يتناول كتاب «الحصان العربي الأصل والتطور والتاريخ» للدكتور مجيد خان الخبير الدولي في الرسوم الصخرية، وكما يتجلى في العنوان، أصول سلالات الخيول العربية وتطور مسيرتها في شبه الجزيرة العربية. وابتداء، لا يمكن التعامل مع الحصان العربي بالنسبة لنا كعرب، إلا باعتباره رمزا ثقافيا يختزن موروثا متنوع الطبقات للعلاقة التي نشأت بينه وبين الشخصية العربية والبيئة التي احتضنتهما، بما اتسمت به من طبيعة جغرافية وعرة منحت الحصان دورا محوريا في مسارات السلم والحرب. حول ذلك يوضح صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم ورئيس مجلس أمناء صندوق الفروسية في تقديمه للكتاب أن «الفروسية تراث عربي أصيل عميق الجذور ارتبط بتاريخ العروب والمسلمين في شبه جزيرة العرب وبحياة القبائل العربية في حلهم وترحالهم وفي حربهم وسلمهم، والخيل من الأنعام التي ارتبطت بحياة الإنسان منذ القدم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من صورة، كما ورد ذكرها أيضا في الحديث الشريف، وكما يشتمل التراث العربي شعره ونثره على مادة ثرية عن الخيل وصفاتها ومكانتها، وأجاد الشعراء في وصف الخيل والتفاصيل الدقيقة لأجسامها وحركاتها وأحاسيسها وولائها لأصحابها ومالكيها»، مؤكدا أن المملكة تحتفظ بثروة ثقافية ومادية لا تقدر بثمن عن الفروسية والإنسان. ويحدد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الإطار المعرفي والطابع المنهجي للكتاب في تقديمه له قائلا: «الكتاب يوثق تاريخ وأصول الخيل العربية من خلال الرسوم الصخرية التي تعد مصدرا مهما للتعرف على ثقافة الإنسان وعلاقته بالحصان من عصور ما قبل التاريخ، ولا يستغرب ذلك فقد تمكنت الهيئة من الكشف عن دلائل مادية تثبت الجذور الأولى لاستئناس الخيل في الجزيرة العربية لفترة تعود لما يقارب من ستة آلاف عام». موطن الحصان العربي يسود الاعتقاد بأن الحصان العربي قد جلب إلى الجزيرة العربية من وسط آسيا، كما يعتقد بأنه جرى ترويض الحصان لأول مرة في وسط آسيا قبل 6 آلاف سنة، إلا أن شواهد الواقع تؤكد بعدم وجود صلة بين الصفات الجسدية للحصان العربي الذي يتمتع بالنحافة والرشاقة مع نظيره الآسيوي السمين والثقيل، ولا يوجد دليل علمي على أن الحصان العربي جاء إلى الجزيرة العربية من موطن آخر، ويعتقد بعض المؤرخين أن الحصان العربي قد تم استئناسه حوالي القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد. ويتمتع الحصان العربي بصفات تميزه مثل الجسد الضامر والذيل الكثيف المرتفع والرأس المميز والرقبة الطويلة المنحنية والخصر الضامر، ولقد حافظ الحصان العربي على صفاته الفريدة منذ العصور السحيقة، ويمكن إعادة أقدم ذكر معروف عن الحصان إلى 3 آلاف سنة من الوقت الحاضر. سلالات الخيول العربية إن أقدم وأنقى سلالات الخيول العربية قد تمت تربيتها في الجزيرة العربية، وقد حرص العرب على نقاء سلالات خيولهم وقاموا بتربيتها في الجزيرة العربية وحافظوا على ذلك جيلا بعد جيل. ويعتقد أنه قد وجدت خمس فصائل نقية من سلالة الحصان العربي تعرف «بالخمسة»، وتوجد هناك قصص حول هذه الخيول بأنها كانت تعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى خلفائه الراشدين، كما أن هناك قصصا أخرى أقرب إلى الأساطير تنسب كحيلان مثلا إلى الكحل بسبب عيونه الواسعة الكحيلة، إلا أنه ما من أحد استطاع أن يقدم دليلا على أن أصل العربي أو الخمس سلالات الشهيرة، وهي: كحيلان، عبيان، حمداني، صقلاوي، وهدبان. إن التنوع الكبير الذي نشهده في المظاهر الجسدية للخيول اليوم يعود إلى الاختيار الدقيق للتزاوج، كما لعبت عوامل أخرى مثل اختلاف المناخ وطبيعة الأرض والأداء المطلوب من الحصان فيما بعد جميعا لعبت دورا كبيرا في تحديد المنتج، وعلى الرغم من أن العوامل الطبيعية والمناخية في المنطقة لم تكن ملائمة لتربية الحصان العربي، إلا أن اهتمام أهل المنطقة جعل ذلك ممكنا، بل يمكن القول أن الحصان العربي يعد أكثر الفصائل المنتجة بطريقة منظمة في العالم، ومع أن السجلات المكتوبة المتعلقة بإنتاج الخيل العربي تعود فقط إلى حوالي 860 سنة مضت، إلا أن عرب البادية احتفظوا بسجلات شفهية أقدم من ذلك بكثير وتعود إلى بضعة آلاف من السنين، ولقد قام أعراب البادية بإنتاج سلالات من الخيول تصلح لأجواء الصحراء بحرارتها المرتفعة ومرعاها القليل والمياه المحدودة والعدو لمسافات طويلة في هذه الأرض القاحلة. اهتمام المؤسس بالخيول وأفرد الكتاب فصلا عن اهتمام العائلة المالكة السعودية بالحصان العربي، ويشير في هذا السياق إلى أن العائلة المالكة أخذت على عاتقها مهمة الحفاظ على الخيول العربية الأصيلة منذ وقت مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود، وكان الملك عبدالعزيز مولعا بالخيول ومحبا للفرسان، وقد احتفظ بكثير من الخيول في إسطبلاته، وكانت وما زالت تربية الخيول والحفاظ عليها أمرا بالغ الأهمية لدى عائلة آل سعود، وقد وجدت في الدرعية العديد من إسطبلات الخيل في عهد الإمام عبدالرحمن والد الملك عبد العزيز آل سعود، وهذه التقاليد الراسخة في الحفاظ على الخيول العربية الأصيلة لا تزال باقية لدى العائلة المالكة وهناك العديد من الإسطبلات في الدرعية لتطوير وإنتاج الخيول. والكتاب صادر في 460 صفحة عن مؤسسة ليان للثقافة، وهو أحد المشاريع العلمية التي دعمتها المؤسسة، وعن ذلك تقول صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز عضو مؤسس ونائب رئيس مؤسسة ليان الثقافية في تقديمها للكتاب: «تشهد المملكة عصرا جديدا للنهوض بالتراث الحضاري بمختلف جوانبه وتوظيفه والاستفادة منه على الصعيد المعرفي والاقتصادي والتعريف به محليا وعالميا، كما يتم تشجيع المؤسسات الخاصة والمجتمع المحلي للإسهام في المحافظة على التراث الثقافي وتنميته، ووفقا لأهداف مؤسسة ليان الثقافية التي تأسست عام 2007 يسعدها أن تقدم للمكتبات العلمية والباحثين والدارسين كتابا توثيقيا عن الحصان العربي وأصوله وتطوره عبر التاريخ».