخه، مقارنة ب 9.3 ملايين برميل كمتوسط للفترة المماثلة من العام الماضي. وقد ساهمت عدة عوامل في هذا النمو، أهمها انقطاع الإمدادات بصفة متكررة وتباطؤ نمو الإنتاج لدى أعضاء أوبك الآخرين، وزيادة الطلب على الخام السعودي بسبب عودة الانتعاش للاقتصاد الأمريكي بوتيرة أسرع من المتوقع خلال الربع الثاني من العام، وزيادة الاستهلاك المحلي في المملكة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. لذا، عدلنا توقعاتنا بشأن حجم إنتاج الخام السعودي برفعه إلى 9,7 ملايين برميل في اليوم كمتوسط لعام 2014 ككل، من 9,4 ملايين برميل في اليوم حسب تقديراتنا السابقة. رغم أن إمدادات المملكة من الخام كانت كافية لتلبية الطلبين المحلي والخارجي على نفطها، إلا أن ذلك لم يكن مفيداً في تقليل علاوة المخاطر المضافة حالياً على أسعار النفط. وفي الحقيقة، كلما زاد إنتاج المملكة، انخفضت طاقتها الإنتاجية الاحتياطية، ما يعني محدودية القدرة على الاستجابة لأي انقطاعات جديدة في إمدادات النفط. وقد تؤثر المخاوف بشأن انخفاض الطاقة الإنتاجية الاحتياطية المتاحة بصورة سلبية في الحالة المزاجية في سوق النفط. إيرادات النفط المرتفعة تعزز موقف الميزانية .. والالتزام بالإنفاق على المشاريع والمساعدات الخارجية قد يخفضان الفائض إمدادات النفط العالمية علاوة على ذلك، تشهد إمدادات النفط العالمية ازدهاراً. فرغم الانتعاش الضعيف لإنتاج النفط في إيرانوالعراق، تشير التقديرات إلى أن نمو الإمدادات النفطية من الدول خارج أوبك (1.4 مليون برميل في اليوم، على أساس المقارنة السنوية) سيفوق نمو الطلب العالمي (1.1 مليون برميل في اليوم، على أساس المقارنة السنوية) في عام 2014. ويعود هذا النمو بالدرجة الأولى إلى ثورة النفط الصخري في الولاياتالمتحدة التي تتواصل بوتيرة سريعة، ما أدى إلى ارتفاع الإنتاج منذ بداية العام وحتى تاريخه بنسبة 13.5 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وعلى النقيض، هبط إجمالي الإنتاج من دول أوبك باستثناء السعودية بنسبة 6.5 بالمائة في النصف الأول من عام 2014 مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي. لا تزال أوبك متأثرة بالتراجعات الكبيرة في إنتاج ليبيا، الذي تراجع بنسبة 79 بالمائة خلال نفس الفترة. في نفس الوقت، ورغم تباطؤ الطلب على النفط في معظم الاقتصادات المتقدمة إلا أن الطلب العالمي على النفط ارتفع بدرجة طفيفة مدعوماً بالطلب من آسيا والولاياتالمتحدة، حيث بقيت البيانات الواردة من الولاياتالمتحدة واليابان والعديد من الاقتصادات الآسيوية الأخرى مشجعة بصفة عامة حتى اللحظة الحالية من العام. وبينما ينتظر أن يستمر الطلب على النفط في الاتحاد الأوروبي ضعيفاً نتيجة للاقتصاد المتعثر، تشكل الولاياتالمتحدة المصدر الرئيسي للطلب بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا العام. في الصين، لا نزال نتوقع أن ينمو الطلب على النفط بأكثر من 3 بالمئة لعام 2014 ككل، حيث ينتظر أن تدعم مشاريع الحكومة لترقية البنيات التحتية والمصافي الجديدة وخطط زيادة المخزونات الاحتياطية نمو الطلب. وبالمجمل، فإننا نقدّر أن يزيد الطلب العالمي على النفط بنحو 1,1 مليون برميل في اليوم كمتوسط لعام 2014 ككل مقارنة بمتوسط عند 1 مليون برميل في اليوم العام الماضي . ونتيجة لذلك، بلغ متوسط سعر خام برنت 110 دولارات للبرميل حتى اللحظة الحالية من عام 2014. عدلنا توقعاتنا لأسعار برنت بحيث تعكس الأسعار المرتفعة للنفط حالياً، والآن نتوقع أن يبلغ متوسط سعر برنت خلال عام 2014 نحو 109 دولارات للبرميل. ولا نزال نتوقع تراجع أسعار النفط في أواخر العام، حيث سينخفض الطلب تدريجياً بعد انقضاء ذروة الصيف خلال الربع الثالث . ولكن، لا نزال نرى تكون قاع مرتفع نسبياً للاسعار بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة الذي تزداد حصته في إنتاج النفط العالمي. وفي تقديرنا أن هذا القاع يفوق ما تحتاجه المملكة لتحقيق التعادل في ميزانيتها وهو 85 دولارا للبرميل. إيرادات النفط المرتفعة ستؤدي إيرادات النفط المرتفعة إلى تعزيز موقف الميزانية في المملكة، رغم أن الإنفاق المتزايد سيبقي على الفائض المالي دون 5 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي. تشكل إيرادات النفط 90 بالمئة من إيرادات الميزانية، التي يتوقع الآن أن تبلغ 1,17 تريليون ريال. يرجح أن يبقى الإنفاق الحكومي وخاصة على الأجور والمرتبات والسلع والخدمات والمشاريع العامة مرتفعاً هذا العام. علاوة على ذلك، أصبحت المملكة مزودا رئيسيا للمعونات والمساعدات المالية في منطقة الشرق الأوسط، ما يخلق مزيداً من الضغوط على موقف ميزانيتها. وعلى ضوء هذه التقديرات، عدلنا توقعاتنا بشأن المنصرفات الحكومية برفعها إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 1069,8 مليار ريال . وهذا يعني أن الميزانية ستبقى تسجل فائضاً عند 3,5 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي، مع احتمال أن يأتي الفائض أقل من ذلك بسبب وفاء الحكومة لالتزاماتها فيما يتعلق بالإنفاق على المشاريع الداخلية والمساعدات المالية الخارجية. سيستخدم المتبقي من فائض إيرادات النفط في تعزيز المدخرات على شكل موجودات أجنبية لدى "ساما"، رغم أن وتيرة تراكم الموجودات ستكون أبطأ من الأعوام السابقة بسبب زيادة الإنفاق. ارتفعت الموجودات الأجنبية ل "ساما" بنحو 13 مليار دولار خلال الشهور الستة الأولى من العام، ونتوقع زيادة قدرها 50 مليار دولار خلال عام 2014 ككل. إن زيادة حجم المدخرات توفر قدرا كبيرا من الارتياح لأنها تضمن المحافظة على مستويات إنفاق مرتفعة لعدد من السنوات، حيث يمكن السحب من الاحتياطيات في حالة حدوث قصور في الإيرادات. الإنفاق الحكومي سيظل الإنفاق الحكومي الضخم هو المحرك الرئيسي للاقتصاد، وقد دعمت إيرادات النفط الضخمة ثقة الشركات والمستثمرين في السوق للعام الرابع على التوالي. جاءت البيانات الاقتصادية للعام 2014 (تغطي النصف الأول) جيدة، في إشارة إلى أن الاقتصاد غير النفطي سيظل المحرك الأساسي لنمو مجمل الاقتصاد هذا العام. ونعتقد أن قطاعات التشييد والنقل والتجزئة والصناعة بصفة خاصة ستكون هي العوامل الرئيسية للنمو في الاقتصاد غير النفطي. وتشير مؤشرات الانفاق الاستهلاكي والقروض المصرفية إلى القطاع الخاص وسوق المشاريع وغيرها من المسوحات التجارية إلى تسجيل الناتج الإجمالي الفعلي للقطاع غير النفطي أداءً قوياً في النصف الأول من العام الجاري. ونعتقد أن هناك تسريعا لعمليات ترسية العقود وتنفيذ المشاريع، حيث تضغط الحكومة على المقاولين لإكمال المشاريع التي تأخرت. ورغم أن هذا الأداء جاء متسقاً مع توقعاتنا، لكننا عدلنا بدرجة طفيفة تقديراتنا لنمو القطاع غير النفطي برفعه إلى 5,1 بالمئة هذا العام ليعكس الزيادة في المصروفات الحكومية. هناك محرك رئيسي آخر للنمو الاقتصادي هو القروض المصرفية إلى القطاع الخاص، حيث حافظت هذه القروض على نمو قوي للعام الثالث على التوالي بفضل توفر سيولة ضخمة في النظام المصرفي. وبلغ متوسط نمو هذه القروض خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري 12 بالمئة على أساس المقارنة السنوية، وذلك نتيجة للنمو القوي للقروض المقدمة للشركات والزيادة الهائلة في القروض الاستهلاكية. هذا النمو في الإقراض ساهم بدرجة كبيرة في ربحية البنوك التي سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 35,7 مليار ريال العام الماضي. وفي ظل التوقع ببقاء الطلب على القروض قوياً هذا العام، ينتظر أن تحافظ أرباح البنوك على مسارها الصاعد وربما تحطم رقمها القياسي الذي سجلته العام الماضي. وفقاً لبيانات جمعتها "ساما"، نمت أرباح البنوك بنسبة 10.4 بالمئة خلال الشهور الستة الأولى من هذا العام مقارنة بمستواها في نفس الفترة من العام الماضي. وتشير نسبة القروض إلى الودائع والتي بلغت 81 بالمئة إلى محدودية المخاطر في عمليات التمويل؛ وقد بلغت ودائع البنوك التجارية لدى "ساما" الفائضة عن الاحتياطي الالزامي 54.9 مليار ريال في نهاية يونية 2014. التضخم بقي التضخم في المملكة مستقراً حتى اللحظة من العام رغم قوة الطلب المحلي. ويعود ذلك في المقام الأول إلى ضعف العوامل الخارجية التي نعتقد أنها ستبقي على التضخم عند مستوى معتدل طوال الفترة المتبقية من العام، حيث لا يزال معدل التضخم وسط شركاء المملكة التجاريين الرئيسيين منخفضاً، كما تراجعت أسعار الغذاء العالمية بنسبة تقارب 3 بالمائة على أساس المقارنة السنوية (حسب منظمة الزراعة والأغذية العالمية التابعة للأمم المتحدة)، وكذلك بقيت معظم أسعار السلع الأخرى هادئة بدرجة واضحة. ليس هناك دلائل قوية على ضعف الدولار أو ضغوط تضخمية أساسية في الاقتصاد العالمي. بالنسبة للمملكة، تشكل الإيجارات عامل المخاطرة الرئيسي على تقديراتنا للتضخم ، حيث نما التضخم في هذه المجموعة تدريجياً من 2,5 بالمئة في ديسمبر 2012 إلى 4,1 بالمئة في يونيو العام الجاري. ويبدو أن زيادة الدخل والإنفاق الحكومي قد أديا إلى رفع الطلب على العقارات المستأجرة، في حين شجع تأخر برنامج إصلاح سوق الأراضي ملاك العقارات على رفع الإيجارات. ونتوقع تراجع تضخم الإيجارات بعد توفر كمية كافية من المساكن من خلال برامج الحكومة الرامية إلى توفير السكن المناسب. الوضع الخارجي سيؤدي ارتفاع الإيرادات النفطية إلى الإبقاء على الوضع الخارجي للمملكة قوياً. والآن نتوقع أن يبلغ فائض الحساب الجاري نحو 133 مليار دولار (16,9 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي). وتشير أحدث بيانات التجارة الخارجية إلى نمو معتدل في الصادرات غير النفطية. تراجعت الواردات خلال الفترة منذ بداية العام وحتى مايو بنسبة 8,9 بالمئة على أساس المقارنة السنوية لتصل إلى 38 مليار دولار، بينما واصلت الصادرات غير النفطية مسار نموها التصاعدي، مرتفعة بنسبة 7,2 بالمئة منذ بداية العام وحتى مايو لتصل قيمتها إلى 23 مليار دولار. وعلى ضوء توقعاتنا بأن يحافظ إنتاج النفط السعودي على متوسط 9,7 ملايين برميل يومياً خلال العام الجاري واحتمالات ارتفاع أسعار النفط بسبب التطورات الجيوسياسية، نتوقع أن يتعادل الفائض التجاري الكلي مع عجز الخدمات والدخل وتدفقات الأموال إلى الخارج من خلال التحويلات، ما يؤدي إلى فائض في الحساب الجاري يصل إلى 133 مليار دولار ( 16,9 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي، الشكل 9). مخاطر الاقتصاد العالمي والمخاطر السياسية رغم أن المخاوف من مخاطر الاقتصاد العالمي والمخاطر السياسية الإقليمية لا تزال تشكل المخاطر الرئيسية على توقعاتنا، إلا أنها أقل حدة وأكثر توازنا مما كانت عليه في الأعوام الأخيرة. رغم أن نمو الاقتصاد العالمي في النصف الأول من العام جاء أقل من التوقعات، إلا أن الرغبة في المخاطرة في الأسواق المالية واصلت ارتفاعها كما أن التذبذب تراجع إلى مستويات لم يشهدها منذ عدة سنوات. ولكن يبقى التخوف من حدوث انتكاسة رئيسية في الرغبة في المخاطرة وكذلك صعوبة شروط التمويل العالمية والتي ربما تأتي نتيجة لتوقعات السوق برفع أسعار الفائدة الرسمية. وستكون تداعيات ذلك على المملكة محدودة، حيث إن الأسواق ميزت بين الملامح المستقبلية المستقرة للمملكة والاقتصادات الأخرى الهشة بسبب استعداد الحكومة وقدرتها على احترام التزاماتها فيما يتعلق بالإنفاق. كذلك نتوقع أن تواصل ضبابية الأوضاع السياسية في المنطقة تهديدها للاقتصاد، كما أن أي تفاقم للتوترات سيؤثر في مستوى الثقة لدى الشركات والأفراد. نتوقع أن يكون أي تأثير وجداني هنا لفترة مؤقتة فقط، وسيقود أيضاً إلى ارتفاع أسعار النفط وزيادة حجم الإنتاج في المملكة، وبالتالي يؤدي إلى دعم وضع المملكة من حيث وضعها الخارجي وموجوداتها الأجنبية. *رئيس الدراسات والأبحاث - جدوى للاستثمار د. فهد التركي