" جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم.. زمن قصير.. ظريف.. ضاحك، تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها!" * الرافعي وأنتم بخير.. هذه العبارة الأكثر نطقاً في العالم هذه الأيام، تتداولها أفواه قد لبست ثياباً جديدة وخاصة بيوم يصنع فيه الكبير فرحة الصغير كما يكمل الصغير فرحة الكبير، وبطبيعة الحال فإن أعداد الحلوى في كل بيت تكون أضعاف سكانه؛ بعد أن زينوها بالورود والنجوم والقلوب الحمراء الصغيرة والكبيرة.. مراسم الفرح والإخاء والحميمية تعبر عن الكائن البشري وتعلمه كيف يجب أن يعيش يومه الطبيعي، وأنه رغم كل النزاعات التي يعيشها تحت مجهر القصف العشوائي.. قادر على أن يرفع صوته بالتبريكات والدعاء، إنه يوم الزينة أيها البشر!. دائماً ما كان الأدباء يضيفون إلى الشيء أشياء أخرى، يخلطون أفراح الناس بالحزن تارة.. وتارة يهربون بهم من حزنهم إلى أعلى قمم الفرح، فنجد الكثير من أدب العيد يربط بينه وبين الغربة والفراق والشوق والإرهاب وبقية القضايا الإنسانية واللا إنسانية.. بينما لو نظرنا إلى الجانب الآخر من أدب العيد؛ لخرجنا بنتيجة أننا لا بد وأن نفرح حتى وإن بلغ بنا الشقاء ذروته، بين هذا وذاك كتب الأدباء عن مشاعر الناس بغية تمثيلهم أمام الآخرين.. عل وعسى أن يكون عيدهم عيداً! يتحدث الشاعر المصري زكي مبارك عن عذاب السهاد والوجد راجياً أن يعيد له العيد بعض ما فقدت روحه من ماء: يا خاليَ البال من وجدي ومن شغفي ونائماً عن عذاباتي وتسهيدي لا تجعل العيد في لألاء نضرته يوماً يراع بأحزانٍ وتنكيد لا تذد بالصد عنه مهجةً ظمئت العيد للروح مثل الماء للعود الشاعر العراقي معروف الرصافي الذي ينتصب تمثاله أمام جسر شهداء بغداد ليواسيهم على البؤس الذي مر بهم، الشاعر الذي أذاب القلوب الجامدة بمشاهده التي تناول فيها موضوعات الفقر والاضطهاد والحرية وبقية الموضوعات الاجتماعية البائسة، يصف لنا صباح العيد كما يراه، فيقول: صباح به يكسو الغنيُّ وليده ثياباً لها يبكي اليتيمِ المضَّيع صباح به تغدو الحلائل بالحُلى وترفضُّ من عين الأرامل أدمع ألا ليت يوم العيد لا كان إنه يجدد للمحزون حزناً فيجزع يرينا سروراً بين حزن وإنما به الحزن جدٌّ والسرور تصنُّع الملفت للانتباه أن العيد مرتبط بشكل دائم مع فرحة الأطفال، فمن أجلهم تستمر العادات والتقاليد العربية في توزيع "العيدية" والألعاب النارية والمراجيح وتجهيز المتنزهات والحدائق وإقامة المهرجانات والعروض الترفيهية وغيرها، ولم يكن الأدب بطبيعة الحال ليفك هذا الارتباط، فيقول الأديب مصطفى صادق الرافعي: "أيتها الرياضالمنورة بأزهارها.. أيتها الطيور المغردة بألحانها.. أيتها الأشجار المصفقة بأغصانها.. أيتها النجوم المتلألئة بالنور الدائم.. أنتِ شتى؛ ولكنكِ جميعًا في هؤلاء الأطفال يوم العيد!". على ذكر العادات العربية في استقبال العيد التي تتفق وتختلف في الوقت نفسه، فمن تجهيز مبكر.. إلى إقامة صلاة العيد في الأحياء ثم زيارة الأقارب وإقامة المناسبات الاجتماعية، إلا أن هناك عادات تتميز بها بلدان عن نظيراتها، فأهل اليمن مثلاً يقومون بجمع الحطب في العشر الأواخر من رمضان على هيئة أكوام عالية، ثم يشعلون النيران كدليل على الابتهاج ليلة العيد، ثم ينحرون الذبائح ويوزعونها على الجيران والأصدقاء ويقيمون منها الموائد الضخمة في الساحات الكبيرة تحت الطبول الخاصة بالرقصة الشعبية اليمنية، وفي الإمارات يتم ترتيب "الحناء" ليوضع في أيدي البنات والنساء أيضاً، بينما يصطف الرجال بعد صلاة العيد لرقص "الرزقة" وإطلاق النار كنوع من التعبير عن الفرح، يحرصون بعدها على تناول "اللقيمات" والفواكه في زياراتهم الاجتماعية، أطفال العراق يتناوبون على المراجيح تحركهم تارة وتارة أخرى يحركونها، وأطفال مصر يتزينون بلبس "الطراطير" الملونة وينتشرون في الأسواق والساحات بحثاً عن الألعاب، والبنات المغاربيات ينقشن تهاني العيد على أيديهن بالحناء، يلوحن بها للعالم كله وكأنهن يقلن: المهم أن يفرح الجميع بطريقته الخاصة. معروف الرصافي زكي مبارك