في ظل الاضطراب، والخوف، والقلق، والفتن العمياء التي تحيط بالمرء وما يصيبه من هلع وجزع، تراه يسأل إلى متى، وما الذي سيحدث، وهل هناك من أمل..؟ هل هناك من معجزة؟ ولقد سبق أن كتبت عن انتظار المعجزة وقلت: إن هذا زمن عجيب.. كل ما فيه عجيب، وغريب، تحولاته سريعة، وتقلباته سريعة، ومتعاقبة، ومتتابعة، إلى درجة الحيرة، والذهول، والارتباك..! كل شيء أصبح يتبدل، ويتغير بطريقة دراماتيكية. القيم تتغير، والأخلاق تتغير، والمفاهيم تتغير، والمواقف، بما فيها المواقف السياسية تتغير بطريقة غير متوقعة، بل وغير معقولة.. والعلاقات، والصداقات هي الأخرى أصبحت مربوطة بالمصالح والمنافع، فلم تعد هناك إشارات مرور أخلاقية، تضبط سلوك الناس، وتصرفاتهم، وقيمهم.. هناك تفلّت، وهناك حمى من الاضطراب توشك أن تجعل كل شيء فوضى.. هناك ضباب، وغبار، ودخان، وعجاج، اختلط فيه الحابل بالنابل، والصدق بالكذب، والحق بالباطل، والصواب بالخطأ.. فما كان جائزاً أصبح ممنوعاً، وما كان محرماً صار مباحاً، وما كان عيباً صار محموداً مقبولاً.. وصديق الأمس صار عدواً، والأرعن أصبح حكيما، والضعيف المستكين حلت فيه روح شيطانية متمردة.. اليوم كلّ يدعي الحق والحقيقة، وكل يعتقد أنه على الصواب والصراط المستقيم، لم تعد هناك مرجعية عقلية يحتكم إليها، ولا هيبة أخلاقية زاجرة، ولا أمانة مع النفس رادعة.. العقول أصبحت ضحايا الألاعيب والأكاذيب.. والحوارات السياسية، والفكرية، المتضاربة، والمتصادمة، المتناقضة، من خلال الإعلام الممقوت.. والقنوات الفضائية التي تكشف حالة الضياع والبؤس من الشقاق، والانشقاق، وروح اليأس، والقنوط، والخوف من المستقبل، إلى جانب ما تبثه من فجر، ورعب، وهلع أخلاقي، وموبقات تدمر عقول الشباب، فهي أشد فتكاً من الكوكائين، والهروين، وكل أنواع المخدرات، والموبقات العقلية والنفسية.. وتظل هكذا تفتك وتدمر بلا حسيب أو رقيب.. كثر الوعاظ، وكثر الناصحون، وكثر المنافقون، والدجالون، والمتكسبون، واستفحل الخلاف. فالناس أصبحت تختلف حول البدهيات، وصارت تشكك في المسلّمات، ولم يعد هناك من ثوابت يُركن إليها، وهذا هو أخطر ما في الأمر. فكلّ صار يجتهد، ويقضي، ويحكم، ويفتي.. يعطي رأيه في الأمور السياسية، والثقافية، والفكرية، والأخلاقية، وفق مزاجه وهواه.. والناس إذا اختلطت أمامهم المفاهيم، وتعددت القيم، وتهاوت أركان الثوابت فإنهم يصبحون كالقطعان التائهة في مجاهل الضياع والعطش.. أما في الأمور السياسية فقد وصلنا إلى مرحلة الجنون..!! فبعض الحكومات العربية المذهبية أصبحت تقتل شعوبها بالسكاكين والفؤوس، والغازات السامة، وبراميل البارود.. فصارت الجيوش هي عدوة المواطنين.. طائرات وصواريخ تقصف، ومذهبيات تفرق وتشعل الحرائق والفتن هنا وهناك.. والمدن، والبلدان، والقرى، تفرغ من أهلها الذين بعثرهم الموت والتشريد والنفي، فقتلهم الجوع والفقر، والإذلال في المنافي والمخيمات أو في بيوتهم التي يمطرها الرعب، والرصاص، وتداخل العداء، وتدخّل الأعداء، فأصبح الفارسي يقتل العربي جهاراً نهاراً بمباركة بعض الملالي ذوي النزعات الطائفية الحاقدة.. وعاد مهندس اللعبة السياسية الغربي يمارس احترافيته التمزيقية، والتشتيتية، بشكل اشد كراهية ومقتا..!! وهو يمارس ذلك بتلقائية البغضاء فقط.. وليس بسبب شيء آخر. كي لا يغضب منا منكرو "نظرية المؤامرة" تقول ما العمل..؟ أقول لست أدري.. وذروة المأساة أن تكون غير قادر على فهم وجهتك.. ذروة المأساة أن تفتقد بوصلة اتجاهك في صحراء التيه أو داخل عواصف وأعاصير المحيط المتلاطم بالأمواج.. وأظنك مثلي لا تدري ما العمل، ولا كيف الحيلة وربما أنه قد أصابك اليأس فاستسلمت للإذعان والانقياد، وأسلمت أمرك لزمام القدر، لا تريد أن تشغل عقلك، ولا أن تذهب نفسك حسرة على ما أنت فيه...! لعلك تقول.. لعل معجزة تأتي لم تكن في حسباننا فتغير كل شيء، وأقول وأنا مثلك أنتظر -ربما بلا يأس- مثل هذه المعجزة. لعلك تقول.. لعل صراعاً كبيراً يحدث بين المتنافسين الكبار نلتقط فيه أنفاسنا.. ونرى فيه طريقنا.. فأقول لعل وعسى. ولعلك تقول: ربما يخرج لنا صديق قوي جديد يشد من أزرنا ويقف إلى جانبنا.. فأقول لك إلا هذه، فلن يقف أحد إلى جانبنا لسبب بسيط جداً وهو أننا لم نقف إلى جانب أنفسنا..؟