تغلب على الفكر السياسي في العالم العربي سمة الازدواجية والضبابية، فمنذ مقاومة الاستعمار في نهاية القرن التاسع عشر الى ثورات الربيع العربي ارتبطت السياسة العربية بالعاطفة، فأصبحت قوتها السحرية تجمع الصديق مع الصديق لمواجهة العدو العاطفي، وكان السياسي ولازال يقوم بدور الشاعر يبني العواطف ويهدها، أمة سحر البيان، تطرب للقصيدة اذا جاءت من السياسي، وترفضها من الشاعر – وهذا مدخل جيد لفهم تدهور الثقافة في العالم العربي- وكل سياسي يبتعد عن هذا المدخل للوصول الى قلوب الجماهير تحرقه الجماهير مثل محمد نجيب في مصر وقبله الملك فاروق وبعده الملك فيصل في العراق، فقد نجحت الضبابية العاطفية في خلق كائنات مشوهة تقدسها الجماهير بفضل السحر السياسي وليس الانجاز، وإن زال مفعول السحر أحرقوها. مثل هذه البيئة لا ينجح فيها الى اصحاب الاهداف الخيالية الذين لا صلة لهم بالواقع، فكل منجز حضاري تاريخي عرفته الحياة العربية في الماضي حولته هذه الكائنات المشوهة الى قصيدة، وهدمته كأساس حضاري يبنى عليه مجد الحاضر الواقعي. محمد صلى الله عليه وسلم جاء بحضارة لكل الانسانية، جاء بتحد للواقع الجاهل وقام بتغييره، فصنع حقيقة الوجود القوي لأمة ضعيفة كان لا يجمعها الى العصبيات والاطماع، وأصبح بعد رسالته يجمعها الانجاز الحضاري الذي اساسه الدين وقصده الدين، وربط عليه السلام الايمان بصناعة الواقع، ولم يربط الواقع بصناعة الايمان كما تفعل جماعة الإخوان اليوم وشبيهاتها مثل القاعدة وداعش وغيرهما ماشابه، فعملوا بهذه الطريقة الملتوية نموذجا للكراهية والاحتيال، فالاخوان عندما رأوا أن الواقع المتغير بعد الثورات العربية يطالب بالحريات والديمقراطية، قالوا: ان الحرية مقدمة على العقيدة، قناعة متجاوزة لم يتجرأ متطرفو الليبرالية على قولها، فالواقع في سياسة الاخوان دين ثابت يصنع الايمان فيه الوهم والعاطفة والخيال. من الشخصيات القيادية النادرة في العالم العربي التي مشت على خطى المصطفى عليه السلام وجعلت الايمان يصنع الواقع الملك عبدالعزيز يرحمه الله، واجه الجهل والعصبيات بالايمان، ومن فطرة الاسلام النقي بنى واقعا معجزا في العالم العربي، من هذا الواقع نجيب عن تساؤل كيف تعرف الاخواني؟ هو كل شخص شكك في إيمان البلد، ويريد حرق تاريخنا بأكاذيب جاء بها من خياله الواهم، فالمشكك في التاريخ يعرف ان تماسك المجتمع اليوم يقوم على اعتبارات التاريخ وليس على خيال الحاضر الذي صنع من أحلام جماعة الإخوان، فعدوّ الإخوان الاساسي في هذا البلد هو التاريخ، لذا تجد لهم محاولات مستميته للأخذ منه، ولم يجدوا حيلة للوصول الى تلك الغاية القذرة الا استخدام العاطفة، فاصبح اغلب منظري جماعة الاخوان من الشعراء، فبالقصيدة المخادعة يريدون أن يبنوا واقعا واهما لا يسكن فيه الا شرهم، وهنا جنوا حتى على الشعر الذي هو ديوان العرب، فإخوان القصائد الماكرة، فضحهم الإيمان الرباني الطاهر "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".