قال وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف ان الأمير سعود الفيصل ابلغه مشاركة المملكة في مؤتمر المانحين الذي ستستضيفه جيبوتي خلال هذا العام حيث يهدف المؤتمر إلى دعم الخطة الخمسية الرامية إلى رفع مستوى البنية التحتية لها بما يتناسب مع كونها بوابة لدول شرق إفريقيا. وأوضح يوسف في حديث ل « الرياض» أن بلاده تسعى لايجاد نوع من الشراكة تساعد أو تكون نواة لفضاء تجاري تُشجَّع فيه الاستثمارات. كما تحدث الوزير الجيبوتي عن الاستثمار الصيني واصفاً إياه بالاستثمار المبني على الشراكة بخلاف الأوروبي «المستغِل» ، لافتاً إلى ان الشركات الصينية تهتم بالجانب الاجتماعي في افريقيا بعكس نظيراتها الأوروبية ، موضحاً ان الشركات الصينية جاءت لافريقيا لتملأ فراغ الدول العربية التي لا تهتم بالأسواق الإفريقية لأسباب كثيرة ومختلفة. وتطرق وزير الخارجية أيضاً إلى الأزمة الصومالية واصفاً إياها بالمرض المزمن ، مشيراً إلى عدم رغبة قادة المليشيات الصومالية وزعماء القبائل في إيجاد حلّ للأزمة ، لافتاً إلى ان الحرب الأهلية التي استمرت لعقدين نقلت الصومال للقرن التاسع عشر. وهنا نص الحوار: أزمة الصومال أصبحت مزمنة وزعاماته لا يرغبون في إيجاد حلّ - هل لكم أن تطلعونا على نتائج زيارتكم للمملكة على ضوء توقيع الكوميسا (تجمع السوق المشتركة لشرق وجنوب افريقيا) على اتفاقية مع مجلس التعاون قبل أسابيع ؟ ** الزيارات التي نقوم بها إلى الرياض أو الزيارات التي يقوم بها المسؤولون في المملكة تندرج في إطار بحث سبل تطوير العلاقات الثنائية. هذه الزيارات تتم بشكل مستمر وفي مجالات شتى أهمها التركيز على تطوير الاستثمارات بين البلدين ومحاولة خلق نوعية من الشراكة بين المملكة وجيبوتي تساعد أو تكون نواة لفضاء تجاري تُشجَّع فيه الاستثمارات بين دول التعاون الخليجي والكوميسا. هذه العلاقة نستطيع نحن وإخواننا في المملكة إنشاءها بهدف تكوين حركة تجارية انسيابية بين الدولتين. حركة تتنقل فيها رؤوس الأموال دون عوائق فتساعد في تحسين البنية التحتية وزيادة الأرباح وخلق المنافع المختلفة. يتم هذا عبر شبكة مصرفية ثابتة ومن خلال خلق تجانس في السياسات الاقتصادية والتجارية وسد كافة الثغرات التي قد تنتج من عدم تناغم هذه السياسات. هذه هي أسباب زيارة الكوميسا للمملكة وهي ذات الأسباب التي انبثقت منها فعاليات المنتدى السعودي مع دول شرق افريقيا في أديس أبابا قبل شهرين. لقد جئنا إلى المملكة أيضاً للتباحث واستعراض قضايا كثيرة تتعلق بالمسائل الأمنية كظاهرة القرصنة التي بدأت تهدد حركة التجارة والملاحة ليس في المنطقة فحسب بل في جميع دول العالم بدأ يساورها القلق من أن تهدد القرصنة مصالحها في المنطقة. إن القرصنة هي احد أعراض الأزمة السياسية التي تعصف بالصومال منذ عقدين. وإننا نعتقد أن للمملكة وجيبوتي دورا محوريا يمكنهما لعبه لحل هذه الأزمة. - ما أهم النقاط التي بحثتموها مع الأمير سعود الفيصل خلال زيارتكم ؟ ** كما ذكرت آنفاً فإن النقطة الأولى التي تحدثت عنها هي كيفية توطيد وتعزيز العلاقات التجارية وحركة رؤوس الأموال بين الدولتين. كما استعرضنا الأزمات التي تمر بها المنطقة ومنها منطقة القرن الإفريقي كالأزمة الصومالية والأزمة بين جيبوتي واريتريا والأوضاع في السودان ونتائج الانتخابات فيه وايضاً تدخلات بعض الدول في الشأن الداخلي الصومالي . إلى جانب ذلك كنت احمل رسالة من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وقد سلمت الرسالة إلى سمو الأمير سعود الفيصل. وقد تباحثت مع سموه بشأن موضوع يهم جيبوتي وهو مؤتمر المانحين الذي سيعقد في الشهور القادمة لدعم الخط الخمسية في جيبوتي وقد وجهنا الدعوة للمملكة التي أكد سمو وزير الخارجية حضور ممثل المملكة له ، ونتمنى أن يعقد المؤتمر خلال هذا العام. - ماهي الأهداف الرئيسة لمؤتمر المانحين ؟ ** ترتكز أهداف هذا المؤتمر على عدة محاور أبرزها كيفية تحسين اقتصاد جيبوتي من خلال رفع مستوى البنية التحتية فيه ليصبح بوابة لدول شرق إفريقيا. ثانياً تعزيز القدرات المالية بتكثيف حركة رؤوس الأموال بين الفضاءين العربي والافريقي، وهذا الأخير يتوافر على فرص استثمار كبيرة جداً تجعله مؤهلاً ليؤسس لجسر اقتصادي وثقافي بين القارتين. نحن نعلم أن المنتدى الأخير الذي عقد في أديس أبابا قد شهد قيام رجال الأعمال السعوديين بشراء أراض في إثيوبيا وهم ايضاً مستعدون لاستثمار مبالغ كبيرة جداً في مجال زراعة الأرز ومحاصيل أخرى. البوابة او المنفذ البحري لأثيوبيا هي جيبوتي وعلى هذا الأساس فإن أي استثمار في أثيوبيا يجب ان يمر عن طريق جيبوتي سواء لتصدير المنتجات او نقل المعدات وبالتالي فإن جيبوتي أصبحت حلقة الوصل بين الجزيرة العربية والسوق الإثيوبية. هناك نقطة مهمة وهي أن الاستثمار السعودي في القارة الإفريقية يجب ان يكون لديه ضمانات وتتوفر له فرص للربح. نحن في جيبوتي لدينا إجراءات مشجعة للمستثمر في بلادنا او في إثيوبيا. - يقال ان الصينيين جعلوا إفريقيا " قارة صفراء " عطفاً على حجم المبالغ الكبيرة التي يستثمرونها هناك مما دفع ببعض الدول لتوجيه انتقادات لبكين ألا ترى في هذه الانتقادات بعض المبالغة؟ ** الاستثمار الصيني في افريقيا جاء ليملأ فراغ الدول العربية في السابق التي لم تعد تهتم بالأسواق الإفريقية لأسباب مختلفة وكثيرة. إن الصين والهند تهتمان بالأسواق الافريقية والسكان هناك يرحبون بهذه الاستثمارات التي تخلق فرص عمل وثروة. لقد دخلت الصين بقوة في هذه الأسواق وهذا واقع جعل دول الاتحاد الأوروبي تستشعر الخطر على الأسواق التي كانوا يعتبرون أنها محمية بحكم ان هذه الدول في السابق كانت تابعة لهم. لقد فقد الأوروبيون السيطرة لأن الصين دخلت من باب الشراكة أما الدول الأوروبية والغربية عموماً فهي تحاول ان تستغل الموارد الطبيعية للدول الأفريقية دون أن تولي الاستثمار الاجتماعي اهتماماً يذكر. إن هذا يخل بالتوازن والدول الإفريقية تشعر بأن شركات نفطية كبرى وعالمية تستثمر مبالغ لا تعود عليها بالمنفعة. أما الصين فلها مقاربة مختلفة تأخذ بعين الاعتبار جزءا من المشاكل الاجتماعية لتلك الدول وتحاول ان تساعد الحكومات في معالجة المشاكل من بناء المستشفيات والطرق والملاعب كل هذه الأمور تساعد في خلق شراكة متوازنة بين المستثمر الصيني والدول الإفريقية التي تستقطب هذه الاستثمارات. - تحدثتم عن جسر معنوي يربط الفضاءين العربي والافريقي لكن في المقابل كان هناك مشروع إنشاء جسر فعلي يربط بين اليمن وجيبوتي ، لماذا توقف؟ ** كان هناك مشروع بادر به رجل أعمال سعودي وهو طارق بن لادن يربط بين اليمن وجيبوتي إضافة إلى إنشاء مدينتين على طرفي الجسر ستسمى ب "مدينة النور" ، لكن هذا المشروع توقف إلى حد ما بسبب الأزمة المالية العالمية. كما أن البنوك التي كانت مهتمة بالتمويل بدأت تعيد النظر في المشروع لنقص السيولة التي تعرضت لها. بيد أن فكرة المشروع تم استكمالها دراسةً وهناك بنوك كثيرة اهتمت به وربط الجزيرة العربية بأفريقيا سيكون نقلة نوعية في العلاقات بين العرب والأفارقة ونحن على يقين بأن حركة التجارة ستزداد بفضل ذلك وسيكون هناك فرصة لمد سكة حديد وتقنيات اتصالية ، وكنا نستبشر خيراً بهذا المشروع لكنه اجّل للأسباب التي ذكرت. - لننتقل للصراع الصومالي لماذا هذا العجز في خلق أرضية مناسبة للانطلاق منها نحو السلام في الصومال ولماذا باءت كل المحاولات بالفشل؟ ** الأزمة الصومالية مستعصية على الحل وهي تشبه المرض الذي إذا لم يعالج منذ البداية يصبح مزمناً. الأزمة الصومالية تعقدت والصوماليون أنفسهم هم جزءٌ منها ولولا كونهم كذلك لأصبح حل الأزمة ممكناً. - أليس هذا رأياً قاسياً؟ ** عندما أقول ذلك لا اقصد الصوماليين عامة ، بل اقصد الأوساط السياسية وزعامات المليشيات وقيادات القبائل والعشائر والأشخاص النافذين الذين يستطيعون إيجاد الحل. - ما السبب في عدم إيجاد الحل ؟ ** هناك مفارقات وتناقضات كثيرة متعلقة بالانتماءات القبلية، والصراع على السلطة يؤجج الصراع بين القبائل. ثم إن هناك ظاهرة ربما لا يستطيع المراقب عن بعد استشعارها وهي انه وبعد اندلاع الحرب في الصومال عام 91م ، فر العديد من الصوماليين الذين يستطيعون إيجاد حلّ ، وهاجروا إلى دول كثيرة ومن تبقى في الصومال هم أناس من الأرياف والرعاة وذوي المستوى المتدني في التعليم الذين بدؤوا بالتوجه الى المدن التي أفرغت من سكانها. هؤلاء الذين قدموا من الأرياف عندما عاشوا فترة معينة في هذه الظروف الفوضوية تكيفوا مع هذه الأوضاع. ونجد اليوم جيلين أو ثلاثة في الصومال لم يعرفوا المدارس ويعيشون على تهديد السلاح ويستخدمونه كمصدر لقوتهم حتى الزعامات الأهلية والقبلية معظمهم أناس لا يجيدون القراءة والكتابة. - هل تريد القول ان الصومال بلد لا يعيش في القرن الواحد والعشرين ؟ ** الحرب الأهلية التي استمرت لعقدين نقلت الصومال للقرن التاسع عشر وهذا واقع فكل البنية التحتية دمرت من مستشفيات وطرق ومدارس. الحل في تقديرنا يجب أن يأتي من الصوماليين أنفسهم. نحن تناولنا هذا الموضوع مع سمو الأمير سعود الفيصل وهناك رؤية مشتركة بين المملكة وجيبوتي في المقاربة وكيفية الوصول إلى توافق صومالي ليشعروا بأن مصيرهم بيدهم وان من يمثلهم يجب أن يكون منهم وإذا كان هناك من دستور فلا يجب أن تتم صياغته خارج البلد بل في داخله ومن الصوماليين أنفسهم.