مستشرقة أدبية إنجليزية، رماها عشقها المبكر للغة الضاد للتورط في الأدب العربي وأخيراً للعمل ك"منسقة" في جائزة البوكر للرواية العربية، فلور مونتانارو التي سرقتها اللغة العربية من لغتها الأم، ارتبطت صورتها عادة بمواعيد إعلان القوائم الطويلة والقصيرة واسم الفائز السنوي بجائزة البوكر. لا نفكر ب «الجغرافيا» عند اختيار الفائز بالجائزة فلور، المرأة الإنجليزية الرشيقةٌ في تنقلاتها ليس بين المدن العربية لعقد اجتماعات الجائزة وحسب، وإنما بين لجنة تحكيم الجائزة الأشهر وبين مجلس الأمناء للوصول إلى اسم الفائز الأخير برواية العام، لا تتردد في رفض ما يشاع من أن "البوكر" توزع جوائزها حسب الجغرافيا العربية من بلد لآخر، مؤكدة على أن الشرط الفني، هو المعيار الأول والأخير للفوز بالبوكر. في أبو ظبي التقينا المستشرقة الإنجليزية، لتروي بعض حكايتها، ساردةً: " أنا بريطانية من مواليد مالطا ولدي أصول مالطوية وكبرت هناك وأيضا في نيجيريا ومذ كنت صغيرة في بريطانيا، نشأت علاقتي بالكتب والأدب الذي قادني عندما كبرت لأدرس تخصص الأدب الإنجليزي في جامعة أكسفورد". غير أن سفرها إلى موريتانيا لسبع سنوات وبقاءها منعزلة في صحاري غرب أفريقيا، أرشد وعيها نحو اللغة العربية التي بدأت تتعلمها شفهياً لتعود إلى بريطانيا مرة أخرى، ولكن هذه المرة للالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية والإفريقية، المعهد المعروف كواحد من أشهر معاهد الاستشراق في العالم الغربي. فلور إذاً أنتِ مستشرقة؟ تجيبنا باسمةً ودون تردد: "باختصار أنا مستشرقة" مضيفة: "درست الأدب العربي وسافرت إلى دمشق وبقيت بها سنة كاملة لأتعلم أكثر علوم اللغة العربية وهناك قرأت لأول مرة رواية (رجال في الشمس) لغسان كنفاني، وكانت وقتها القراءة صعبة على مبتدئة مثلي في تعلم اللغة لكن قرأتها وفيما بعد اشتغلت في الترجمة وبدأت أترجم للاجئين والعرب الذين يعيشون في لندن". فلور مونتانارو أما عن ذائقتها في الأدب الروائي العربي، تشير إلى أنها لا تميل للروايات العربية المكتوبة كي تكون عالمية، بل تلك الرواية التي تشدها لعدة أسباب منها الرواية التي كتبت بصورة غير تقليدية، إذ تشعر بأن الرواية التي تريدها هي الرواية التي يستطيع الكاتب أن يشدها إلى عالمه الروائي. ولكن كيف دخلت فلور إلى جائزة البوكر، تجيب: " منذ ثلاث سنوات عملت مع الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) ومنذ دخولي للجائزة بدأت قراءة روايات عربية بانتظام حتى صارت قراءاتي كلها تقريباً بالعربية وأحيانا بالانجليزية ". وحول موقع عملها ودورها في جائزة "البوكر"؟. تعلق مجيبة: "لست أمينة في مجلس الأمناء بل منسقة وأحضر اجتماعات لجنة التحكيم؛ أعمل كجسر وجدار في ذات الوقت، يربط ويفصل مجلس الأمناء بلجنة التحكيم، لأن مداولات لجنة التحكيم يجب أن تبقى سرية تماماً وأقوم بنقل النتائج لمجلس الأمناء وأكتب - أيضاً - تقريراً عن سير عملية التحكيم، لكن مجلس الأمناء والمحكمين، منفصلين عن بعض، لذا أنسق بين الجهتين وبين المحكمين أنفسهم وأحضر الاجتماعات فقط لأضمن نزاهة عملية التحكيم وأجاوب على أي أسئلة إدارية من قبل هذه اللجنة ". ولكن كيف وجدت فلور عملية التوصل لاختيار رواية (فرانكشتاين في بغداد) للكاتب العراقي أحمد سعداوي، هذا العام؟. تجيب: " تصولوا (لجنة التحكيم) لنتيجة القرار دون استغراق وقت طويل، هم عادة يجتمعون قبل يوم من الإعلان، من الصبح إلى الليل إذا تطلب الأمر، لكن هذه المرة توصلوا للنتيجة مبكراً وكانوا متحمسين للرواية ولم يجدوا صعوبة في الوصول لهذه النتيجة". وحول التصور الذي ساد حول جغرافية توزيع جائزة البوكر من عام لعام، بأن تكون عاماً في السعودية وآخر في مصر وثالث في الكويت ثم بغداد، هل لدى جائزة البوكر معايير غير معلنة من هذا النوع؟ تعلق فلور، مجيبةً: " لا إطلاقاً، وهذا لا يدخل في الحسبان، ولا في بال المحكمين، ويمنع أن يحدث أو يفكر أحد من المحكمين بهذا الأمر، المسألة فنية محضة، والدليل أن اثنين من مصر حصلوا على الجائزة واثنين من السعودية أيضاً" وحول رأيها في الرواية الفائزة، تعلق منسقة جائزة البوكر: " التشويق والفكرة والابتكار ومستويات المعاني الفلسفية، كما أنني لم اذهب للعراق، لكن الرواية والكاتب أعطاني صورة واسعة عن المجتمع العراقي ككل".