من المُسلمات -كما أشرتُ أكثر من مرةٍ -أنَّ الاختلاف في الرؤى والأفكار، ظاهرة صحية، بلْه وطبيعية، فلا يمكن بأي حالٍ من الأحوال تسيير أنماط الأفكار وتوليدها تحت مسارٍ فكري واحد، يحجب كل ما سواه، من الأفكار. فهذا الأمر إن تم، فلا يتم بالقطع إلا في بيئة استبدادية لا تُلقِ وزناً ولا قيمة للمخالف، وقد تقذف به إلى ما وراء الشمس!! والخشية أن ننزلق نحو منحدر هذا المسار الفكري الواحد بفعل الخطاب المتشنج لبعض النَّخب الفكرية والثقافية والإعلامية، المتجاوز لمقتضيات الاختلاف والحوار، بكل شروطه وآدابه الموضوعية! أبرز هذه التجاوزات، وربما أخطرها، محاولة فرض حالة اصطفاف عابثة على وقع تصنيفات فكرية ودينية مُصطنعة، لا تستند إلى معايير فنية وعلمية دقيقة! تُستخدم في الغالب كسلاحٍ لردع المُخالف! وتصفية الحسابات معه، على نحوٍ من العنف الفكري غير المسبوق، المتوغل أكثر في مستنقع الكراهية والتشويه والتحريض والإقصاء! هذا المُنزلق الفكري الخطير، في حِدته وقسوته، لا يتبناه في تقديري إلا من غلبه هوى النفس وأهوائها، فضرب عرض الحائط بمهنية الكلمة وشفافيتها، وبالحقوق المادية والأدبية لمخالفيه!! وقبل ذلك بمقومات التعايش الفكري مع الذات الجمعية للمجتمع السعودي. في مقابل ثمنٍ بخسٍ: مصالح سياسية وفكرية ومالية ضيقة وخاطئة، دون وعيٍ وإدراكٍ ومسؤوليةٍ بالآثار الكارثية لمثل هذه السلوكيات المشينة على نسيجنا الفكري والاجتماعي، المأزوم أصلاً! مثل هذه التصنيفات العبثية لا تخدم مشاريع التنوع الثقافي، ولا تخدم كذلك مفاعيل السلم الاجتماعي، واستقرار الوطن وسلامته، فالوطن يتسع للجميع، وتتسع فيه نسبياً مساحة حرية الرأي والتعبير المتاحة لكل نخبه وتياراته وأفراده! فلا تُضيقوا واسعاً، لا حدود لومضاته، في كل جوانب وشؤون الحياة. ولا تُخربوا بأيديكم جماليات مشهدنا الثقافي تحت مظلة التنوع والتعدد الثقافي، وتحت قِيم الاختلاف والتَّصادم والتلاقح الفكري الإيجابية، بمخرجاتها الفاعلة، والمستنيرة. كلمة أخيرة: الأفكار والرؤى في أحيانٍ معينة قد يكون وقعها قاسياً ومؤلماً، إلا أنَّ الضرورة إليها مثل الضرورة إلى الدواء، مذاقه مرٌ ولكن فيه الشفاء بإذن الله. شَذْرَةٌ: قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك. (فولتير)