أكّد مختصون اقتصاديون على أنّ ازدحام مراكز بيع السلع الغذائية مؤشر على إسراف بعض الأسر، وعدم قدرتها على تحديد احتياجاتها بدقة، محذّرين الأسرة من الوقوع في فخ الولائم الباهظة من باب الوجاهة الاجتماعية؛ لأنّها ستكون سبباً في إرباك الميزانية طيلة العام؛ مما سيدفع البعض للاقتراض لسد احتياجاتهم المعيشية خلال الفترة المقبلة، خاصةً وأنّ هناك من يفكر في الاقتراض لتوفير مصروفات العام الدراسي المقبل؛ نتيجة لسوء توزيع الموارد المالية وانقاق أغلبها خلال رمضان والعيد، مشددين على أنّ تعدد الأطباق وتجهيزها بكميات كبيرة على الموائد خلال مناسبة العيد يعد من مظاهر الإسراف التي يجب التوقف عنها، حيث أصبح الإسراف في المناسبات السعيدة من الموروثات الاجتماعية الخاطئة، وتتضاعف هذه الأيام. ميزانية الأسرة وذكر "عبدالحليم الغامدي" أنّ فترة العيد تشهد إسرافاً من العائلات في المأكولات، حيث تستهلك في هذه الفترة أكثر من احتياجاتها، بل تستهلك أكثر من أي فترة أخرى، موضحاً أنّ هذا يتنافى مع مقاصد العيد السعيد، مبيّناً أنّ ارتفاع الأسعار الذي تشهده الأسواق قبل العيد بأيام يتطلب السيطرة عليه، مع ضرورة أن تضبط الأسر مصاريفها، وأن تحدد احتياجاتها. وأضاف أنّ من اعتاد على التبذير لا يستطيع أن يتخلص منه، فهو في حالة إسراف مستمر، ويزيد تردده على المحال التجارية التي تبيع المواد الغذائية وغيرها من السلع، لافتاً إلى ضرورة أن تتصدى مؤسسات المجتمع المدني إلى هذه الظاهرة، وذلك بتثقيف المستهلكين وتعريفهم بخطورة الإسراف، وأنّ ميزانية الأسرة تحتاج إلى دراسة الاحتياجات، وشراء المهم وترحيل غير المهم إلى فترة لاحقة. تنويع الأصناف وكشفت "أم مريم" أنّها تحرص على التخلص من تنويع الأصناف في العيد والتي قد يصل عددها إلى أكثر من عشرة، موضحةً أنّ أسرتها مكونة من أربعة أشخاص، إلاّ أنّها تعد الأطباق في المناسبات المختلفة لما يكفي لعشرة، وأحيانا أكثر!، معتبرةً أنّها مهووسة بالطبخ وتعجبها كثيراً الوصفات التي تقدمها برامج الطهي على القنوات الفضائية، لافتةً إلى أنّ الكميات التي تعدها دائماً ما تكون فائضة، فإذا كانت معجنات تضعها في الثلاجة من باب كسب الوقت والجهد، وبعد أيام تستخرجها وتسخنها على الفرن، فتبدو طازجة، وأحياناً إذا احتوت الأطباق على مواد يتغير طعمها تهديها بعضها للجيران، أو يكون مصيرها إلى النفايات!. إسراف وتبذير وأوضح "سنان عبدالفتاح" أنّ المناسبات السعيدة تحتاج إلى ميزانية ضعف الميزانيات في الأيام العادية -خاصةً في الأعياد-، مشيراً إلى أنّ بعض الناس أصبحوا لا يعرفون عن المناسبات سوى أنّها تجمعهم على الطعام والشراب، حيث يبدأ إعداد الأطباق قبل حلول موعد المناسبة بساعات طويلة، وتجد أحياناً كل أفراد الأسرة يعدون الوجبات، وعند موعد تناول الطعام يتناول الجميع عدة لقيمات من الأطباق التي تم إعدادها، ويذهب الجزء الأكبر إما إلى الحفظ بالثلاجة أو إلى القمامة، لافتاً إلى أنّ ما يجري خلال المناسبات خاصة أيام العيد من باب التبذير والإسراف، ويدل على أننا من أكثر المجتمعات استهلاكية. فائض الطعام وانتقدت "آمنة الكابلي" ظاهرة الإسراف في تجهيز الأطعمة لمائدة العيد ولا تراها صحية ولا تنبع من إيمان، مشيرةً إلى أنّ تنوع أصناف المائدة يرجع إلى اختلاف أذواق الأسرة، والذي يؤدي إلى الإسراف في الطعام ويرمى بالفائض منه في سلة المهملات، مشيدةً بدور الجهات توزيع الطعام الفائض، داعيةً الناس إلى الاتصال بهذه الجهات لتوصيل فائض الطعام إلى من هم بحاجة إليه. مستقبل اجتماعي ولفت "عصام مصطفى خليفة" -عضو جمعية الاقتصاد السعودي- إلى أنّ إجمالي ديون الأسر السعودية وصلت إلى قرابة (400) مليار ريال، وهناك أكثر من ثلاثة ملايين أسرة عليها قروض بنكية أو بطاقات ائتمانية، بالإضافة إلى القروض الشخصية بين الأفراد؛ مما يعكس المستوى الاستهلاكي للأسر، وحبها للمظاهر والتقليد، موضحاً أنّ الناس تبحث دائماً عن الفرحة والكل يعبر عنها بأسلوبه الذي يكون أحياناً مكلفاً، لافتاً إلى أنّ الأسرة تعيش في الثلاثة أشهر بعد الامتحانات النهائية وحتى موسم الإجازة الكثير من المصروفات، منها مقاضي رمضان، وتجهيزات العيد، وتجديد للمنزل أحياناً، والاستعداد للعام الدراسي الجديد، وتدخل فيها الاستعدادات لولائم العيد. وأضاف أنّه يخشى من أن تكون المنافسة في ولائم العيد إلي تقليد ومنافسة، حيث أنّها تسبب إرهاق ومشاكل في ميزانية الأسرة، وفيها سلبيات رغم أنّ ظاهرها فيه إيجابيات، لافتاً إلى أنّ بعض الأسر بدأت تتجه لتنظيم العزائم في الفنادق وقصور الأفراح، وهي مكلفة إذا كانت الأسرة من ذوي الدخل المحدود، موضحاً أنّه عندما تتظاهر الأسرة بالثراء من باب المجاملات فإنّها تعرض نفسها للانهيار المالي. وأشار إلى أنّ كون الراتب محدوداً والمتطلبات متلاحقة سيدخل الأسرة في نفق الدين؛ مما سيدفعها لاستخدام بطاقات الائتمان أو اللجوء للاقتراض من الأصدقاء، والذي سيكون له سلبيات على المدى البعيد، حيث أنّه سيؤثر على مستقبل الأسرة الاجتماعي. عهد البساطة ونوّه "أحمد السعد" -أخصائي اجتماعي- بأنّ هذه اللقاءات هي التي تلم شمل الأسر، وتزيد ترابط المسلمين بعضهم ببعض، حيث سكان الحي دون وجود علاقة تربطهم ببعض، معتبراً أنّها عادات وتقاليد جميلة توارثتها الأجيال، مستدركاً: "إلاّ أنّها بدأت تقل لعدم التزام الناس بالبساطة الموجودة سابقة، إذ كانوا في السابق كل منزل يشارك بما تجود به نفسه، والجميع يشارك دون تكليف، والأمر الذي يحصل حالياً هو أنّ بعض الناس وللأسف الشديد يقترض من أجل إحياء ولائم العيد"، منوهاً بأنّ هناك من يضيق على حاجات أسرته مقابل مأدبة عشاء كبيرة يحضرها شخص مهم أو مسؤول، حيث أنّها قد تؤثر على التواصل الاجتماعي والعلاقات وصلة الرحم. طلعت حافظ أحمد السعد وأضاف أنّه إذا استمر الوضع بالطريقة هذه وزاد الإسراف في موائد الأعياد فسوف نفتقد البساطة التي كانت هي السبب الرئيس في تواصل الأجداد وعلاقتهم ببعض، موضحاً أنّ التقليد يحصل بشكل كبير بين الأسر، والمنافسة على أن تكون وليمة العيد في الفندق الفلاني أو القصر الفلاني، علماً بأن بعضهم لا يستطيع مجارات البعض بسبب محدودية الدخل والميزانية، متمنياً أن يلتزم بالقيم الإسلامية والمحافظة على صلة الأرحام، وأن يكون هناك التزام بعدم الإسراف والتبذير والبساطة. مظاهر وتميز وبيّن "ناصر القرعاوي" -رئيس المركز السعودي للدراسات والبحوث- أنّ المتعارف عليه منذ الصغر أن تكون موائد الطعام أمام أبواب البيوت؛ من أجل التواصل والترابط الاجتماعي، وهي شعيرة ذات أبعاد سامية، ولكن إذا خرجت عن سياقها الطبيعي بالتأكيد ستكون ذات آثار سلبية، مبيّناً أنّ الدين الإسلامي يحد من الإسراف، ففي السابق كان هناك عوز وحاجة، وكانت تخرج الموائد للمساجد صباح العيد، ولكنها الآن خرجت عن سياقها الاجتماعي، وأغلب المظاهر الخيرة سلبية ليس في مجال المناسبات الدينية، فقد أصبحت هناك تكاليف غير منطقية وإسراف. عصام مصطفى خليفة وأضاف أنّ هذا يجب أن يحد منه من خلال التوعية، وعلى ربة البيت أن تعي أنّ رسالتها تكمن في تربية الأسرة على الاقتصاد والتوفير، وليس الدفع بزوجها ومصاريف أسرتها إلى المظاهر؛ لأنّه ستأتي احتياجات أخرى للأسرة في فترة منتصف الشهر عندما يجف الراتب، لافتاً إلى أنّ هناك أمور تحتاج أن تضع لها الأسرة ميزانية معتدلة، وأن لا تخرج عن إطارها الاجتماعي والإسلامي، مطالباً المترفين أن يتقوا الله، وأن يعلموا أنّ هناك أسر بحاجة لهذا الأكل الفائض، وعلى الأسرة الصغيرة والمتوسطة أن تعي أهمية حماية مواردها ودخلها، بعيداً عن الانسياق وراء المظاهر والتميز. قروض استهلاكية وقال "طلعت حافظ" -الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية-: "خلال فترة المواسم الأعياد والإجازة الصيفية عادة ما يكون هناك إقبال متزايد على طلب القروض، من أجل دعم الفرد خلال هذه الفترة المؤقتة لتحمل أعباء المعيشة، سواءً أكان ذلك لمتطلبات أساسية أو من أجل داعمة، وليس بالضرورة -كما يعتقد البعض- أنّها متطلبات كمالية"، موضحاً أنّ هناك إقبال على البطاقات الائتمانية خلال موسم الصيف؛ لأنّ البطاقة الائتمانية على مستوى العالم أصبحت تتمتع بقبول واسع ومنتشر، لأكثر من مئة مليون محل تجاري وخدمي، ولذلك تنال البطاقة أهمية في هذا الوقت، كونها أداة مالية مهمة لتأكيد الحجوزات على مستوى الفنادق، وشركات الطيران، وما إن ينتهي الموسم حتى تبدأ عملية السداد، وتعود القروض إلى نموها الطبيعي المعتادة عليه. وأضاف أنّ القروض لا تكون ذات أثر سلبي على مستقبل الأسرة متى ما تم أنفقت بشكل مرشد، مبيّناً أنّ حجم القروض في نهاية الربع الأول من العام الماضي بنحو (333) مليار ريال، والبعض يعتقد أنّها مجرد قروض استهلاكية في طبيعتها، وهذا غير صحيح، فهناك عدة تقسيمات لهذه القروض، منها الموجه للترميم العقاري أو لشراء سلع بناء، ومنها لبعض الأغراض الأخرى، مثل: قروض التعليم، والرعاية الصحية، وتأثيث المنازل، وخلافه، كما أنّ هناك جزء مخصص بدأت البنوك السعودية تتوسع وتنشط فيه وهو التمويل العقاري، مشيراً إلى أنّ البنوك السعودية تبني علاقتها مع العميل على الثقة، وهناك استمارات خاصة بالقروض يعبئها العميل، يسأل فيها عن غرض القرض، موضحاً أنّه لا يحق للبنك رفض طلب القرض، ولا أن يراقب العميل فيما سيوجه القرض. يتكلف البعض بوليمة العيد في فنادق وقصور أفراح