عندما دخلت المشرفة إلى فصل الصف الأول ابتدائي فوجئت بتجمع صغيرات حول طفلتين تتقاتلان، تشد إحداهما شعر الأخرى بقوة وتضرب فيها باليد الثانية الصغيرة، حاولت فكهما ولكن لم تستطع أن تخلص شعر الأخرى من اليد التي تمسكه والسبب تغير مكان المواجهة إلى نهاية الفصل والسقوط على الأرض..! طلبت من الصغيرات العودة إلى مقاعدهن، في لحظة دخول معلمة الفصل التي ساعدتها على رفع الاثنتين من الأرض والوقوف أمامهما.. الطريف أنه تم إنجاز الأولى لكن الثانية لم تتم حيث رفضت من تمسك بالشعر التخلي عنه.. بينما بدت الأخرى مستسلمة وتتمنى الخلاص ورفع رأسها بعد أن تبعثر الشعر.. قالت المعلمة: اتركي شعرها ياتالة؟ قالت: لا.. ولكن تمكنت المعلمة من فك يدها وإبعادهما عن بعض ومن ثم بدأت المساءلة.. الطريف أن المضروبة لم تبكِ والأخرى الضاربة لاتزال متوترة ومتحفزة..! سألت المشرفة الضاربة.. عن اسمها ولماذا تضرب بكل هذه القوة؟.. قالت اسمي: تالة.. وضربتها لأنها عرقلتني برجلها وسقطت على الأرض وضحكت الطالبات.. قاطعتها الأخرى والتي اسمها ريهام.. بقولها كنت أمزح معها.. ولكنها ضربتني.. صرخت تالة: تُضحكين عليّ البنات وتقولين تمزحين.. ما أحب أحدا يمزح معايا.. قالت المعلمة: وماذا في ذلك الجميع يمزح وهي أخطأت بإسقاطك وكان من المفروض أن تشتكي عليّ وأنا أعاقبها.. بدلا ً من أن تأخذي بضربها وتمزقي شعرها.. ردت تالة باستياء.. ماذا ستفعلين لها غير الكلام.. وستعود للمزح وستُضحك البنات.. عليّ..! قالت لها المشرفة من الخطأ أن تأخذي حقك بيدك.. لأننا في فصل وفيه معلمتك.. أجابت تالة.. "ياحبيبتي أنا ماأشتكي على الاستاذة ولكن آخذ حقي بيدي، ولا أتركه لبكرة لأنني لو ما أخذته سوف تعتدي عليّ مرة أخرى وسوف تضربني هي وغيرها لكن أمي هي من سيكسر عظامي.. ولوت وجهها وكأنها ضاقت من الحساب والتحقيق..! توقفت المشرفة أمام عبارة "أمي سوف تضربني" وقالت لها لماذا سوف تضربك أمك ؟ قالت تالة: أمي قالت لي اللي يضربك في المدرسة اضربيه وخذي حقك منه بسرعة ولا تشتكي عليّ..! قالت لها المشرفة: هذه مدرسة وهذا فصل يا تالة له قوانين وأنظمة وأنتِ أخذت ِ أكثر من حقك منها نتفتي شعرها وضربتها.. وخلصتي حقك وحق غيرك منها.. قالت تالة: تستاهل من قلها تتعدى عليّ.. سألتها المشرفة..: ما اسمك كاملا ً؟ قالت..: تالة بنت فلانة.. أمي مدرسة.. في.. لم تذكر اسم والدها.. أمسكت المشرفة نفسها عن الضحك لأن أم تالة زميلة دراسة سابقة ومعرفة قديمة.. وهي أيضاً الأم لم تكن تترك حقها ذات يوم.. فقط اكتفت بالقول لها.. بعد أن قربتها منها سلمي على أمك.. فلانة وقولي لها اسمي.. وبعدها حولت الطفلتين للمرشدة الطلابية..! ما تطبقه.. تالة.. أو ما رسمته لها أمها هو طريقة حياة حاضرة وقد تكون مستقبلية تعني أن تقطع رجل من يدوس على طرف ثوبك.. خلاف شخص آخر قد يتعرض لنفس الموقف فيكتفي بالتوبيخ.. وآخر لا يحب المشاكل وينأى عنها فيكتفي بسحب ثوبه حتى وإن تمزقت أطرافه.. وآخر يكفيه الاعتذار.. ورابع قد يشتمه من داس على طرفه إن كان وقحاً ويتهمه بأنه هو من وضع ثوبه تحت قدمه..! المحصلة أن الحياة وكيفية التعامل داخلها لايمكن ضبط قواعدها أو صياغتها.. ولكن هل تترك لأحدهم الفرصة ليصوغ لك الحياة؟ ربما يكون ذلك وأعرف كباراً يصوغ آخرون حياتهم ولكن عندما يكون الطفل صغيراً يسهل ذلك في ظل تقبله وقدرته على التشرب بأسلوب هكذا حياة.. فمثلاً تالة الجميلة والحبيبة والذكية ما شاء الله عليها والفصيحة تجذبني بشخصيتها التي لاتخاف أحدا وعادة ما تدير حروبها في المنزل منفردة ولا تحتاج مساعدة من أحد وتظل تقاتل لآخر لحظة ولا تستسلم مع الكبير قبل الصغير وتردد أنها لا تترك حقها وعندما يقول لها أحد: عيب تعلّي صوتك: تقول عيب عليك أنت تتعدى عليّ وتعلي صوتك.. الطريف أنها تحتفظ دائماً بأسلحتها في المعارك وعادة كلها أسلحة جديدة ومفاجئة وتكون غير مستعدة للمواجهة أو الرد بالمثل..! حكاية تالة ليست حكاية صياغة أم لحياة ابنتها ولكنها حكاية حياة لكل منا منفردة ومعقدة وتحتاج إلى التأمل والتوقف والجرأة في مواجهتها.. وأيضاً معرفة خطوطها وما سيتبقى منها في الذاكرة وعدم الغرق في التفاصيل أو إسقاطها على حقائق أو مبالغات..! الحياة بشكل عام هي القيمة الفعلية التي نعيش من أجلها وهي قناعاتنا الثابتة وليست المتغيرة.. وهي تلك الجسور التي قد ننسفها أحياناً وهي تلك الهزائم التي نتذكرها ولكن لانحتفل بها أو نغادرها.. وهي تلك المدينة المفتوحة على كل شيء في دواخلنا والتي من الصعب تسويرها، أو تحديد ألوان أرصفتها ولكن من الصعب أن تفصل جذور تأسيسك عما سيكون مستقبلاً ..!