يغالي بعض الأصدقاء - هداهم الله - في المزاح وتتنوع طرائق المزاح حسب فهم وطبيعة وبيئة الأشخاص فيتسبب أولئك المزّاح بالضرر الحسي والمعنوي لأصدقائهم وهم يشعرون ويعقلون ويتجلى ذلك جلياً بالقرى بالذات. ولكن أولئك المزّاح يعدون ذلك ضرباً من الفكاهة والمزح وإظهاراً لمدى المحبة والمداعبة اللطيفة!! وأنا شخصياً شربت من ذلك الكأس الذي شرب منه ضحايا المزاح المضني للفؤاد وللجسم. ففي ذات يومٍ غائم كان البدر مختفياً خلف الغيوم وكان أحد أصدقائي متوهجاً وهائجاً وكان من سوء حظي أنني كنت جالساً إلى جانبه فضرب مازحاً على فخذي ضربةً عنيفةً مما جعل رأسي يضرب بالجدار واحمر وجهي واصفر بينما كان ضحك صديقي يرتفع عالياً فوجهت إليه سهاماً من النظرات الحانقة والساخطة وكدت أن أرد الصاع صاعين لولا أن رباطة جأشي كفّتني واكتفيت بإنذاره. ومازلنا نسمع عن أشخاص فقدوا علاقاتهم بأشخاص كانوا يكنون لهم كل تقدير واحترام قبل أن يكونوا ضحايا لمزحهم الثقيل. أحدهم قد يسقيك سماً ويقول آسف كنت أمزح! أو قد يصيبك بالرعب، أو يضع لك منوماً ويتسبب في قتل وقتك، وقد يقفل عليك باب الغرفة ويتركك إلى أجلٍ غير مسمى، وقد يذهب بك في مكانٍ ما ويتركك لقدرك. بينما علامات الاستفهام قد زارت ذهنك وعندما تسأله يقول بابتسامةٍ عريضة (من حبك دقك)! ما أسهلها من عباراتٍ وما أقبحها من أفعالٍ! ومن طريف ما سمعنا أن أحدهم عزم جماعةً من أصدقائه على لحم جرابيع واتضح في الآخر أن الذي تناولوه هو لحم جراذي برية وعندما اكتشفوا فعلته اكتفى هو بالضحك بينما هم استفرغوا - أعزكم الله - ما أكلوه! ومن طرائف ما حكى لي أحد أصدقائي الموثوقين أن أحدهم عزم جماعةً من أصدقائه على لحم حمارٍ - أعزكم الله - واستغرب أحدهم الطعم ومما زاد الدهشة أن صديقهم المضيف كان يحاول كتم ضحكاته المفضوحة فتوقف الجميع عن الأكل وقد أصابهم الوهم بأن ذلك اللحم سيسبب لهم المرض وعند الضغط عليه اعترف مما تسبب في حبسه وفقده لأصدقائه! ما أغربها من حكاياتٍ وما أشنعها من أفعالٍ وما خفي كان أعظم!! ولقد سطر التاريخ لهؤلاء المزاح ماضياً أسود مما تسبب بالأذى لأصدقائهم وأقاربهم والسبب هو الإرث الثقافي السيء والانطلاق من المثل الشعبي (من حبك دقك).. ورسولنا الكريم قد كره لنا كثرة المزاح والضحك وقيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وكل ذلك يضر بالفرد والجماعة فما احكمك أيها النبي! إن الإسراف في الأمور شيء مخزٍ ولكن ما أجمل أن تمازح وتلاطف أصدقاءك ولكن تراعي الأدب في ذلك وعدم الإضرار بالأصدقاء والعلاقات فقد تبكيني وتقول آسف أمزح!!! وقد تسبب لي إعاقة وتقول آسف أمزح ما أعدلك إلا في معاملتي!!! احذروا التقليد الأعمى لهؤلاء الحمقى وأصحاب اليد الطويلة والتصرف الأرعن. وختاماً أقول أيها الببغاء المازح استح وحذار من الإفراط في المزاح واختر طريقتك المثلى في المزاح ووقت المزاح. فالمزح الثقيل ما هو إلا مجلبة البغضاء والكراهية. فلا تزرع الشوك وازرع الحب والأمل والخير والتصالح مع إخوانك فلربما خسرت البعض والآخر في الطريق ومن يزرع الشوك يحصد الألم.