انطلقت فعاليات اللقاء السابع للخطاب الثقافي السعودي، مساء يوم أمس تحت عنوان (التصنيفات الفكرية وأثرها على الخطاب السعودي) المنعقد على مدار يومين بقاعة الخزامى بالرياض، وذلك بواقع أربع جلسات، جاءت الأولى منها بعنوان "التصنيفات الفكرية وواقعها في الخطاب الثقافي السعودي" بمشاركة نخبة من المثقفين والمثقفات، وقد بدأ اللقاء بكلمة ترحيبية للمشرف العام على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الأستاذ فيصل بن معمر، الذي رفع شكره إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظهما الله - على الدعم والمساندة لمسيرة الحوار الوطني، وكل ما من شأنه الارتقاء بالمسيرة الحضارية للمملكة، مثنياً بشكره لسمو أمير منطقة الرياض خالد بن بندر وسمو نائبه تركي بن عبد الله حفظهما الله-، كما وصف ابن معمر اللقاء بأنه نوعي مهم، يأتي ضمن سلسلة قام بها المركز ضمن ملتقياته عن الخطاب الثقافي السعودي، ضمن موضوعات متنوعة، في عديد من المجالات التي تهم المجتمع السعودي، إيماناً من المركز بأهمية ما تناولته الملتقيات الستة الماضية، وصولاً إلى اللقاء السابع، الذي وصفه ابن معمر بأن محاوره تمس اموراً مهمة ونوعية في سياقات خطابنا الثقافي السعودي مؤكدا أهمية الحوار أمام الكثير من المتغيرات المحلية والمتغيرات الاجتماعية محليا وعربياً وعالمياً، التي جعلت من المجتمعات المعاصرة أحوج ما تكون إليه من الحوار والتفاعل عبر السبيل الأنسب لها من خلال الحوار الذي يعد أبرز المشاريع الحضارية الوطنية للمملكة بوصفها قبلة المسلمين وموطن الحرمين ومنطلق الرسالة المحمدية الوسطية. د. جاسر الحربش: التصنيف حكم مسبق لا يؤمن بالتنوع والقبول وفي الكلمة الافتتاحية للقاء أكد نائب رئيس اللجنة الرئاسية الدكتور راشد الراجح، أن المقياس للمفاضلة بأنه يتمثل في مرجعيتنا الإسلامية المتمثل في التقوى كما جاء في العديد من النصوص الشرعية، التي جعلت بني البشرية سواسية أمام مقياس مفاضلة ربانية، تظهر في مواقف إسلامية عديدة يأتي من أقربها إلى عقد الملتقى الركن الخامس من أركان الإسلام، كما أكد الراجح أهمية عنوان هذا الملتقى الذي يمثل محطة ثقافية نوعية، مستعرضاً العديد من الوقفات عبر اللقاءات السابقة للمركز الذي تناول المرجعية التشريعية، والوحدة الوطنية، مشيرا إلى أن محاور الملتقى جاءت تتناول التصنيف عبر أربعة مجالات عبر الرأي والرأي الآخر، بطريقة موضوعية بعيدًا عن الجوانب الشخصانية عبر رؤية حضارية منطلقها قولوا للناس حسنا. وفي مداخلة للدكتور جاسر الحربش، تطرق فيها إلى مفهوم التصنيف الفكري، موضحاً بأن الحكم المسبق على شخص أو رأي أو مجموعة عطفاً على رؤية منطلقها طرف واحد تخضع الآخر لتلك الرؤية، مؤكداً أن التنوع يتضمن العديد من السمات التي يأتي في مقدمتها القبول والإثراء والتلاقح الفكري. د. حسناء القنيعير: مجتمعنا خلط بين الدين والعادات والتقاليد من جانبه اعتبر أحمد مورعي، أن لغة الاقصاء لا تليق بمجتمعنا السعودي، وخاصة أنها تتعارض مع مفاهيم تعاليم الدين الإسلامي، الذي يقوم على ثوابت دينية ومسلمات تشريعية، تجعل من الاقصاء والعنف والتخوين أمراً مرفوضاً.. بينما اعتبر الدكتور شافي الدامر أن ثقافة التصنيف ظهرت في شكل مصطلحات أقحمت في الخطاب الثقافي المحلي، مقارناً وجود مصطلحات التصنيفات بالعديد من الثقافات الأخرى، الأمر الذي يعكس وجود تقسيمات ذات منطلقات أيديولوجية مختلفة تقف وراء ما يصدق عليه في سياق التصنيف الذي يحتاج إلى مفارقة دقيقة بينه وبين مفهوم التنوع الثقافي. أ. أحمد مورعي: لغة الإقصاء تتعارض مع الدين ولا تليق بمجتمعنا كما اعتبر الدكتور سليمان الضحيان أن ثمة فرق بين التصنيفات داخل التيارات أنفسها سواء كانت تيارات دينية أو تيارات فكرية، مستعرضاً قولبة التصنيفات وصولاً إلى العديد من الغايات التي تكاد تنحصر في إسقاط الآخر، وفي مداخلتين للدكتور محمد المشوح، والدكتور زيد الفضيل أشارا إلى وجود حالة من التشنج والشحناء فيما تعكسه وسائل التواصل الاجتماعي بصفة خاصة التي شاع فيها التصنيف الفكري في خطابنا السعودي، مما يتخذ مستويات متصاعدة عبر العديد من المغذيات التي أججت بدورها التصنيفات الفكرية فيما تعكسه مواقع الشبكات الاجتماعية، الأمر الذي يجعل الكثير منها يندرج فيما يمكن وصفه بالكذب والافتراء، الأمر الذي يفترض مفهوم التصنيف من جانب، والوعي بنتائجه من جانب آخر وما يفرزه من ظواهر ضمن سياق خطابنا الثقافي. كما اتفق العديد من المشاركين في جلسة اللقاء الأولى على وجود مشكلة ظاهرة وبارزة في المضامين والمصطلحات فيما يظهر في الخطاب الثقافي السعودي، تعكس ظاهرة التصنيف الفكري المحلي، الأمر الذي يؤكد وجود حاجة إلى التصدي لهذا التصنيف الذي يظهر جلياً خلال العديد من المناسبات الثقافية والأحداث الاجتماعية والقضايا الثقافية، الأمر الذي يحتاج إلى وضع قانون يجرم أصحاب تلك التصنيفات التي تتجاوز التصنيف إلى شخصنة تكيل الكثير من الشتائم والقذف تجاه العديد من الأشخاص، إضافة إلى ما يقف وراءها من أيديولوجيات مختلفة زادت من وجود ظاهرة التصنيفات الفكرية على عدة مستويات ومجالات فكرية وثقافية مختلفة، مما أخرج أصحاب تلك التصنيفات عن الوسطية والاعتدال وقبول الرأي والرأي الآخر، وقال الدكتور ماجد التركي في مداخلة له: بودي أن يكون هناك محددات وملخص ضمن ملف الندوة لتكون خطوط رئيسة تقود مناقشة المنتدين لما يعرضونه ويتناولونه لمعرفة ما تمت مناقشته بدلاً من تكرار الفكرة من قبل العديد من المداخلين، وعلينا أن نقر بالاختلاف كمنطلق، يجب ألا ينتقل من اختلاف تنوع إلى اختلاف أشخاص أو جماعات، مما يتطلب تحرير مصطلحاتنا داخل خطابنا الثقافي من خلال حوار الذات.. د. نوال العيد: الإعلام نشر موضة الإرهابي وتجاوزها للإخواني! من جانب آخر استعرض الدكتور عبيد العبدلي، وأحمد التيهاني، وجاسر الجاسر، وإدريس الدريس، وجود تصنيفات فكرية تتفق على الثوابت الدينية والوحدة الوطنية، مما يجعل الحكم السلبي على التصنيفات بشكل مطلق مسألة غير دقيقة لكون التنوع الثقافي والفكري أمراً مسلماً به لوجود التنوع، الذي يأتي ضمن أطر وخطوط عريضة تلتقي فيه أفكار الأشخاص والجماعات، بوصف التصنيف عملية فكرية لها جانبها الإيجابي المشروط بعدم التضاد والاتهام والإقصاء، الأمر الذي يكشف سلبياته شبكات التواصل الاجتماعي التي طغى عليها الجانب السلبي للتصنيفات الفكرية، التي وصلت إلى الطعن في النوايا والاتهام في الغايات والمقاصد مما يفرض مراجعة جادة لخطابنا الثقافي، إلى جانب ما يقف وراء التصنيف من مصنفين وأهداف، يفترض تتبع هذه الظاهرة البعيدة عن الفكر والوعي، التي تحولت إلى أشبه ما يكون بالحرب الفكرية التي تكشف عن شحن عدائي تجاه الأفكار او الأشخاص أو الجماعات، التي يأتي منطلقها تصنيف الآخر لرفضه. كما وصف عبدالعزيز المطيري، وجعفر الشعيب، وعبدالله الشمري، وخالد أبا الخيل، أن المشكلة لا تكمن في التصنيف، بوصفه تصنيف تنوع، وإنما فيما نتج عن التصنيف لكون التعدد والتنوع يعني وجود أصناف من الأفكار والتوجهات ضمن إطار جمعي يضمه أطراً عامة، مشيرين إلى أهمية الاعتراف بالواقع، والتنبه إلى أن التصنيفات غالباً ما تنشط مع الأحداث الاجتماعية الكبيرة، وتحولها إلى مرحلة خطرة تقوم على التضاد والرفض والاقصاء، والتشرذم، مما ينتج عدم توازن بين الأطراف التي تظل في حالة من التأزم والعدائية، مما يتطلب تكريس ثقافة الحوار كفكر وكممارسة.. وفيما يتعلق بالحضور النسائي فقد كشف ملتقى التصنيفات الفكرية وواقعها في الخطاب الثقافي السعودي في أولى جلساتها عن الاختلاف لدى بعض المشاركات في مدى صحة التصنيفات الفكرية أو حتى ربطها بثوب الدين، فهناك من اعتقدت أن التصنيفات الفكرية جزء من الدين، وهناك من رأت ارتباط التصنيف بالفكر لا بالدين والعقيدة الذي هو بين العبد وربه وقد رصدت "الرياض" بعضاً من تلك الآراء الساخنة من قبل أكاديميات ومثقفات وكاتبات وإعلاميات، فقد رأت الداعية والأكاديمية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الدكتورة نوال العيد أن الفكر جزء من الدين واختلاف التضاد مرض وقلة ممن شملتهم الرحمة لا يختلفون وأن من أهم أسباب انعدام الفوضى بالتصنيفات الدينية والفكرية هي إرجاعها لأعضاء هيئة كبار العلماء قائلةً: "إن الاختلاف في الدين مذموم، وأن التصنيفات أصبحت تهم معلبة ساعد في انتشارها مواقع التواصل والإعلام، كما أن الإعلام ساهم في تعزيز موضة الإخونجي بعد أن تلاشت موضة الإرهابي"، من جهتها قالت الكاتبة ومنسوبة وزارة التربية والتعليم فاطمة العتيبي أن التصنيفات الفكرية تجاوزت الفكر ووصلت للدين والمذهب، كما أن رأي الأفراد بقضايا لا تتوافق مع الطرف الآخر أدخلتهم ضمن فئة التصنيفات وإقحام الدين فيها, حيث أنها ناتجة عن مواقف فئات معينة من القضايا الاجتهادية، ممثلة بقضية قيادة المرأة للسيارة التي اعتبر غالبية مؤيديها بالعلمانيين والرافضين بالإسلاميين. المشاركون في جلسة التصنيفات الفكرية وواقعها وأشارت إلى أن الصورة الذهنية الموجودة في الخطاب السعودي عن العلمانيين والليبراليين تعني الخروج من الدين والمنتمين لها هم ممن لا دين لهم، وأن الإسلاميين والإخونجيين هم من فئة الإرهابيين واتفقت معها الأكاديمية بجامعة الملك سعود الدكتورة الجازي الشبيكي وزادت أن التصنيفات الدينية والمذهبية غلبت التصنيفات المناطقية والقبلية، مؤكدة أن هناك مستجدات حياتية في العصر كان ينبغي على علماء الدين القياس عليها والاجتهاد فيها حتى لا يحصل هذا التطرف الحاصل في الوقت الحالي، ومشيرة أن الكل أصبح يصنف الآخر بناء على التزامه الديني وقناعته بينما زادت الكاتبة بجريدة الرياض والأكاديمية بجامعة الملك سعود الدكتورة حسناء القنيعير أن الخلافات بين التيار الإسلامي المتشدد والليبرالي التنويري - كما رأت - تنامت وأصبحت تخلط ما بين الدين والعادات والتقاليد والآراء الشخصية والسياسية اتجاه قضية ما, حيث تعمد البعض إلى صبغ العرف والعادات بصبغة الدين وإلى الخلط بين الثوابت والمتغيرات, كما أصبحت المسميات والتصنيفات مكان تفاضل ومزايدة بعيداً عن الفهم والإنجاز، في حين رأت الكاتبة والمهتمة بقضايا المرأة هند العتيبي أن التخوف من التصنيف لا داعي له لأنه أمر فطري فنحن نحتاج التوجيه والموضوعية، معتقدة أن مواقع التواصل الاجتماعية ساهمت في التعري الفكري لدى غالبية المجتمع وقالت: أن التنوع الفكري مكسب لكل مجتمع وهو موجود في جميع العصور والأزمنة ومحاولة إنكاره نوع من أنواع جلد الذات، واعتقدت الدكتورة إلهام الدخيل أن المجتمع يواجه معضلة التصنيف ومعضلة المصطلح، حيث لا يوجد ارتباط حقيقي بين المعنى والمصطلح المستخدم, فالسلفي في نظر البعض إرهابي وطالباني, والليبرالي في نظر الطرف الآخر من لا دين له وكافر وزادت منسوبة معهد الإدارة العامة وداد السنان أن البعض يصنف الآخر نتيجة موقفه ورأيه من قضية سياسية أو اجتماعية, فالحكم غالبا على الشخص وليس على الفكرة.. كما أضافت منسوبة جامعة الملك سعود هند الدهمش أن التصنيف تم تحوير معناه في مجتمعنا إلى إقصاء من لا يشبهنا ومحاربته, مرجعة أسباب التصنيفات الفكرية ومحاربة البعض إلى غياب منابر الحوار بين جميع التصنيفات، أما المشرفة التربوية محسنة القحطاني رأت أن مفهوم التصنيفات لدينا سطحي ولا يتجاوز التراشقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يكون هناك وعي مطلق لمعنى تلك التصنيفات, مشددة على أن الحاصل لا يمت لديننا بصلة ولا لمبادئنا. جانب من الجلسة الثانية: التصنيفات الفكرية ومغذياتها