انتقل الى رحمة الله يوم الاحد الموافق 26 رجب 1435ه معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء، رئيس اللجنة العامة في مجلس الوزراء، ليُخلَّد – بموته- تاريخ حافل مديد من العطاء الوطني المفعم بالأمانة، والاخلاص، والنزاهة، والحكمة، والبصيرة، والوطنية، والعفه، والحياد. وكان الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، هو أول من اكتشف فيه هذه الصفات، فعينه وكيلا لجامعة الملك سعود بُعيد عودته من البعثة، كأول مبتعث يعود الى ارض الوطن، حاملا شهادة الدكتوراه (على حد علمي)، ثم رئيساً للجامعة بعد ترسخ ثقته فيه، وكان مما يحسب له، ويسجل ضمن مآثره التي لن ينساها الوطن، لاسيما خريجو الجامعة ورجالها، مبادرته الى حجز موقع الجامعة الحالي، الذي يضاهي أكبر مقر جامعة في العالم، إن لم يكن أكبرها بالفعل، ومبادرته الى تسجيله باسمها، رغم مواجهة تصرفه ذاك، آنذاك، بشيء من السخرية والتندر في أوساط المجتمع، لعجز أخيلة الناس، في ذلك الوقت، عن تصور أن تحتاج (جامعة) الى مثل تلك المساحة من الارض! لكنها الحكمة والبصيرة التي يهبها الله بعض عباده، الذين كان منهم ذلك الرجل رحمه الله. وبعد الجامعة استدعته المناصب المحتاجة الى العمل المخلص النزيه، واحداً تلو الآخر، دون أن يسعى الى أي منها، فمن رئيس الجامعة، الى ديوان المراقبة العامة، فوزير الصحة، فوزارة المعارف (التربية والتعليم) ووزير للتعليم العالي، فوزير للدولة، وعضوية مجلس الوزراء، ورئاسة اللجنة العامة لمجلس الوزراء، وابلى في كل منها بلاء حسناً، شعاره صفاته، وسماته اخلاقياته، من أدب، وحسن خلق، وحلم، وأناة، وصفات قل أن تجتمع لمخلوق. ولما كنت قد شرفت بالعمل معه، وتحت قيادته وتوجيهاته، عندما كان رئيساً لديوان المراقبة العامة، فإنني أعدّ نفسي مدينا له ببعض ما ارجو أنني اكتسبته من فضله وعلمه وصفاته، أذكر منها غيرته الشديدة على المال العام، وحرصه على المحافظة عليه، وتشجيع المخلصين من ابناء الديوان، والأخذ بأيديهم، وكان مما اتذكره جيدا أنني عرضت عليه، عندما كنت أعمل مديراً عاماً للتفتيش، تقريراً عن حملة الاستياء والتذمر في وسائل الاعلام والمجتمع، تجاه مشروع التغذية المدرسية، الذي كان ينفذ في ذلك الوقت، وهو عبارة عن وجبة ساخنة لكنها تقدم باردة، لطلاب المدارس، وكان معظمهم يلقي بها في أوعية النفايات، واقترحت على معاليه تنظيم حملة تفتيشية من قبل الديوان على مجموعة من المدارس في بعض المناطق، تهدف الى رصد تقديم الوجبة وكيفية تصرف الطلبة بها، ومدى نظافة موادها وسلامتها من الشوائب والعيوب، فأيد – رحمه الله - ذلك، وكان أن نُظّمت الحملة، وكشفت عن أمور خطيرة، من ناحية رفض الطلبة لتناولها، والعبث بها، ورميها في سلال النفايات، بالإضافة الى وجود الحشرات في بعض مكوناتها، فرفع بذلك تقرير الى الملك، الذي أمر فورياً بإلغاء المشروع بكامله، وانهاء عقد الشركة المتعهدة، والتحقيق فيما شاب المشروع من تلاعب وفساد، وبذلك توقف هدر أموال تقدر بمئات الملايين سنوياً، من أموال الدولة. أما بعد: فلتهنأ أيها المواطن الصالح، عبدالعزيز الخويطر، بلقاء ربك راضيا مرضيا، مع الذين قال عنهم سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) الآية (109،108) سورة الكهف. * رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد