لا يوجد خلاف على أهمية بيئة العمل بجانبيها المادي والإنساني وتأثيرها على الرضا الوظيفي والانتاجية. أما أحوالها فهي تختلف من جهاز لآخر بحسب اختلاف الرؤية الادارية، والإمكانات المتاحة. في البداية نحدد بعض العوامل الأساسية المكونة لبيئة العمل متمثلة فيما يلي: - موقع العمل. - توفر ظروف السلامة. - وسائل النقل المتاحة للوصول الى الموقع. - الخدمات مثل المطاعم والخدمات الطبية وحاضنات الأطفال. - مواقف السيارات. - درجة الحرارة. - التهوية. - الصوت. - مساحة المكاتب. - مستوى النظافة. - الجوانب الأمنية والصحية. - جوانب أخرى حسب طبيعة العمل مثل الأعمال الميدانية المرتبطة بالقطاعات الأمنية أو أعمال الإسعافيين، ومنها أعمال ذات ظروف صعبة مثل عمال المناجم، والعاملين تحت ظروف مناخية قاسية. إذا أخذنا جولة على بعض الأجهزة والمنشآت واستعرضنا القائمة السابقة سوف نلاحظ قبل أن نتعامل مباشرة مع الموظف عدم توفر مواقف كافية للسيارات وإذا توفر الموقف بعد طول انتظار سوف يجد المراجع أنه يحتاج إلى وقت آخر حتى يصله الدور. ومع طول مدة الانتظار قد يحتاج إلى مشروبات ساخنة أو باردة وسوف يجد (بوفيه) من الطراز القديم وبمعايير لا علاقة لها بالجودة والنظافة. أما إذا احتاج إلى دورة مياه فقد لا يجدها أو يجدها ولكن مستواها لا يختلف عن مستوى دورات المياه في الطرق الطويلة ضمن خدمات محطات البنزين. هل يوجد صالات مريحة لانتظار المراجعين، هل يوجد استقبال جيد ومعلومات واضحة؟ الإجابة هي التفاوت بين جهاز وآخر وهذا يمثل مشكلة خاصة بالنسبة للأجهزة الحكومية إذ يفترض توحيد معايير ومكونات بيئة العمل بالنسبة للموظفين والمراجعين. ليس من المنطق أن يوجد جهاز بلا مراجعين بخدمات عالية الجودة، وجهاز آخر يستقبل يومياً آلاف المراجعين وسط بيئة عمل غير مريحة. لماذا لا تفرض نماذج ومعايير بحيث يتم توفير الخدمات والمكونات الأساسية لبيئة العمل مع وجود مرونة في التصميم والتجهيزات بما يتلاءم مع طبيعة العمل؟ ويجب أن يكون من أهم هذه الخدمات والمكونات ما يرتبط بظروف المعاقين واحتياجاتهم، وهذا النوع من الخدمات أيضاً يتفاوت بين جهاز وآخر ويحتاج الى أنظمة موحدة وتطبيق ومتابعة. دعونا ننتقل من صالة الاستقبال إلى الأدوار العليا. لا نستغرب إذا وجدنا المصعد بصورة مهترئة خطرة، وفي الممرات قد نجد أسلاكاً مكشوفة وطاولات متكسرة، فإذا دخلنا أحد المكاتب فقد نجد ملفات وكتباً وكراتين تفترش أرضية الغرفة. هذه ليست صورة من الماضي بل هي واقع موجود في بعض المنشآت والأجهزة العامة والخاصة وحال بعضها يتعارض مع مبادئ السلامة كما لا يوفر الحد الأدنى من متطلبات بيئة العمل التي تحقق الرضا الوظيفي وتنعكس على سلوك الموظفين وإنتاجيتهم. أما إذا حان وقت الصلاة فسوف نكتشف أيضاً غياب المعايير والمواصفات الموحدة في موضوع المسجد من حيث مستواه ومساحته ونظافته وموقعه. أما بيئة المدرسة فمن المعروف أن المدارس المستأجرة ليست مصممة بما يتلاءم مع المواصفات التربوية التي تخدم أهداف المدرسة وتساعد على تطبيق الأساليب الحديثة في التربية والتعليم. إذا انتقلنا إلى الجوانب الأخرى لبيئة العمل وهي الجوانب غير المادية فإن من المهم وضوح الحقوق والواجبات، ووجود سياسات وأنظمة، ووصف وظيفي وتقييم وتقويم وقيم أخلاقية ومهنية تشكل ثقافة العمل وتعزز مبادئ العدالة والشفافية والنزاهة والعمل الجماعي والعلاقات الإنسانية. وعلينا أن نتذكر أن المطالبة بتوحيد المعايير والمواصفات في الجوانب المادية لا ينطبق على الجوانب الإنسانية. نعم جميع الأجهزة ملزمة بوجود أنظمة وسياسات ووضوح في الحقوق والواجبات ولكننا لا نستطيع توحيد الأنماط السلوكية للمديرين والموظفين فلكل منظمة شخصيتها ولكل مدير طريقته الخاصة في الإدارة بما يتفق مع طبيعة العمل لكن الاحترام والعدالة والتقدير والعلاقات الإنسانية تمثل عناصر أساسية يصعب على أي منظمة أن تنجح بدونها، كما يصعب تقنينها وقياسها كما نفعل مع الأمور المادية فهي أقرب إلى الفن الذى لا يجيده الجميع ولا يمكن شراؤه. نعم هذه الجوانب لا تشترى بالمال لكن أي مشروع، أي خطة عمل، أي برنامج، أي مؤسسة، أي منشأة، أي منظمة، أي فريق عمل يعد العنصر المشترك في أي مجال هو الإنسان. هذه الحقيقة يتفق عليها الجميع ويختلفون في كيفية التعامل معها. لا أستطيع أن أطلب من الإنسان أن يكون منتجاً في بيئة عمل غير منتجة، ولا يستطيع المدير أن يطلب من رئيس القسم أن يعامل موظفيه باحترام وهو لا يفعل ذلك. إن بيئة العمل الإيجابية هي التي توفر حقوق العاملين قبل أن تطالبهم بأداء واجباتهم وإذا كان هناك حقوق مكتوبة في عقد العمل فإن الشيء غير المكتوب هو الفن الإنساني وهنا يكمن الفرق في القيادة الإدارية ويظهر الإبداع والنجاح والرضا الوظيفي في موقع ويختفي في موقع آخر.