حينما قرأت نبأ وفاة الراحل الدكتور عبدالعزيز الخويطر انتابني الحزن والأسى ودعوت له من أعماق قلبي بالرحمة والمغفرة وعادت بي الذكرى إلى ثمانينات القرن الماضي حينما كنت أحد المعارين لدى مدارس ( وزارة المعارف) حيث كانت تسمى بذلك الاسم قبل تسميتها وزارة التربية والتعليم حينها صدر قرار وزاري يقضي بعدم التجديد لمن انتهت إعارتهم وكنت منهم علماً بأنني حاصل على استيداع من وظيفتي يمكنني من الاستمرار في التعاقد لمدة أربع سنوات أخرى ويمكن بعدها أن احصل على استقالة حيث كانت ظروفي وقتها تحتم علي الاستمرار بالتعاقد. بدأت ابحث عن مخرج فاستشرت الشيخ محمد الهويش حيث كان وقتها مفتشا قضائيا بوزارة العدل في ذاك الوقت‘ و تعرفت عليه من خلال مدير المدرسة التي كنت أعمل بها وهو الأستاذ فايز المنصور حيث كانا يعملان سوية بصفتهما متعاونين في إذاعة الرياض. فالهويش من الرعيل الأول الذين تسري النخوة في عروقهم فقال لي معرفتي مع الدكتور الخويطر من أيام الدراسة؛ دعنا نذهب إليه ونشرح له الوضع وأحضر معك خطاب تزكية من الدكتور عبدالله بن محمد بن إسحاق آل الشيخ لأننا كنا جميعًا بفصل واحد ومدرسة واحدة وبالفعل ذهبنا إلى مكتبه بالوزارة وكان وقتها موجودا عنده تصوير تليفزيوني وبعد انتهائه أوعز لنا بالدخول‘ تعانق هو والشيخ الهويش عناقًا حاراً، ثم سلمت عليه بعده مصافحة‘ وجلس هو والشيخ الهويش يستعيدان ذكريات الدراسة وفي أثناء الحديث جاء العامل ليصب القهوة العربية‘ ومنها كان لي رصد لموقف اخلاقي نبيل يدل على عمق ونبل أخلاق الرجل، صب العامل القهوة للشيخ الهويش ثم جاء ليصب القهوة للدكتور الخويطر حيث كان موقعه يلي الشيخ الهويش فأشار بإصبعه للعامل باتجاهي ورفض اخذ الفنجان من العامل حينها بدأت أنظر يمينًا ويسارًا نظرة استغراب هل أنا في مكتب الوزير أم غيره، احمر وجهي خجلاً واحترامًا لهذا الموقف وأدركت عمق الأخلاق النبيلة التي يتمتع بها الرجل، رفضت أخذ الفنجان وأشرت للعامل باتجاه الدكتور إلا انه أبى وأصر إلا باحتسائي لفنجان القهوة قبله فقلت في نفسي يا الله ما أعظم تلك الأخلاق وما أنبلها وفي أثناء اللقاء سأله الشيخ الهويش هل قرار منع التجديد للمعارين بعد انتهاء إعارتهم قرار سامٍ أم غير سامٍ وكنت وقتها لا أعرف معنى ( سامٍ) فأجابه غير ( سامٍ ) ولكنني إن وافقت له سأوافق لكل أمثاله وهذا نقض لقراري، ولكن الحل الانتقال لمدرسة أهلية بعد إحضار ما يثبت رغبتهم في الانضمام للسلك التعليمي لديهم، وفعلا تم انتقالي لمدارس التربية النموذجية . الوقفة الثانية: حينما وافق لي الوزير بالانتقال للقطاع الخاص وافق لكل من تقدم بالانتقال للقطاع الخاص دون توصية، وهذا دليل على نزاهته وتطبيقه النظام على الجميع دون أي محاباة والتزامه بالمعايير الأخلاقية النبيلة. الوقفة الثالثة: بعد سماعي بانتقاله للرفيق الأعلى كان من واجبي الأخلاقي يحتم علي حضور جنازته في مثواه الأخير والدعاء له والرجاء من العلي القدير أن يغفر له ويعظم في أجره وأن يحشره مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وهناك كان الموقف مهيبًا وجليلاً فجموع المعزين الغفيرة التي ملأت أرجاء المقبرة والذين كانوا من جميع طبقات المجتمع حيث كانت ألسنتهم تلهج بالدعاء والمغفرة له. رحمك الله أيها الفقيد رحمة واسعة وحشرك الله مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون. *مدارس التربية النموذجية - الرياض