أول ما يتبادر الى الذهن في هذا الموضوع هو المؤهل العلمي والخبرة العملية. وحين نستعرض بعض التجارب سوف نجد قصص نجاح وتميز لا علاقة لها بالمؤهل والخبرة، ثم نلاحظ أن الناجح المتميز اذا نقل الى مسؤولية أخرى يحقق نفس النجاح. ما هو اذن المعيار الذي نبحث عنه؟ لن أفتح صفحة أدبيات الموضوع أو الجدل التنظيري حيث يتوفر لنا تجارب عملية من البيئة يحسن أن نستفيد منها في هذا الموضوع بدلا من استعراض التعريفات والمفاهيم والنظريات. يلاحظ في بعض الأجهزة أمثلة تدل على قوة القوى البيروقراطية المقاومة للتغيير. هذه الأجهزة تنتظر منذ زمن طويل تغييرات استراتيجية لأنظمتها وتنتظر مشاريع تنعكس ايجابيا على تطوير خدماتها بما يتفق مع حجم ميزانيتها. (وأترك للقارئ تحديد الأجهزة من واقع تجربته الخاصة ورؤيته). ويبدو أن تزاحم الأولويات في بعض الأجهزة يؤثر في النهاية عليها جميعا فتصبح الجهود مشتتة وغير مؤثرة في تحقيق انجاز عملي ملحوظ، وقد تتجه الجهود الى النشاط الاعلامي بطريقة تضر بالصورة الذهنية للجهاز في المجتمع خاصة حين يتم رفع سقف التوقعات ثم تحقيق نتائج لا تتفق مع تلك التوقعات. إن من عوامل النجاح المهمة في أي مجال أن تتوفر لدى القيادة الادارية الرؤية المستقبلية الواضحة فهي أولى خطوات النجاح، ومن ثم تأتي خطوة مهمة وهي اختيار فريق العمل الذي يؤمن بهذه الرؤية ويملك القدرة على تحويلها الى أهداف قابلة للتحقيق والقياس. أما اذا تحول القيادي الى مدير وابتعد (المدير الفعلي) الى الصفوف الخلفية فهذا وضع يعبر عن خلل اداري. وحين يأتي قيادي جديد الى الجهاز ويعمل مع فريق له رؤية مختلفة فهذا يعني بيئة عمل غير متناغمة وبالتالي استمرار الأوضاع كما هي عليه مع خطاب اعلامي يوحي بوجود شيء من التجديد ثم يتضح في النهاية أن هذا التجديد هو تجديد شكلي لا يهدد الفريق القديم وفي نفس الوقت يشعر قائد الفريق أنه هو ربان السفينة وأن الخطاب الاعلامي للجهاز يقوي العلاقة مع المجتمع. ويتضح فيما بعد أن هذا الوضع الودي بين القائد وفريقه هو مجاملات لا تخدم أهداف الجهاز ولا تساعد في تحقيق التطوير المنشود. إن وضوح الرؤية والرسالة والأهداف مسؤولية قيادية ولكن القائد لن ينجح الا من خلال فريق العمل. هذا الفريق قد يكون اكتسب خبرة لكنها ثابتة فهي تتكرر مع السنوات. من هنا يتطلب النجاح أحيانا تغيير الفريق واستقطاب كفاءات من خارج الجهاز أو اكتشاف القدرات الطموحة داخل الجهاز القادر على إحداث التغيير. كثير من التجارب تدل أن المهارات القيادية ليست مرتبطة بالمؤهل العلمي وأن زيادة سنوات الخبرة لا تحول الانسان بالضرورة الى قيادي ناجح. إن عوامل نجاح القيادات كثيرة وترتبط بطبيعة العمل مع وجود مبادئ مشتركة مثل الثقة والمصداقية والرؤية المشتركة والعمل المؤسسي، وعدم الانشغال بإطفاء الحرائق على حساب العمل الاستراتيجي.