التزين مكمل من مكملات الأنوثة، وهو سلوك أنثوي تحرص الأنثى في مراحلها العمرية كلها عليه، منذ الطفولة - فهي آنذاك تطلبه من والدتها وتقلدها فيه - وحتى في سن الشيخوخة لا تتركه، وأكثر ماتنشده في سن الصبا وعندما تكون عروسا، وقد وجد التزين عند كافة الحضارات القديمة والحديثة بدءًا بالكحل والعصفر(1) والديرم (2) وانتهاء بأحمر الشفاه وظل العيون وبودرة الخدين وطلاء الأظافر ألخ ولأهمية التزين وخطره كعامل من عوامل الفتنة والغواية جاء ذكره في القرآن الكريم ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهنۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖوَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (3) . ولكن هذا الفعل النسوي الحميمي والذي يرتقي أحيانا إلى حد الطقس الفرائحي (لاحظ الأناشيد والأهازيج التي ترافق حفلات وضع الحناء للعروس) من مثل هذه الأهزوجة: حنانك ورق يا بنيه حناك ورق وإذا دزوك على المعرس دكك العرق حناك عجين يا بنية حناك عجين وإذا دزوك على المعرس بالك تستحين هذا الفعل يتحول لدى القاصة أمينة الحسن في قصتها عبث الى فضلة حياتية، والى لعب أنثوي لا قيمة له، ولا يحظى بمكانته الحقيقية بسبب غربة المرأة المعاصرة، وهذا ملاحظ ومشاهد فكثير من النسوة يذهبن لصالونات التجميل ليس للتجمل إنما لطرد الملل. يخضع السرد في قصة عبث لنظام الدائرة المغلقة، أي سيطر عليه مايعرف بالوسواس الشكلي في البناء، فقد ابتدأ السرد بعبث الطفلة وهي شخصية ثانوية هنا ومساعدة للبطلة في حمل فكرة النص (العبث) وانتهى بها، وكانت البطلة أيضا مشاركة للطفلة في الهوس بنظام الدائرة فقد شاركتها الظهور في استهلال السرد وفي خاتمته، ومركز العبثية في هذا النص الرأس وهو هنا مدور أيضا والأفكار تدور فيه في عبثية لا نهاية لها، والقلق الباطني في الشخصيتين البطلة الراوية ومساعدتها الطفلة هو الذي يدفع للفعل الخطأ أو للعلب لتبديد القلق الضاغط على الشخصية وطرده أو استبداله بالسكينة، وكلا الشخصيتين ضائق بالمكان يتنازع حصة الرفض من خلال أفعاله المبثوثة في ثنايا السرد، والتي تظهر في مكان الزينة (صالون التجميل) الذي يفترض أن يكون مكاناً شاعرياً أليفاً تتجمل فيه الشخصيتان، ولكن للآسف التجمل الذي تريده البطلة الراوية والطفلة وهو تجمل داخلي يتمثل في الخلاص من القلق وعبثية الوجود غير متاح، فالطفلة التي يفترض أن تراقب المزينات (عاملات صالون التجميل،الماشطات والحناءات ألخ) وهن يؤدين عملهن في طالبات التزين من النسوة بتركيز وحب للتعلم وللمحاكاة فيما بعد كفعل غريزي أنثوي لم تقم به، إنما (تصعد على الكرسي ثم تنزل تقلبه وتقف فوقه، تركض يمينا وشمالا، تلتصق بالجدار وتغني بهدوء وتقف في منتصف الغرفة تنظر إلى كل شيء باستغراب) والشعور بالغرابة يعضد عاطفة الرفض الداخلي لتعلم التزين أو الافتتان به كحد أدنى، وحين نأتي للبطلة نراها ترفض تغيير لون شعرها بالتراجع عنه في آخر لحظة وهو كفعل تجميلي أكبر بكثير من تنظيف بشرة، الذي فعلته ، والذي يبدو كتطبيب للبشرة المريضة وليس تزيينا لها. وفي حين أن الشخصية الثانوية الثانية المزينة بدت محايدة وآلية ونموذج سردي غير مشارك في نمو السرد ألحت البطلة الساردة على فكرة العتق من القلق وعبثية الأفكار والأفعال ولاذت إلى الطبيعة كمساند خارجي، وهو ملاذ غير مجد أيضا (كانت أصابعها ناعمة وهي ترسم دوائر على وجهي، كنت أودها أن تعمل تدليكا لرأسي علني أهدأ قليلا وارتاح، أراني سفينة تائهة في محيط تتلاطم فيه الأمواج، في حرب بين مد وجزر، ومحاولات الريح مازالت مستمرة في فك النزاع)، وحتى فعل تنظيف البشرة ينكشف للقارئ في النهاية ويبدو ليس فعلا تجميليا للشخصية، إنما فعل عبثي عدمي، كانت البطلة لا تبتغيه، إنما ابتغت في الأصل تدليك الرأس لعلاجه من مرض الأفكار، وإغلاق العينين اللتين تريان العبثية في الحياة والوجود! والتزين الذي يعبر عن عاطفة الحب والسعادة والذي تبذله الأنثى للذكر أولاً، ثم لنفسها ثانيا، لا يوجد في النص الشخصية الذكورية التي تستقبله بالإشادة وبالانبهار، فالقصة أنثوية خالصة، خلت من الشخصيات الذكورية خلوا تاماً، ومجتمع السرد فيها ثلاث إناث فقط، وهذا يقوي الحكم بما ذكرناه سابقا وهو أن التزين لدى البطلة الراوية فضلة حياتية، ولاحظ الرؤية السابقة للبطلة لهذا الفعل، حين كانت فتاة طبيعية مثلها مثل أي فتاة أخرى تحب التزين للذكر وتنتتظر رد الفعل منه ولم تتشوه نفسها بسببه فيما يبدو، (أبحث عن الحب والسعادة والطمأنينة في، ورغم أنني أحاول جاهدة أن أمنحها لمن حولي لا أجدها تمنح لي ربما لا يجدر بي المطالبة بردة فعل حينما أفعل، ولكنني مقتنعة بقانون نيوتن فحين لا أرى تجاوبا مع أفعالي لا أستطيع أن أواصل الفعل مع الأشخاص ذاتهم، أدرك مشاعري وأحاسيسي ولكن كيف أجعلها مدركة لديهم )، وهذا يؤكد عجائب النساء في التزين، ذلك أن جلهن يرفض الاقتران بالذكر الأعمى لا لنقص في رجولته، إنما لأنه فقد حاسة الابصار ولا يستطيع أن يرى زينتهن وبالتالي يتغزل في جمالهن. وبعضهن لا ترضى أبدا أن يطلع عليها الذكر إلا وهي في زينة حتى وإن كان فعل الاطلاع عليها غصبا وليس اختيارا أو غير مخطط له! وقد حاولت القاصة أن تعنون قصتها بعنوان موح ورامز يجذب المتلقي إلى القراءة عبر العتبة النصية الأولى، ولكن العنوان هنا بدا عضويا وظيفيا أكثر من كونه رامزا موحيا، التحم بالنسيج السردي، وتم تذويبه فيه، وكأنه جزء منه أو مفردة من مفرداته، وإن لم تذكر المفردة فيه بنصها إنما من خلال القرائن اللفظية وأفعال الشخصيتين، وبالتالي يصعب اعتباره رأسا منفصلا عن باقي الجسد السردي. ولم يحتو النص على صراع حاد حقيقي أو قوي بين شخصياته، كان صراع البطلة سائراً في خط حدثي لوحده، وكان صراع الطفلة يسير موازياً له، ولم يتقاطعا، ولم يكونا متماثلين في القيمة، فقد ظهر صراع البطلة مع وجودها ومع الآخرين فيه بعض الحرارة، على عكس صراع الطفلة مع وجودها ومع الآخرين الذي بدا بارداً ولا مبالاة فيه، ربما لعدم جاهزيتها له وحسب تقنين الساردة لحصتها منه. الهوامش: (1) العصفر: عشبة ملونة للبشرة تمنحلها اللون الأصفر الفاتح، وكانت تستخدم قديما في تزيين العروس. (2)الديرم: طلاء لشفتي المرأة يحيله إلى الأحمر الداكن، وهو عبارة عن لحاء شجر يجلب من الهند. (3): سورة النور، الآية رقم 31.