هل هي مصادفة أم قدر أن يتصدر العرب قائمة الأخبار العالمية المقروءة والمسموعة بوصفهم سادة الإرهاب وصانعيه؟ وهل أصبح الإرهاب العالمي ميزة تفرد بها بعض العرب والمسلمين ومارسوه في طول العالم وعرضه، شرقه وغربه شماله وجنوبه؟ لعل بعض الإجابة على ما طرحناه من تساؤل نجدها فيما أصاب الأمة العربية من نكسات أدت إلى تراجع المشروع النهضوي العربي وانزواء قوى الوعي والانفتاح والتنوير، ما جعل الباب مشرعا لقوى التشدد والتخلف والتحجر، لتفرض مشروعها القائم على التطرف والتمرد والرفض والعنف. وقد أدركت القوى المتربصة بالوطن العربي والمتآمرون معها من عرب ومسلمين، هذه الخاصية النفسية للقوى المتزمتة، فأحسنت استغلالها في حربها على الأمة العربية، وحققوا معاً نجاحات في عدة مستويات، حين ظهرعلى الساحة العربية نفر من العملاء الذين عملوا لحساب إيران وأمريكا وإسرائيل والغرب، لتحقيق مشاريعهم المدمرة؛ كابن لادن والظواهري والزرقاوي، وأبي بكر البغدادي لاحقاً، وإرهابيي القاعدة والحوثيين وزمرة الخوارج الذين غادروا بلادنا بدعوى الجهاد، فإذاهم ينقلبون ضد وطنهم، ناهيكم عن بعض الدويلات في المنطقة التي عندما عجزت عن إيجاد دور لها، أخذت تتآمر على دول الوطن العربي خدمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. التطرف الديني سلوك عصابي ينشأ من فراغ في النفس، وهو فعل لا يقره الدين،لأنه يتعارض مع مبادئ الوسطية والتوازن والتسامح التي أكد عليها الإسلام، حيث يعمد المتطرف إلى تكفير كل من يخالفه في رأيه حتى لو كان ذلك حول مسألة فقهية فرعية، حيث يعادي الجميع ويكفر المجتمع ويحاربه، فيصنفهم إلى ثنائيات متضادة؛ كمؤمن وكافر، مستقيم وضال، طيب وخبيث، مواطن ومتصهين، مخلص وعميل!! فيتسلل هذا التصنيف إلى نفوس الضعفاء والأميين والجهلة والعصابيين، ليتحول – في نهاية المطاف - إلى إرهاب وتحريض على القتل. وليس أدل على ذلك مما يروج في بلادنا عبر مواقع التواصل الجتماعي من ثقافة الشتم للكتاب والمبدعين والمثقفين، وما يتعرضون له من حملات منظمة، كما درج أحد المأزومين على وصف الكتاب الذين كشفوا الإخوان المفلسين في مقالاتهم، بصفة مشتقة من الصهيونية، لأنهم لا يشاركونه انتماءه الإخونجي، فأيّ جرم أعظم، كره الإخوان المتآمرين على بلادنا،أم كره الوطن والتآمر عليه كما يفعل كل المنتمين للإخوان المفلسين؟ إن ذلك الشتام ومن لف لفه مجرد أدوات تستخدم من محرضين ضد الوطن لينفذوا أجندات إقليمية ودولية، تأجيجاً لنيران الحقد والكراهية بين أبناء المجتمع، فيتلقفها الأغرار الذين يلقون في روعهم أن الوطن مستهدف بأجندات غربية، ينفذها من يصفونهم بالعلمانيين والليبراليين من مسؤولين وأكاديميين وكتاب ومثقفين، لتغريب المجتمع وإخراج المرأة من بيتها وابتعاث الطلاب والطالبات، وغير ذلك من الترهات التي لم يملوا من تكرارها لأكثرمن ثلاثين سنة هي سنوات الغفوة المدمرة، التي استغرق أفراد المجتمع جوها المشحون بالأفكار المتزمتة والرؤى الضيقة، وما صاحب ذلك من شك وريبة وتخوين وتخويف، فأسلموا طائعين غير مختارين، وأصبحوا دون أن يعوا شهود زور على كل ما لابس ذلك من تهديم وتخريب للبنى الفكرية والثقافية والتعليمية للمجتمع، وعقوق وجحود للوطن، وذهبوا في نوم عميق كنوم أصحاب الكهف لم يفيقوا منه إلا على أصوات السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والأشلاء المتناثرة والدماء المراقة بأيدي بعض أبناء الوطن العائدين من أفغانستان. ثقافة السنوات العجاف استيقظوا منها على صوت الإرهاب الذي كان يسري في جسد الوطن مسرى النار في الهشيم، فلم يتوجسوا حينها ولم يساورهم الشك في حقيقة ما يحدث ولم يحققوا في مراميه البعيدة، ذلك أن المجتمع بما جبل عليه من تديُّن كان وما زال يحسن الظن بكل من اتخذ الإسلام مطية يمتطيها لتحقيق أهدافه أياً كان نوعها! ولكي تروج ثقافة العنف والتطرف والتدليس، كان لابدّ لها من روافد تعززها، فكان الانحدار الفكري والثقافي وضحالة المناهج التعليمية وقصورها عن مجاراة لغة العصر، وترسيخ ثقافة التحريم لكل شيء، حتى بتنا خارج إطار التعايش مع الشعوب والثقافات والبلدان التي ليس لنا بدّ من التعامل معها أو العيش فيها، ساعد كل ذلك على ازدهار ثقافة الوهم والخداع وتفسير الأحلام وشيوع الجهل، بقيادة الإخوان المفلسين الذين وجدوا في بلادنا أرضاً خصبة لممارسة إرهابهم، فنما وترعرع ومد أرجله في طول العالم وعرضه انطلاقا من بلادنا، وكان ابن لادن وعمر عبدالرحمن وأبو مصعب الزرقاوي وأبو حمزة المصري وأبو قتادة وغيرهم من الأبوات الذين انتشروا في الشرق والغرب، محصلة طبيعية لهذا المناخ المأزوم المتورم بالعاهات، الذي رعاه مادياً ومعنوياً أفراد ومؤسسات مالية من داخل بلادنا لغايات في نفوسهم، أهمها السيطرة وبسط النفوذ، تهيئة لدولة الخلافة الكبرى، وتناغماً وخدمة لرعاة الشرق الأوسط الجديد، الذين وعدوهم بنصيب من الكعكة. لقد أحرز بعض شباب بلادنا قصب السبق في ذلك الماراثون العصابي؛ فتهافتوا على بؤر الصراع زرافات ووحداناً، بدءاً بأفغانستان التي أصابت الجميع لوثتها، وكانت الساحة الأولى التي سلكها خوارجنا في (سنة أولى إرهاب) فقلبوا لنا فيما بعد ظهر المجن، تحت قيادة الإرهابي الأكبر ابن لادن، وقد تشكلت لتلك الغاية ميليشيات شباب الصحوة بتوجيه ديني صارخ، في المساجد والجامعات والمدارس، والمراكز الصيفية، ناهيكم عن الأشرطة الدينية والمطويات، وكل كان يغني على ليلى ذاتها، أفغانستان دون غيرها! حينها كان العقل الجمعي مغيباً بنشوة الجهاد، والقتلى الذين يبتسمون، ورائحة المسك التي تفوح من جثثهم، وغير ذلك من الأكاذيب التي روجت في حومة الدعوة للفوز بالحور العين. وكان مما تشربه إرهابيو بلادنا من معاشرتهم للإرهابيين الآخرين ثقافة الذبح بفصل الرؤوس عن الأجساد، تلك الممارسة التي أصبحت أسهل وسيلة لتصفية الحسابات مع الخصوم وغيرهم، حيث شهدنا قيام بعضهم بجز رؤوس البريطانيين في الرياض ووضعها في الثلاجة بمساعدة إحدى النسوة الإرهابيات! فكم تجني ثقافة العنف هذه التي تقشعر لها الأبدان وتصيب الأنفس بالغثيان على الإسلام؛ بجعلها المسافة بين الوريد والوريد أقصر الطرق لإبلاغ قضايا أصحابها إلى العالم؟ وكم ساعدت على اختزال مئات الكتب وآلاف الصفحات التي كان يمكن لأعدائنا أن يكتبوها عنا، بل كم هي مريعة حتى أعطت أعداءنا أقوى سلاح وأمضاه؛ كي يسموا الدين الإسلامي بما ليس فيه، وكي يصوروا أنفسهم بأنهم ضحايا لهذه الثقافة الدموية ليكسبوا تعاطف العالم معهم. إنه مما يحزن أن الغالبية العظمى من الإرهابيين خوارج اليوم عربٌ ومسلمون، هؤلاء الذين يتخذون أسماء الصحابة كُنى لهم، ويستعملون اسم الله وألفاظ الدين مركبة، فيطلقونها على تجمعاتهم الإرهابية، فمن جندالله وحزب الله وجيش محمد وجماعة التوحيد، إلى أبي بكر وأبي مصعب وأبي قتادة وأبي صهيب، جماعة تفرقها الأسماء ويجمعها سفك الدماء على نحو فسيفسائي غريب؛ فمن أردني إلى سوداني، ومن خليجي إلى مصري، ومن سوري إلى يمني، ومن مشرقي إلى مغربي، ومن باكستاني إلى أفغاني، قطعوا العهد فيما بينهم على أن يقدموا الإسلام للعالم في صورة من يحرق الجثث ويقطع الرؤوس ويرجم النساء ويسحل الأطفال! صورة همجية تذكر العالم بما كانت تفعله الشعوب البدائية والمتوحشة في القديم في غاراتها على الحواضر والمدن الآمنة، بفارق أن ما يفعله إرهابيو المسلمين تتناقله وسائل الإعلام قديمها وحديثها، في اللحظة ذاتها مما يجعل أمم الأرض قاطبة تقف بنفسها على تلك الممارسات الوحشية! فأيّ إنجاز حضاري سيسجله التاريخ للعرب والمسلمين في القرن الحادي والعشرين، سوى تاريخ همجي دموي يقتات على أشلاء الجثث وأنين الأمهات وتوجع الزوجات ودموع اليتامى، باسم الإسلام الذي يتلون آياته كلماتٍ فاقدة كل معانيها ولا تكاد تجاوز حلوقهم، فلا غرابة فهم خوارج هذا العصر، الذين يجد المتابع لإجرامهم، تشابهاً بينهم وبين الخوارج القدامى (الذين اغتالوا رابع الخلفاء الراشدين، واستباحوا دماء المسلمين، فحرفوا النصوص عن مقاصدها الأصلية)، وكذا يفعل خوارج هذا العصر من حيث توظيف النصوص لمآربهم، وانتزاعها من سياقها بصورة انتقائية تخالف جميع مبادئ الأمانة العلمية؛ تبريراً لأفعالهم وتضليلاً لصغار السن والعقول، في قتلهم الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، والتهجير من المنازل والمدن، وسلب الممتلكات، قد تختلف الأهداف والوسائل قليلاً بين القدامى والمحدثين، ولكن المنهج هو نفسه لم يتغير كثيراً بين أولئك وهؤلاء. إن ما تقوم به تلك العصابات أعمال لا تنتمي إلى الإسلام، وإنما إلى العوالم السفلية عوالم الجريمة المنظمة. أما ما يدعونه من إقامة الحكم الإسلامي، فالإسلام بريء منه، وكل ما نجحوا فيه إطالة أمد الصراعات وفقدان تعاطف دول العالم مع القضايا العربية، أليس من الطبيعي أن تكون هناك ردة فعل في العالم كله ضد الإسلام والمسلمين وكل مايمت لهم بصلة؟ لقد بات العالم لا يزعجه شيء هذه الأيام قدر تنامي خطر المتشددين الإسلاميين، وصار أكثر ما يعرف عن العرب والمسلمين هو هذه الصورة الأشد قتامة من الدخان الذي تصاعد من برجي مركز التجارة العالمي ذات جحيم لادني، حتى صار العقلاء من العرب والمسلمين لا يشغلهم إلا التساؤل لماذا وكيف ولأجل من يحدث هذا كله؟