بريطانيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي يجتمع فيها التالي: * ملكة تتجول في عربة تجرها الخيول.. * مواكب تعود إلى القرن الرابع عشر ... * محامون يلبسون باروكة من الصوف ويمسكون سياطاً من شعر الخيل ... * ملك يتنازل عن العرش كي يتزوج مطلقة من عامة الشعب (ادوارد الثامن)! * رئيس قضاة يمشي أمام الملكة إلى الوراء حتى يصل لمقعده. * رجال أعمال يرتدون الجاكيت الطويل والقبعة المرتفعة والتنانير الأسكتلندية... * مجلس للوردات بدون أي فعالية والمناصب فيه وراثية ! * ومجلس للعموم يدير دفة البلاد لا تدخله الملكة لأنها ليست من "العموم" ! * ونواد للرجال يحرم على النساء دخولها.. ولا حتى تاتشر بزمانها ! * ومدارس داخلية يلبس فيها الطفل بذلة كاملة منذ السنة الأولى... * وحكومة تمنح ألقاباً رسميه تعود للحروب الصليبية كنبيل وفارس ودوق وسير... * وعاصمة تضم أكبر عدد من القصور وبيوت المشاهير والنصب التذكارية - حتى لقبت بعاصمة الأشباح ! .. فبريطانيا مزيج فريد يجمع بين "التقدم" و "التدثر" بتقاليد تعود إلى القرون الوسطى. والحجج هنا تتراوح بين المحافظة على التراث، والتذكير بأمجاد الماضي، والحرص على اجتذاب السياح.. وحصر العائلة المالكة في قصر ويندسور.. غير إن السر في نظري يكمن في الشخصية البريطانية ذاتها التي تميل دائماً إلى المحافظة والالتزام ومقاومة الانفتاح على الآخرين.. وهذه الصفات طبعت كل شيء في حياة الإنجليز - بما في ذلك منتجاتهم الصناعية التي تبدو عليها معالم العراقة والمحافظة والتقليدية (ويكفي أن تنظر في وجه الجاكوار والرولز رويس والرانج روفر التي لم تتغير إلا بعد استحواذ الشركات الأجنبية عليها)!! وأذكر أن رئيس الوزراء السابق توني بلير (المتهم بتوريط بريطانيا في العراق) قد وعد أثناء حملته الانتخابية بالحد من سطوة التراث البريطاني والانتقال إلى حالة من الرشاقة والعصرنة ومجاراة التغيرات الحديثة.. وفي سبيله لهذا الهدف طالب بالحد من التقاليد الصارمة للعائلة المالكة وحل مجلس اللوردات والتخلص من الطقوس القديمة في التنصيب والقضاء والكنيسة (ولكنه للأسف انتكس وأعاد بريطانيا إلى تقاليدها الاستعمارية القديمة حين شارك في غزو أفغانستانوالعراق).. وفي الحقيقة حتى العائلة المالكة البريطانية تبدو على مسافة تاريخيه هائلة من أقرب العائلات المالكة في أوروبا؛ فملوك السويد والدنمرك والنرويج لايتحرجون من القيام بنزهة (ع البسكليت) وتناول الآيس كريم في الشارع ودخول المحلات الكبرى لشراء الخيار والطماطم.. أما مجلس اللوردات فليس أكثر من منصب وراثي حازه اللورد كارلنتون (كمثال) لمجرد إن جدته كانت عشيقة للملك جورج الخامس.. أما بذلة القضاة الصوفية وباروكة المحامين فتعود إلى القرن السابع عشر حين كانت الباروكة تفصل بين النبلاء والرعاع والصوف حكراً على الأثرياء والارستقراطيين!! اللافت للانتباه هذه الأيام هو تنامي التيار المطالب بالعصرنة ضد المتمسكين بالتقاليد والطقوس العتيقة.. ومع هذا يظل هناك من يرغب بالمحافظة على التقاليد البريطانية العريقة والحفاظ على عامل الجذب السياحي المبني على وجودها (حيث ملايين الدولارات ينفقها السياح كل عام لمجرد رؤية الملكة، أو سماع بج بنج، أومشاهدة تغيير حرس باكنجهام)!