لست أدري ما الذي سيحدث لكوننا في مستقبل الأيام، فقد أصبح كوناً مختلاً، مضطرباً، متفلتاً يركض بعنف نحو الخراب والدمار، لقد خرج الكون عن قانونه الوجودي، والإنساني، فلم تعد هناك ضوابط أخلاقية تحكمه، وتحدد مساره نحو العيش في أمان.. لقد أصبح قانون الرعب هو المسيطر على سيرورة الحياة، وكان الكون خرج عن جاذبية الرحمة التي تشد الإنسان إلى وجوده بحكم كونه عامراً للحياة... ومن ثم فإنه أصبح وجلاً مذعوراً يترقب، لأنه لم تعد أرض تقيه، ولا سماء من عاديات الحياة وشرور أهلها.. انظروا مثلاً كيف يصبح قتل الشعب أو الإنسان في وطنه وظيفة حكومية تتولاها الحكومة، أو السلطة كما يحدث يومياً في سوريا.. وهذا هو الاختلال، والجنون الذي أفسد ويفسد كل القيم، والأعراف الكونية، ومن ثم فإننا نجزم بأن الكون يعاني من اضطراب شديد، وكأنه مريض قد ارتفعت درجة حرارته، وارتفع ضغطه، وتسارعت دقات قلبه فهو يوشك على الموت والفناء.. وكنت قد كتبت ذات مرة وقلت بأن: هذا زمن عجيب.. كل ما فيه عجيب، وغريب، تحولاته سريعة، وتقلباته سريعة، ومتعاقبة، ومتتابعة، إلى درجة الحيرة، والذهول، والارتباك..! كل شيء أصبح يتبدل، ويتغير بطريقة دراماتيكية. القيم تتغير، والأخلاق تتغير، والمفاهيم تتغير، والمواقف، والعلاقات، والصداقات، بما فيها السياسة، تتغير بطريقة غير متوقعة، بل وغير معقولة.. هناك تفلّت، وهناك حمى من الاضطراب توشك أن تجعل كل شيء فوضى.. هناك ضباب، وغبار، ودخان، وعجاج، اختلط فيه الحابل بالنابل، والصدق بالكذب، والحق بالباطل، والصواب بالخطأ.. فما كان جائزاً أصبح ممنوعاً، وما كان محرماً صار مباحاً، وما كان عيباً صار محموداً مقبولاً.. وصديق الأمس صار عدواً، والضعيف المسكين حلت فيه روح شيطانية متمردة.. اليوم كل يدعي الحق والحقيقة، وكل يعتقد أنه على الصواب والصراط المستقيم، لم يعد هناك مرجعية عقلية يحتكم إليها، ولا هيبة أخلاقية زاجرة. العقول أصبحت ضحايا الألاعيب والأكاذيب.. والحوارات السياسية، والفكرية، المتضاربة، والمتصادمة، المتناقضة، من خلال الإعلام الممقوت.. والقنوات الفضائية التي تكشف حالة الضياع والبؤس من الشقاق، والانشقاق، وروح اليأس، والقنوط، والخوف من المستقبل. كثر الوعاظ، وكثر الناصحون، وكثر المنافقون، والدجالون، والمتكسبون، بل واستفحل الخلاف. فالناس أصبحوا يختلفون حول البديهيات، وصاروا يشككون في المسلمات، ولم يعد هناك من ثوابت يُركن إليها، وهذا هو أخطر ما في الأمر. فكل صار يجتهد، ويقضي، ويحكم، ويفتي.. يعطي رأيه في الأمور السياسية، والثقافية، والفكرية، والأخلاقية، وفق مزاجه وهواه.. والناس إذا اختلطت أمامهم المفاهيم، وتعددت القيم، وتهاوت أركان الثوابت، فإنهم يصبحون كالقطعان التائهة في مجاهل الضياع والعطش.. تقول: ما العمل..؟ أقول: لست أدري.. وذروة المأساة أن تكون غير قادر على فهم وجهتك.. ذروة المأساة أن تفتقد بوصلة اتجاهك في صحراء التيه، أو داخل عواصف وأعاصير المحيط المتلاطم بالأمواج.. وأظنك مثلي لا تدري ما العمل، ولا كيف الحيلة وربما أصابك اليأس فاستسلمت للإذعان والانقياد، وأسلمت أمرك لزمام القدر، لا تريد أن تشغل عقلك، ولا أن تذهب نفسك حسرة، على ما أنت فيه...