وضع المؤلف في الثقافة العربية يدعو للشفقة. الحيرة والكآبة تحاصره من كل جانب، وسؤالٌ يطرق رأسه باستمرار: ما جدوى التأليف وشحوم الورق تفيض كل يوم من أرفف المكتبات؟. إنه حقاً سؤال الأسئلة، لماذا نؤلف الكتب، في زمن طغيان الصورة واختزال الشروحات الموسعة في تغريدات وعبارات مكثفة، عودت القارىء على قصر نفس الكتابة، كما يستلهم تشومسكي. لماذا نؤلف كتابًا تطبع منه ألف نسخة لا تنفد بين شعوب بلغت المئتي مليون وأكثر. وحتى عندما يضع المؤلف الكتاب الجديد، يحتار كيف سيعرف عنه القراء. أي طريقٍ يسلك لتسويق الوليد الجديد. هل يكتفي بدور نشر لاتزال آليات التسويق فيها بدائية في ثقافة عربيةٍ حقوقُ النشرِ فيها أصلاً منتهكة والكتاب اللامع مشروع طازجٌ للقرصنة. ماذا عسى الكاتب أن يفعل ليُعرِّفَ بكتابه الحديث، هل يلجأ للصفحات الثقافية في صحف تغلب عليها الشللية وقاعدة: " أكتب عن كتابي أكتب عن كتابك " أم يصنع الكاتب عربة الكترونية محملة بصور ومقاطع من كتابه، يدور بها بين المواقع مطلقاً هاشتاقاً في "تويتر"، ثم صفحة إعجاب في "الفيسبوك" وأخرى على "انستغرام"، باسم الكتاب للوصول لجيل قراء جدد، يستحق الشفقة من كمية ما يقرأ من عناوين أغلفة تتشابه في كل شيء إلا الفرادة. إنها الحاجة إذاً، لأن يسوق الكاتب كتابه وإلا أن يبقى مجهولاً ومهدداً من آفة النسيان. الجيل الحديث من الكتاب أجاد لعبة التسويق الإلكترونية، لكن الجيل الأكبر سناً من الكتاب الباحثين، فهم بلا شك، أقل حظاً وأكثر كآبة، وخاصة ممن يعيش على التأليف فقط ولا يمتهن مهنة أخرى ويعمل لسنوات من العمل الجاد لتقديم إضافة بحثية في الثقافة العربية. الباحث والمترجم العراقي القدير الدكتور سعيد الغانمي، واحدٌ من هؤلاء، الذين يعملون دون أي دعم أو ارتباط بأي مؤسسة ثقافية سوى دار النشر، رغم كل ما قدم ويقدم من تحقيقات تاريخية رصينة وهامة ومؤلفات هي علامات في الثقافة العربية، هذا إذا عرفنا أن سعيد الغانمي، يعيش في المهجر الأسترالي الباهظ، ويعتاش من الكتابة والتأليف!. صحيح أن لكل كاتب محترف جمهوره المخلص، الذي يتتبع ما يصدر من كتاب لآخر، لكن مسألة التسويق حقيقة لا يستهان بها، لذا ستتغير آليات التسويق لكن ستبقى في سوق الكتاب العربي فردية على الأغلب؛ يكون للكاتب الدور الأكبر فيها بعد أن يتكفل بمسؤولية كتابه، مضطراً مراجعة أمره. هل يبقى ذلك الكاتب المتعالي، المكتفي بحفلات التوقيع، وإهداء نسخة الخاصة من طبعة الكتاب إلى الصحافيين الثقافيين كي ينشروا عنه أم يرمي وراء ظهره ذلك الشكل القديم، ويتحول إلى مسوق، شأنه، شأن أي مسوقٍ لمنتج آخر: معجون حلاقة، شامبو للجسم وعصير بنكهات مختلفة!. في كندا والولايات المتحدة اليوم، يشارك الكاتب في تسويق كتابه، عبر مقاطع فيديو قصيرة، لا تتجاوز الدقيقتين أو الثلاث دقائق، يشرح فيها ماهية كتابه، بصورة موجزة، يكون فيها المؤلف بطل الإعلان والمسوّق الأول. هل سيتقبل الكاتب العربي الفكرة، وهل سنجد أحد نجوم التأليف في العالم العربي، يظهر باسماً وملوحاً بكتابه كم يلوح نجمٌ تلفزيوني في إعلان علبة مسحوق!. حسناً تبقى نرجسية الكاتب وأنفته محل اختبار مع تغير العصر، أما هل سيحدث ذلك أو لا، فهو أمر متروك للكتاب وللقدرة، على تحديث آليات تسويق الكتب، كي يصل للقراء ويكون الكتاب والتأليف ذا جدوى.