كيف استطاع التنين الصيني أن يصبح الاقتصاد الثاني عالميا وينافس الدول المتقدمة في مجالات الصناعة والابتكار؟؟ في مقالة الأسبوع الماضي اطلعنا على تجربة الصين في إيقاف الابتعاث الخارجي بعد المشاكل السياسية مع الاتحاد السوفيتي وتأثر القوة العلمية والتقنية للصين سلبيا مع انطلاق الثورة الثقافية عام 1966م نتيجة إيقاف الابتعاث وتوقف برامج استقطاب العلماء في الخارج وإغلاق الجامعات. في مقالة اليوم نستكمل استعراض التجربة الصينية في التنمية بالتركيز على الابتعاث. نسلط الضوء على مهندس النهضة الصينية الحديثة (دينج شياوبينج) والذي تولى دفة القيادة في الصين خلال الفترة من 1978 إلى 1992م. على يد هذا القائد قررت الصين اتخاذ سياسة انفتاحية على العالم وتحديد أربعة مجالات للتحديث شملت الصناعة، الزراعة، الدفاع والعلوم والتقنية. واستطاعت الصين أن تخطو خطوات مميزة في طريق التنمية وبدأ العمل على تطوير المنظومة التعليمية حيث تفاوضت السلطات الصينية مع عدد من البلدان لاستقبال الطلاب والعلماء الصينيين بغرض تدريبهم في برامج مكثفة. ووقعت الحكومة الصينية في العامين 1978 -1979 م اتفاقيات مع كل من فرنسا، اليابان، إيطاليا، بريطانيا، ألمانيا الغربية، السويد، كندا، استراليا والولايات المتحدة. وقدّر عدد الطلاب الصينين الدارسين في الخارج في ديسمبر 1979م بحوالي 4600 متوزعين في 33 دولة. من ناحية أخرى قررت وزارة التربية والتعليم الصينية تخصيص 88 جامعة ومؤسسة تعليمية من أصل 600 في مجال التعليم العالي لتكون جامعات رائدة تخدم البلاد ككل في العام 1978م . وتم التركيز على هذه المؤسسات في تزويدها بأعضاء هيئة تدريس أكفاء ومرافق تعليمية أفضل من أجل إعداد أجيال متميزة من العلماء والمهندسين والتقنيين الصينيين. كانت هنالك الكثير من السياسات التنموية الأخرى والتي يصعب حصرها في هذه المقالة، لكن إن سألتموني عن أكثر ما يميز تجربة (دينج) فهي شجاعته في تنفيذ رؤيته التي آمن بأنها في مصلحة الصين رغم المعارضة الشديدة التي واجهها. ومما ساعده على ذلك تحديد أهداف وطنية على ثلاث مراحل تستغرق 70 سنة لتنفيذها وتحقيق النتائج. كان التحدي الأول توفير الطعام والكساء للمواطنين خلال 10 سنوات وتمكنت الصين من تحقيق الهدف في نهاية الثمانيات قبل الموعد المحدد. وكان التحدي الثاني رفع الناتج القومي الإجمالي للصين لعام 1980 ليكون أربعة أضعاف في عام 2000م واستطاعت الصين تحقيق ذلك الهدف عام 1995م. ولتحقيق الهدف الثالث بأن تكون الصين في مصاف الدول المتقدمة حتى عام 2050م عبر رفع مستوى دخل الفرد للناتج القومي الإجمالي فما تزال الصين تستثمر في الابتعاث والتعليم حيث أصبح الطلبة الصينون أكبر جالية أجنبية تدرس بالجامعات الأمريكية حسب بيانات العام 2010م والذين بلغ عددهم حوالي 128 ألف طالب للعام الدراسي 2009/2010م. كما ارتفع عدد الطلبة الصينيين في اليابان إلى حوالي 128 ألف طالب في عام 2007م مما يعني أن الصين تسعى لنقل العلوم وتوطينها من مختلف الدول مع ملاحظة وجود أعداد كبيرة من الطلبة الصينيين على حسابهم الخاص. وكأن (دينج شياوبينج) كان ينظر إلى المستقبل في قوله :"عندما يعود الآلاف من الطلبة الصينيين في الخارج إلى ديارهم، سترون كيف تتطور الصين بنفسها". نعم إننا نراهم اليوم يا (دينج) بعد أن عادوا وقادوا بلادهم لتكون اليوم القوة الاقتصادية الثانية عالميا وما يزالون يسعون لتعتلي الصين المراكز الأولى في مختلف المجالات.. وأخيرا، أبناؤنا وبناتنا المبتعثون في الخارج والدارسون في جامعاتنا ومعاهدنا قادرون بعون الله على صناعة المعجزات،، فقط حددوا لهم الأهداف وامنحوهم الدعم والثقة وسترون ماذا يصنعون!!