مرة أخرى يتخذ مليكنا المحبوب الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله - خطوة استراتيجية قوية داعمة لاستقرار وطننا الغالي، المملكة العربية السعودية وأمنه وأمانه، مستمرا في تحمل مسؤولياته الضخمة أفضل تحمل ليس تجاه الجيل الحالي فحسب وإنما أيضا تجاه الأجيال القادمة بنظرته الثاقبة ومقدما لها أحد أهم هدايا نموها وتطورها ألا وهو الاستقرار. فما تعيين خادم الحرمين الشريفين لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد في المملكة إلا خطوة كبرى تصب في خانة تحقيق هذا الاستقرار، واستشراف من قبله حفظه الله لمستقبل الوطن وتطلعاً منه إلى أن يكون هذا المستقبل مستقراً بعيداً عن الأهواء تجاه أهم ما يمس أمن الدول ويقوض دعائمها ألا وهو الاختلاف على الحكم. وهذا التعيين لولي ولي العهد يعد سابقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، لا بل في تاريخ الدولة السعودية ذات الثلاثة قرون إلا ربع قرن من العمر، رغم أنه يعد معروفاً في التاريخ الإسلامي، فقد ظهر في العصر العباسي حيث عين الخليفة أبو عبدالله محمد المهدي وليي عهد له على التوالي هما ابنه موسى الهادي أولاً ومن بعده ابنه هارون الرشيد، كما عين هارون الرشيد عندما صار خليفة ثلاثة من أبنائه على التوالي كأولياء عهد وهم محمد الأمين وعبدالله المأمون وقاسم المؤتمن. وللأمير مقرن مكانة رفيعة في الأسرة المالكة الحاكمة، وقرب من ملوكها فقد عينه الملك خالد أميرا على حائل، والملك فهد الذي عينه أميراً على المدينةالمنورة، والملك عبدالله الذي عينه رئيسا للاستخبارات العامة ثم مستشار ومبعوثا خاصا له ثم نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، إلا أنه كان – ولا زال- قريبا من الشعب. فالأمير مقرن منذ توليه مناصبه القيادية كأمير في المدينتين المذكورتين وبعدها كرئيس للاستخبارات العامة لم يكن الشعب يتقرب منه، كما يحدث في النظم المتسلطة، بل على العكس، كان هو الذي يتقرب من الشعب دائما. وهذا مشهود له منذ أن دخل الحياة العملية، إذ ذكر لي أحد الأصدقاء قديما بأن الأمير مقرن كان قريبا منه ومن زملائه عندما كان طيارا في القوات الملكية الجوية السعودية رغم مكانته الرفيعة كصاحب سمو ملكي، وعندما صار أميراً لمنطقة حائل كان قريبا من حاضرتها وباديتها على السواء، كما كان اهل منطقة حائل قريبين منه طول إمارته التي زادت عن عقدين من الزمان. وعندما صار أميراً للمدينة المنورة ثاني القبلتين كان ايضا يتقرب من أهلها جميعا، بادية وحاضرة، فيشاركهم افراحهم وأتراحهم. ولعلي اذكر أن بعض الصحف نشرت يوما إعلان شكر وامتنان من عائلة مدنية سعودية ذات اصول تركستانية زارها الأمير في منزلها لتعزيتها في مصاب جلل لديها، فكان لتلك الزيارة أبلغ الأثر عليها. وقد فسر العارفون حينها تلك الزيارة بأنها لفتة كانت تعبر عن إنسانية الأمير مقرن في بلد يضم مثوى رسول الإنسانية سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت كانت تحمل أقوى رسالة للمجتمع بأن الدولة ليست دولة أسرة أو جماعة أو قبيلة بعينها وإنما هي دولة كل مواطنيها بغض النظر عن الأصول التي ينحدرون منها. وحتى عندما تسلم الأمير مقرن ذلك المنصب الجليل وهو رئاسة الاستخبارات العامة وهو الجهاز الذي يتحاشى الناس في الدول المتسلطة حتى ذكر اسمه لما يمارسه ذلك الجهاز بتلك الدول من أوجه الإذلال والنكال بمواطنيها الشرفاء، قرب سموه ذلك الجهاز من الشعب فدشن موقعه على الانترنت وظل أثناء منصبه ذلك قريبا من الناس أيضا، فكان يتواصل معهم عبر ذلك الموقع ويرعى بصفته رئيسا لذلك الجهاز المهيب المؤتمرات التي تثقف الناس في مختلف المجالات وليس الاستخبارات فحسب. ولذلك نجد أن الناس بادلوه الحب بالحب ولا أدل على ذلك ما شاهدنا على شاشات التلفزة خلال الأسبوع الماضي من توافد تلك الجموع الكبيرة على قصر الحكم بالرياض وإلى مقار إمارات المناطق والمحافظات لتبدى التقدير والاحترام والامتثال طوعا لقرار ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله باختيار هذا الأمير القدير لهذا المنصب الجليل، وهو منصب ولي ولي العهد، ومبايعتهم الأمير على ذلك. فهنيئا لكم أيها الأمير مقرن بهذا التكليف عرفانا بقدراتكم كرجل دولة من مليكنا وقائدنا العظيم مولانا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله ورعاه، وعضده الأيمن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع. ووفقكم الله العلي القدير، بما حباكم به من تأهيل علمي وعسكري رفيع، على إقران القول بالعمل في مشاركة القيادة الحكيمة في صنع القرارات الحكيمة الداعمة لمسيرة المملكة في مدارج التقدم والرقي في كافة المجالات خلال عقود القرن الواحد والعشرين الحالي بعون الله تعالى، ليستمر وطننا الغالي وطن الأمن والأمان وليظل شعبنا شعب الوفاء والعطاء، بعيداً عمّا يمر حالياً بمنطقتنا من قلاقل وعدم استقرار.