جميعنا عندما كنا صغاراً كان لدينا أحلام وطموحات بعضها قد يفوق الخيال.. في الصفوف الابتدائية، كنا نعبر عن أحلامنا بكل بساطة. هذه تريد أن تصبح طبيبة، وهذه تتمنى أن تكون مهندسة، هذا يحلم أن يكون طياراً، وهذا يريد أن يصبح رساماً. كنا نقف ونخبر الجميع بصوتٍ عالٍ ما نريد أن نكون، لكن عندما كبرنا، لم يعد لدينا طموح، أسأل أي طالب او طالبة في المرحلة الثانوية ماذا يريد أن يكون في المستقبل، ستجد أن غالبيتهم لا يحملون جواباً، بل يعلقون. "خلونا نتخرج أول". لماذا نرى في طلاب وطالبات اليوم تنازلاً عن الأحلام والطموحات التي رسموها عندما كانوا صغاراً؟ من أطفأ شعلة الحماس والهمة الموقدة في قلوبهم؟ عندما كنت صغيرة كنت أحلم دوماً بأن أصبح رائدة فضاء، أعلم أنه حلم بعيد المدى وشبه خيالي، لكن لم يكن هناك شيء يعيق خيالي عن التحليق، كنت حرة في اختيار ما أريد أن أكون، كان شعوراً رائعاً بحق، كنت أصر على هذا الطموح لأنني أرى أمثله لرائدات فضاء أجنبيات تخطين المستحيل، وصرن منبع فخر واعتزاز لبلدانهن، كنت أريد أن أصبح مثلهن، أحلق بين النجوم بلا حواجز ولا قيود، كان حلماً أرسمه كل يوم في كراستي، لدرجه أن دفاتري المدرسية صارت كلها تحمل رسومات لأقمار ونجوم، ورائدة فضاء تقف على سطح القمر. لكن الآن؛ هذا الطموح اختفى، مثل غيمه كنت انتظر منها أن تمطر لكنها ذهبت دون أن تفعل. صرت أرى أن ذلك الطموح كان ضرباً من الخيال، وأنه حلم طفلة صغيرة لم تكن تعلم ما تسمو إليه، لكني لا أعلم من أطفأ حلمي؟ هل هو كلام الناس لي بأن حلمي مستحيل، وإني يجب أن أفكر بشيء أكثر واقعية ومناسب لمجتمعنا و"عاداتنا وتقاليدنا"؟ أم هو نظامنا التعليمي الذي يحوي مجموعة محددة من التخصصات؟ أم هي مدارسنا؟ وعندما أتحدث عن المدارس فلا أقصد فقط المواد والمناهج، فأنا أتحدث عن الطلاب والمعلمين والحياة المدرسية، كل هؤلاء لهم دور كبير في تكوين شخصية الطالب، والأهم بينهم هو المعلم، فعندما يكون هناك معلم جيد؛ يصبح تحصيل الطلاب عالياً ويكون لديهم التفاؤل والطاقة لبذل المزيد من الجهد وتحقيق ما يصبون إليه. وعندما يكون معلمك هو شخص جاء ليقدم المادة كمن يلقي بصخرة كبيرة في الفصل ويذهب؛ فلا أحد من الطلاب يهتم، ويصبح المستقبل لديهم شائكاً وضبابياً. في المجتمعات المتحضرة ستجد أن شبابها وبناتها يحملون طموحات قوية وتخطيطاً دقيقاً لمستقبلهم، ويقابلهم الدعم من الأهل والمجتمع من حولهم، والمدرسة، فيصبح الشاب أو الشابة فعالين ومعطاءين لمجتمعهم ووطنهم، وعلى العكس في المجتمعات الأخرى؛ تجد أن شبابها وبناتها يحملون أفكاراً وأحلاماً وإبداعات، لكنهم يحبسونها داخلهم. ولأنه لا يوجد من يدعمهم ويساندهم، فيفنون حياتهم في تخصص لا يريدونه، ووظيفه ثقيلة على نفوسهم. وفي النهاية، أنا على ثقة تامة بأن كل شاب وشابة في هذا الوطن يحملون شعلة الطموح والأحلام في قلوبهم، فلا تطفؤوها، بل ساندوهم وامسكوا بأيديهم وارشدوهم كيف يحققون هذه الأحلام، عندها ستجد أن الوطن سيمتلئ بالمبدعين الذين يرفعون رايته عالياً بين كل الدول.