صدر عن دار الزازان كتاب عن سيرة وحياة الشيخ عثمان بن حمد الحقيل وتجربة حياته وهو عنوان لاشك عميق جداً فهو يحكي مسيرة من خدم الدولة قرابة خمسين سنة ويؤرخ مرحلة مهمة في التعليم النظامي وتحكي سيرة أستاذ في احدى المدارس الأولى بالمجمعة ثم مديراً لها وبعدها مديراً لأول معهد يؤسس بالمجمعة ثم انضمامه في سلك رئاسة القضاء وظل في رئاسة القضاء طوال حياته شاباً وكهلاً وشيخاً وحتى تحولت الى وزارة عدل وعاصر الذين تولوا مسؤولية القضاء بداية من سماحة المفتي الشيخ محمد بن ابراهيم والشيخ محمد الحركان والشيخ ابراهيم بن محمد آل الشيخ والشيخ محمد بن جبير واخرهم الشيخ عبدالله آل الشيخ الذي تقاعد ابان وزارته للعدل وهذا الكتاب يوثق هذه السنوات التي امضاها الشيخ عثمان من عام 1365ه حتى عام 1415ه أي خمسين سنة وما بعدها من الحياة خارج الوظيفة ويقع الكتاب في 185 صفحة قدم الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي للكتاب مقدمة ثم مقدمة الناشر يلي ذلك الحديث عن حياة الشيخ عثمان ميلاده ونشأته وتعلمه وتعليمه وعن التعليم في المجمعة الأول بداية من الكتاتيب ثم انشاء المدارس النظامية ومرحلة المعهد العلمي التي كانت مرحلة مزدهرة في حياة الشيخ عثمان من 1373 حتى عام 1379ه وتطرق الكتاب الى جهود الشيخ عثمان بالرقي بالمعهد والعناية بالأساتذة والتلاميذ وتلمس احتياجاتهم ورفعها الى المسؤولين وحرصه الدائم على الالتقاء بهم في منزله سواء كانوا تلاميذ او اساتذة فلم يكن يطل عليهم من برج عاجي او يتكلم معهم بفوقية وتعال بل هو يعد نفسه واحداً منهم لأجل ان الهدف واحد هو تخريج جيل يتعلم وينفع أمته وهناك فصل عن ثقافة الشيخ عثمان وملاحقته للكتاب اينما كان وزياراته لمعارض الكتاب بالرياض وسفراته خارج المملكة ليست للنزهة فقط والترويح والفرجة بل كان البرنامج الأسمى والحافل هو زيارة المكتبات العامة ودور الكتب في عواصم المدن التي يزورها والجولات الأخرى التي هي من صميم رحلته هي شراء الكتب بأي ثمن ويروي د. يحيى الحقيل وهو ملازم للشيخ عثمان قائلاً: ففي عام 1377ه قام بزيارة الى كل من سوريا ومصر وعاد بأمهات ومصادر الأدب والتاريخ وقد اثرى مكتبته في المجمعة بمختلف الكتب العلمية والثقافية وقد لازمته هواية اقتناء الكتب ويروي كذلك د. يحيى الحقيل أنه زار بغداد واطلع على المكتبات هناك حتى تكونت مكتبة ضخمة قوامها 17 الف كتاب أهداها لمكتبة الملك فهد الوطنية ثم أسس مكتبة أخرى واهداها الى السودان وأخرى اهداها الى احد قطاعات وزارة الدفاع ثم بعد هذا الفصل يأتي عنوان وهو رئاسة القضاة المحطة الادارية الاخيرة وقد ذكرنا هذا في بداية المقال عن أعمال الشيخ عثمان الادارية وتمضية حياته العملية فيها. وقد أعد الناشر لسيرة الشيخ عثمان فصلاً جميلاً وهو ثمرة التجارب أي هذه الحياة في الدولة التي قضاها الشيخ عثمان وقد قسمت هذه الثمرات الى اربع مراحل: المرحلة الاولى مرحلة التعليم والدعوة اليه. والمرحلة الثانية انصرافه الى الادارة العليا في رئاسة القضاء ووزارة العدل اما المرحلة الثالثة والتي استغرقت جزءاً من حياته فهي عنايته بالأدب والثقافة أما المرحلة الرابعة فهو يعيشها الآن في حياة هادئة حيث يقضي حياته في مكتبته كما هي عادته وبعضها في المناسبات الاجتماعية ثم اردف الناشر لسيرة الشيخ عثمان فصلاً عن خلاصة حياة الشيخ عثمان ثم ختام الكتاب وفيه يستعرض الناشر آراء وانطباعات محبي الشيخ عثمان ومعارفه واصدقائه وتلامذته وهي أقلام جسدت ما يعرفه هؤلاء الأوفياء من أخلاق وصفات وسجايا الشيخ عثمان على كل حسب قربه ومعرفته بالشيخ أو الذين درسهم في المدرسة الابتدائية أو كانوا قد درسوا في معهد المجمعة لما كان مديراً للمعهد ونأخذ من كلمات هؤلاء بعض الجمل ومنها كلمة د/ أحمد الرشيد رحمه الله بعنوان "خطيب جامعنا ومدير معهدنا" حيث قال في عثمان الحقيل مدير المعهد العلمي في المجمعة انذاك الى حين تخرجي فيه كان بحق مديراً مقتدراً حليماً تربوياً عصرياً استطاع أن يستقطب أفضل المعلمين والمشايخ للعمل معه في هذا المعهد ولقد كان شيخاً دؤوباً ومديراً ناجحاً وخطيباً بليغاً حتى أنه لذلك انتقلت سمعته الطيبة ليصبح مديراً لرئاسة القضاء. وأما أخوه الشقيق والأستاذ الأديب الحاذق بدر الحقيل عضو مجلس الشورى سابقاً فقد تحدث بحكم الرابطة الأسرية الأخوية حيث ادلى بهذا الحديث الجميل والرائع والممتع عن أخيه الذي يعده والداً واخاً وصديقاً قائلاً: بعد أن عدد الجوانب الايجابية في شخصيته ولا أنكر أن هوايتي التي تكونت لدي باقتناء الكتب وزيارة المعارض العلمية في العالم ان هذه الهواية المحببة لدي ورثتها من هذا الأخ الفذ في أخلاقياته وسمو مقاصده. ويؤكد الاستاذ بدر على جانب مهم في حياة الشيخ عثمان وهو الجانب التطوعي الانساني حيث انه قال: ولا يفتأ الشيخ في مد يد العون والمساعدة بالشفاعة لمن يرغب في توظيف او مساعدة لدى الاجهزة المختصة فقام بتعيين كثير من ابناء المجمعة الذين لم يتيسر لهم مواصلة تعليمهم في توظيفهم في المدرسة والمعهد والمحكمة وغيرها ثم ختم مقالته قائلاً: ان الاسترسال في سرد حياة هذا الاخ يحتاج الى صفحات مطولة تنبىء عن روح الاصالة وعمق الفضيلة. وننتقل الى الاستاذ عثمان الأحمد الذي كان عنوانا موسوما جذابا وهو أحد اركان الحركة التعليمية في المجمعة وهو عنوان ملفت في تأثير الشيخ في مسقط رأسه فالتعليم هو اساس التنمية في كل بلد ومدينة فالاحمد يعتبر الاستاذ عثمان من اركان الحركة التعليمية في المجمعة فقد صاحبها لفترة طويلة وكان في وسطها كالمعلم وكالمدير والمخطط ثم ختم الاحمد مقالته قائلاً: وحقائق شخصيته وحياته المعروفة تؤكد لأن الاستاذ الكبير عثمان الحقيل كان من أعلام مدينة المجمعة ومؤثراً اساسياً في توجهات المدينة من خلال ادواره" انتهى كلام الأحمد. ومقالات هؤلاء المحبين للشيخ عثمان تكشف لنا الخبايا في شخصية الشيخ وفقه الله لأنه دائماً لا يتحدث عن نفسه وليست عنده النرجسية في سلوكه بل هو كثير الصمت الا فيما يفيد وينفع وسلوكه الشخصي المتزن هو الطاغي على سيرته مع جميع الناس فأفعاله وتصرفاته هي تنطق لنا وتحدثنا عن هذه السجايا والشمائل وأكد هذا الأمر الاستاذ عمر أحمد العمر في كلمته عن الشيخ عثمان يقول: ان ما يتحلى به فضيلته من الصفات الحميدة والخصال الكريمة وحب عمل الخير جعله يتملك القلوب عارفيه وينال عندهم المكانة العالية انتهى كلام العمر. وفعلاً فان الشيخ عثمان له جاذبية في شخصيته ولأول وهلة حينما تراه ترتاح اليه وتطمئن نفسك اليه وتكون روحك مع روحه وهذا سر الارتياح الذي قال عنه سيد البشرية في الحديث المشهور "الارواح جند مجندة..الخ". ويتكلم الشيخ عبدالله الركبان عن شخصية الشيخ عثمان بأنه كان باذلاً نفسه للناس يكتب لهم عقودهم ووثائقهم وما يحتاجون الى كتابته من امورهم الخاصة والعامة في وقت عز فيه من يجيد كتابة العقود والوثائق على وجهها الشرعي الصحيح ولم يكن يتقاضى في مقابل ؤلك أي مقابل فيما أعلم مما جعله محل تقدير واحترام الجميع. ويترجم الأستاذ المهندس عبدالعزيز الحقيل اعجابه بالشيخ عثمان قائلاً: في حياتنا شخصيات لا نستطيع ان ننساها مهما باعدت بيننا الأيام وضغوط العمل ومسؤولياتنا الاجتماعية ثم يقول والشيخ عثمان بن حمد عبدالله الحقيل هو أحد هؤلاء الرجال بملامحه وسماته وسجاياه الانسانية التي لا يمكن أن تنسى مهما تباعدت بيننا الأيام يظل على الدوام صورة واسماً قولاً وفعلاً وحضوراً في العقل والوجدان بابتسامته الحانية وبكل ما لديه من منحة ربانية على ان يمتلكك ويأمرك بقدرته على التفاعل مع الناس كافة والتواصل مع كل ما هو انساني. وكانت كلمة الشيخ عبدالله التركي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي مسهبة فقد عصف ذاكرته نحو الشيخ عثمان خلال السنوات الطوال الماضية وهي معرفة ستين سنة خلت من الزمن فالشيخ عبدالله التركي يعد نفسه تلميذا من تلاميذ الشيخ عثمان يقول: أما شيخنا الفاضل الشيخ عثمان فطلابه كثير وانا أحدهم وممن يعتز بذلك لا ينسون أخلاقه الجمة وانشراح صدره لهم وسماع ما يبدون من رؤى ةما يلتمسون من رغبات وكان حريصاً على معالجة مشكلاتهم وملاذا يلجأؤن اليه لبث ما يلقونه احيانا من شدة بعض المدرسين او الموظفين وكان بذلك سابقاً في المجال التربوي بكثير مما يتحدث عنه التربويون اليوم من التعامل الحسن مع الطلاب والتعرف على احوالهم. وعبر الاستاذ عبدالله العسكر عن شخصية الشيخ عثمان بسطور تفوح منها رائحة الاعجاب والاحترام والتقدير وبالغ الود واسترجع ذكرياته مع الشيخ عثمان في لقاءات متكررة في المجمعة والرياض وملخص حديثه ان الشيخ عثمان يتميز بالتواضع لكل من يقابله وانه صاحب كياسة وسياسة في معالجة المشاكل والقضايا التي تواجه في داخل العمل وخارجه وفعلاً كان مقال الأستاذ عبدالله العسكر فيه الكثير من الذكريات الممتعة عن الشيخ عثمان. ويداخل الأستاذ بندر الصالح بكلام سلس وعاطفة جياشة نحو الشيخ عثمان. أما الملازم للشيخ عثمان د. يحيى الحقيل فهو كالظل للشيخ في داخل مدينة الرياض وخارجها وقد دون ذكرياته ومواقفه في مقاله الفريد عن عمه الشيخ عثمان وتحدث عن جوانب عدة في حياد الشيخ عثمان وهو يقول: فانني وغيري سوف يحتار من أي موضوع يبدأ عن شخصه الكريم ويلفت د. يحيى آلى جانب مهم في حياة الشيخ عثمان وهو الجانب الخيري الانساني فهذا الجانب من ادق الاسرار في حياة الشيخ برغم من الملازمة والمجالسة الكثيرة فهو لا يعرف عنه الا الشيء القليل وبهذا نعرف مدى ان اعماله الخيرة لا يريد الا وجه الله تعالى والدار الاخرة وقد ذكر د. يحيى قصائد في الثناء على الشيخ عثمان منها قصيدة محمد المقحم وقصيدة الشيخ عثمان الصالح رحمهما الله. وكلام د. يحيى عن عمه الشيخ عثمان كلام من جالس بعمق وخبرة وسنوات طويلة وليست جلسات قليلة، ولذلك كان حديثه حديثاً شاملاً ملما بكثير من حياة الشيخ وفقنا الله واياه. ثم في آخر الكتاب صور للشيخ عثمان ليس فيها اسماء الذين معه ولعل في الطبعات القادمة توضح للقراء هذه الاسماء وكان الاولى لناشر الكتاب الدكتور عبدالله الزازان ان يعقد فصلاً عن الشيخ عثمان وكيف تلقى العلم من مشايخه وما هي الكتب التي كان يقرؤها عليهم والبرنامج اليومي للدروس ومن هم المشايخ الذين تأثر بهم في المجمعة او الرياض بداية من الشيخ عبدالله العنقري والشيخ عبدالله بن حميد والشيخ سعود بن رشود والشيخ سليمان بن حمدان، وما هي ذكرياته مع سماحة المفتي الشيخ محمد بن ابراهيم وذكرياته في السفر.