ليس في قصص الغرام وحدها تبدو الذكرى متجسدة تنبض بالحياة.. ولكن أيضا في الواقع المعاش.. في قلوب العشاق وفي دبيب الإحساس.. فالعشاق بين وَجْدٍ وفراق يتعلقون بأهداب الذكرى كما يتعلق الغريق ولو بخيط رقيق.. قد يعرف العاشق أن محبوبته تزوجت غيره وأنه فقد الأمل أو كاد، ولكنه يطلب بورع أن تظل تذكره لأن إحساسه بأنها تذكره يُسقي شجرة حبه لتظل خضراء، ويحيي خيط الأمل من الانقطاع، ويحمي نور العشق أو ناره من الانطفاء .. والعشق مع الفراق الصارم يتحول الى نار في الضلوع ولكنها نار لا يريد صاحبها أن تنطفئ، لا يصدق أن كل شيء انتهى، فطالما ذكراه باقيه فجذور الأمل باقيه، وإحساسه بأهميته عند المحبوبة يمنحه العزاء، لا أحد يريد أن تطويه صفحة النسيان عند إنسانٍ يحبه ويغليه.. لا الرجل ولا المرأة.. بل إن المرأة أحرص من الرجل على الذكرى وأقدر على الوفاء فهي تظل تُسقي شجرةَ حبها الخائب بدموعها لتظل خضراء، وترسم صورة محبوبها في قلبها لتبقى حيّة تشعرها بأنها محبة ومحبوبة وإن جار الزمان وخانت الحظوظ وخابت الآمال.. الذكرى كالحلم أو هي جزء من الحلم الجميل الذي لا يريد من سعد به أن ينطفئ ويموت - يريد أن يحمله في قلبه ويغذيه من دمه وينميه بتكرار صور الماضي وكأنها شريط سينمائي يجعله يعيش (ماكان) مرة أخرى ويعيده أوقات البؤس والاحباط، وأوقات الوحدة والوحشة، فيجد فيه بعض الإنس والسلوى، ويعيش من خلاله ماضيه الجميل مرة أخرى.. ولا اظن أن أحداً كالعرب القدماء، كانت قوافل الذكرى والتي تسري ولا تُرى، قد ملأت صحراءهم الواسعة، وسافرت معهم في أسفارهم، وصاحبتهم في حلهم وترحالهم، وشربت من دموعهم، وشرقت في حلوقهم.. لماذا؟.. لأن حياة العرب القدماء غير مستقرة أبداً.. لا يكادون ينصبون خيامهم وينشأ الحب العفيف بين فتيانهم وفتياتهم، حتى يرحلوا بعد فترة الى مكان مجهول يقصدون مساقط القطر ومنابت الكلأ، فيفجع العاشق بالرحيل والحب في قلبه قد شبّ وطلب، فلا يبقى معه ولا له سوى الذكرى يحاول تجسيدها وإيقادها بزيارة منازلهم الخالية، ورؤية أطلالهم الخاوية، والدوران حول مسرح حبه في كل مكان، ولهذا أكثر في شعر القدماء ذكر الأطلال، وماهو إلاّ صورة أخرى لمحاولة التواصل والذكرى.. قبل اسافر كنت جالس في زمان الانتظار ارتشف هم المكان.. وكل همي حاجتين كنت خايف من يباس .. وكنت خايف من خضار كنت اخاف انك تجين وكنت خايف ما تجين لين شفتك من ورا بيبان صالات المطار مقبله من كثر شوقك.. كنت اشوفك تركضين مرةٍٍ ركضك يمين ونظرة عيونك يسار ومرةٍٍ ركضك يسار ونظرة عيونك يمين تايهة.. ما كنك الا ضحكةٍ وسط انكسار ساكته.. ماكنك الا دمعةٍ فيها حنين خايفة .. وجلة .. حزينة .. يعني كنتي باختصار تشرحين لكل جاهل معنى كلمة (عاشقين) بعدها جيتك ولدّت عينك ودار الحوار من كفوفي دمعتين ومن كفوفك دمعتين كنت اصد وكنتي انتي ثايره مثل الشرار ماعلى لثغة لسانك غير كلمة (وين؟ وين؟) واذكر اني رحت قبل ابدي لك ايّة اعتذار رحت حتى قبل اطيّب خاطرك في كلمتين لكن انتي عارفتني زين واللي صار صار سامحيني واذكريني قدّ ماانتي تقدرين أذكريني لاانتهت للشمس رحله مع نهار واذكريني لاصحى للصبح ورد الياسمين واذكريني لا لمحتي في ليالي البرد نار واذكريني لا سمعتي للمطر صوت حزين اذكريني واذكريني واذكريني.. باختصار ..اذكري حبيبك قدّ ماانتي تقدرين ! (فهد المساعد) *** اذكريني .. كلما الفجر بدا ناشرا بالافق أعلام الضياء يبعث الأطيار من أوكارها فتُحيّيه بترديد الغناء اذكريني .. كلما الطير شدا مرسلا في الدوح ألحان الصفاء ينصت الزهر الى أنغامه فيحيين ببشر وانحناء اذكريني كلما الليل سجا باعثا في النفس ذكرى الأوفياء يعرض الماضي ويجلو صفحة أشرق الاخلاص فيها والولاء فجرى دمعي من فرط حنيني فارحمي قلبي وحنِّي واذكريني واشتكت روحي من نار شجوني فصليني بالتمني واذكريني (احمد رامي) *** هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمي يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنمِ ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسِّمِ (عنترة بن شداد) *** اذكريني اذا حبيتي غيري اذكري المشتاق يانورعينه اذكري حبٍ صفالك من ضميري أرجوك لاينسيك منهو تبينه عشت وبقيت منزلك في نظيري لايخدعك حبٍ جديدٍ ترينه يحكي لك الدمع يشكي مصيري واللي بلاني بذا تجاهلينه في عذابي عن مانويت استخيري يكفي على قلبي مفارق ظنينه وشلون بشروع الهوى تستعيري ماظنتي درب الخطا تجهلينه عودي علي ان كان قلبك اسيري ان كانه بعصمة ليلي رهينه وان كان مملوك في الهوى لحد غيري لايمنعك يوم العزى تحضرينه (مخاوي الليل) *** يا جارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الاحلام من ذكراك مثّلت في الذكرى هواك وفي الكرى والذكريات صدى السنين الحاكي ولقد مررت على الرياض بربوة غناء كنت حيالها القاك لم ادر ما طيب العناق على الهوى حتى ترفق ساعدي فطواك وتأودت اعطاف بانك فى يدي واحمر من خفريهما خداك وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني فى لغة الهوى عيناك لا أمسِ من عمر الزمان ولا غد جُمِع الزمانُ فكان يوم رضاك (أحمد شوقي)