في علم الإدارة لايمكن أن يكون المدير الأعلى أو الرئيس أو المسؤول في الجهاز الإداري أياً كانت صفة هذا الجهاز حكومياً أو تجارياً.. لايمكن أن يكون هذا المسؤول لوحده هو مفتاح النجاح والتطور في أداء هذا الجهاز الذي يتولى زمام الإدارة فيه. ومن الخطأ القناعة المطلقة بنجاح أي مسؤول جديد يوكل إليه تحقيق انجاز إداري فريد وغير مسبوق خاصة في ظل عدم أو قلة نجاح سلفه لأسباب مختلفة!! فتحقيق النجاح المرجو والمؤمل في أي مسؤول جديد في أي مهمة وفي أي مسؤولية يبنى على معايير أخرى كثيرة جداً وعلى عوامل يجب توافرها في البيئة الإدارية إلى جانب صفات المسؤول الجديد!! لدينا حالات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة ويمكن القول إنها مترسخة منذ سنوات طويلة جداً .. هذه الظاهرة تقول بل وتؤكد أننا خسرنا الكثير من القيادات والكفاءات الإدارية التي كان يؤمل في نجاحها في الكثير من الحقائب الإدارية على كافة المستويات.. هذه الخسارة يعود سببها الأهم إلى بقاء واستمرار الشخصيات الإدارية وهم ما دون الرئيس الإداري الأعلى هذا الاستمرار لهؤلاء المسؤولين الذي نراه في كثير من الأجهزة والإدارات والمصالح الحكومية والتجارية وفي المؤسسات العامة نراهم مستمرين في مناصبهم الإدارية رغم تعاقب العديد من الرؤساء والقادة في تلك الأجهزة!! القصد هنا أن (معظم) الصف الثاني والثالث في الأجهزة الإدارية وهم فئة الوكلاء والوكلاء المساعدين ومديري الإدارات العامة انه في استمرارهم على رأس العمل لسنوات طويلة وفي مناصبهم ظل اغلبهم بعيدين عن عملية التغيير فهم في منأى آمن وخفي عن الأنظار وعن المحاسبة وعن المسائلة عن أي قصور وعن أي فشل أمر هو اليوم في حاجة إلى الانتباه والاستدراك لهذه الشخصيات الإدارية (النافذة) في الجهاز الإداري والتي يمكن القول أنهم "المحرك الخفي" لكل العمليات الإدارية والإشرافية والتنفيذية بصورة شبه مطلقة خاصة في ظل انشغال و(إغراق) المسؤول الأول في الجهاز الإداري بالعديد من المسؤوليات والأعمال ومنها (الورقية) والمهام العليا الخارجة عن اختصاص وطبيعة أعمال الجهاز الذي يقف على هرمه الإداري ومنها مهام (برتوكولية) ومناسبات رسمية واجتماعية داخلية وخارجية بحكم المنصب!! هذا الانشغال شبه الدائم للمسؤول الأول في الجهاز من الطبيعي جدا انه سيصرف أنظار هذا المسؤول -وخاصة اذا كان مسؤولا جديدا- سينصرف عن المهام الأخرى الرقابية والتطويرية في جهازه الإداري وبالتالي سيصبح تدريجيا بعيداً عن كل معرفة كل أوجه القصور أو الخلل التي تمارس أو تحدث في الجهاز الإداري!! وفي ظل هذا الانشغال يظل الصف الإداري الثاني والثالث و(المتمكن) في هرم الجهاز يمارس "فرض" رؤيته وأسلوبه وتوجهاته الإدارية والعملية والفكرية على المسؤول الجديد بطرق تدريجية مباشرة وغير مباشرة حينها سيصبح هذا المسؤول الجديد مع مرور الوقت مندمجا مع أفكار أولئك القادة الإداريين!! حينها سيكون هذا الصف الثاني خاصة من منهم القدماء شبه عائق ومانع بين المسؤول الجديد وبين تلمس أوجه القصور او الخلل وتأخيره عن إطلاق عجلة التطوير والتجديد!! ان الصف الثاني القيادي في أي جهاز إداري عام أو خاص قد يمثل بعضهم عناصر خبرة وتواجد مستمر ومتفانٍ ودؤوب في عمله لكنه يظل صف اداري، منهم من يرفض التغيير والتجديد والتطوير ويصر على البقاء على أسلوب عملي وفكري واحد يرفض التخلي عنه لذلك فهو يقف حجر عثر أمام الرئيس الجديد ويمثل أهم عناصر مقاومة الرفض لأي جديد.. فهذا الصف الإداري من خلال الاستمرارية في المناصب وخبرة السنين الطويلة أصبح لديهم قدرة على احتواء أي رئيس جديد وضمه تحت مظلة هذا الفكر العتيق!! لذلك نرى تراجع العديد من المسؤولين الجدد في القطاعين الخاص والعام، والسبب أن عجلة التغيير تنحصر غالبا في المنصب الأعلى في الأجهزة الإدارية.. رغم أن المشكلة والمعضلة قد تكمن في الشخصيات الإدارية مادون المسؤول الأول ؟؟ الجديد غالبا يحضر في ظل بيئة إدارية مترسخة في الجهاز منذ سنين طويلة قد يتردد المسؤول الجديد في إزاحتها أو تحريكها وذلك لخوفه من حدوث أي خلل إداري لكن مع هذا التردد يكون بعض أو معظم عناصر هذه البيئة الإدارية قد نجحت في كسب تعاطف المسؤول الجديد بقدرة غريبة وبالتالي أصبحت في أمان من الإزاحة أو التغير؟! قد نحتاج إلى تجربة عكسية تتمثل في بقاء المسؤول الأول في المنشأة أو القطاع والعمل على تغيير من هم في الصف الثاني والثالث وعلى مراحل فقد يكونون هم من فيهم المشكلة.. أو أنهم أساس الخلل!! وقد يكون في إبعادهم او تغيير مواقعهم أسلوب جديد يحقق الهدف!!