مع تزايد البحث في المشاكل التي يعاني منها المجتمع كالسكن والبطالة أصبحنا في كل يوم نكتشف جانباً جديداً في واقع تعامل جهاتنا مع تلك المشاكل باختلاف الإحصاءات والمعلومات التي لدى كل جهة، بل وصل الأمر إلى تضارب توجهات وأهداف كل جهة وبشكل يبرر فشل كل الجهود والقرارات التي اتخذت لمعالجتها وعلى رأسها مشكلة بطالة الخريجين المؤهلين في ظل الانتظار الطويل للجهات الحكومية لإشغال وظائفها الشاغرة وتزايد التأشيرات التي تصدر للتعاقد مع الأجانب! كل ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الخدمة المدنية في تقاريرها وتصريحاتها على حرصها على تعيين الخريجين بالوظائف الحكومية ومنع التعاقد مع الأجانب عليها! فخلال ورشة العمل التي عقدتها جامعة الملك سعود الأسبوع الماضي "الأعداد المستهدفة من طلاب الدراسات العليا في سوق العمل" كشف وكيل وزارة الخدمة المدنية للتخطيط والتطوير عن استمرار الجامعات في التعاقد مع أجانب لشغل تخصصات إسلامية ولغة عربية على الرغم من توفر قائمة كبيرة من العاطلين السعوديين المؤهلين بتلك التخصصات وإن الجامعات تصر على استقدام الأجانب والأهم تأكيده بأن إشغال السعوديين لتلك التخصصات بدلاً من الأجانب هو أمر خاص بالجامعات وليس من مسؤوليات وزارة الخدمة المدنية! فهنا تكمن المشكلة التي يجب أن تخضع للبحث من جهاتنا لمعرفة أسباب موافقة وزارة العمل على منح التأشيرات لجامعات وجهات حكومية في تخصصات توجد لدى وزارة الخدمة المدنية قوائم انتظار من حملة الماجستير والدكتوراه ولماذا لم تلزم الجامعات بالقرارات التي صدرت في شأن سعودة وظائف الحكومة وعدم شمول مسؤوليات وزارة الخدمة المدنية لوظائف الجامعات وإشغالها بخريجيها! وإذا تحدثنا بصراحة في شان آلية التعيين بالجامعات للمعيدين وحملة الشهادات العليا سنجد بأننا أمام جهات لايبدو أنها تعمل وفق تنظيم واضح لتحقيق أهداف محددة بخطة الدولة لشغل الوظائف بالمواطنين المؤهلين، فلكل جهة سياساتها المختلفة وربما المتعارضة مع الخطة في ظل عدم وضوح لآلية التقديم والمفاضلة والتكتم في الإجراءات وسيطرة دكتور أو مسؤول على القرار تحت غطاء مجلس القسم الذي يشارك بالتصويت المتعاقدين المتضررين من التعيين! مع تأخر موعد التعيين للمرشحين وابتداع أساليب غير موضوعية في الاختيار تكون نتائجها المحسوبية وعدم العدالة في الاختيار بسبب عدم وجود الشفافية والرقابة على تلك الممارسات، فالجامعات لديها وظائف شاغرة للمعيدين وتعلم بكفاءة وتميز بعض خريجيها، إلا أننا نجدها تحجب تلك الوظائف عنهم لكون التعيين عليها فيه تضارب مصالح بين مصلحة الخريج والدولة وبين امتيازات أعضاء هيئة التدريس بالقسم الذي يرشح الخريج للتعيين كمعيد ليصبح محاضرا ثم أستاذاً جامعياً لكون زيادة عدد السعوديين بالقسم سيتسبب في حرمانهم من بدل الندرة الذي يصرف شهرياً لأعضاء هيئة التدريس بالقسم الذي يكون فيه عدد المتعاقدين أعلى من السعوديين إضافة إلى امتيازات أخرى لنقص السعوديين مثل بدل لمن يبلغ نصابه الحد الأعلى وكدعم للتعاقد معهم بعد بلوغ سن التقاعد وفرص المؤتمرات ومكافآت الاستشارات وغيرها التي يحظى بها عضو هيئة التدريس كلما قل عدد السعوديين بالقسم والكلية. وبعيداً عن واقع السنوات التحضيرية ومستوى وشهادات المتعاقدين لها والشركات المستفيدة حقاً من وجودها، فإن الأمر يتطلب إعادة النظر في آلية التعيين بالجامعات للاستفادة من وظائفها في سد حاجة الجامعة والخريج، فالجميع لايجهل مايحدث ببعض جامعاتنا وتفوق الأهداف المادية المؤثرة في قراراتها بحرمان خريجين سعوديين من وظائفها الشاغرة وخصوصا أن هناك توسعاً كبيراً في إنشائها وفي مناطق مختلفة تصرف لبعض منسوبيها بدل الناشئة والمواطن أحق بتلك البدلات والامتيازات، خاصة وأن الكثير من خريجي جامعاتنا وبرنامج الابتعاث بمختلف التخصصات مازالوا ينتظرون التعيين وهم يرون وزارة العمل تمنح الجامعات الحكومية التأشيرات للتعاقد مع أجانب يحملون مؤهلات من جامعات غير معترف بها وفي وقت تكتفي وزارة الخدمة المدنية بالاعتذار بعدم الاختصاص!