سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اعتزال "الصدر".. مناورة سياسية أم ثورة على "الطاغوت"؟ علاوي: طائفية النظام السياسية هي سبب الاحتقان في العراق الأمين: الصدر شريك أساسي في إخفاقات الحكومة وسلبياتها
في خطوة مفاجئة، أعلن زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، اعتزاله العمل السياسي، وشن هجوماً واسعاً غير مسبوق على رئيس الوزراء نوري المالكي وحكومته، واتهمه بأنه "طاغية أتى من خارج الحدود". ولم يكتف بذلك بل قال في كلمة مباشرة: "صارت السياسة بابا للظلم والاستهتار والتظلم والامتهان، ليتربع دكتاتور وطاغوت فيتسلط على الأموال فينهبها، وعلى الرقاب فيقصفها، وعلى المدن فيحاربها، وعلى الطوائف فيفرقها، وعلى الضمائر فيشتريها". نافياً أن يكون المالكي يحكم العراق باسم الطائفة الشيعية. وتفاوتت التفسيرات لقرار اعتزال الصدر، لا سيما بعد عودة وزرائه ونوابه البرلمانيين إلى ممارسة أعمالهم، معللين ذلك بالرغبة في الاستعداد للانتخابات المقبلة، مما رفع كثيراً من التساؤلات عما إذا كان الصدر يقصد ما يقوله أم أنها مناورة سياسية تهدف إلى ممارسة الضغوط على المالكي، كي يستجيب لمبادرات الأطراف السياسية العديدة التي صم أذنيه عن الاستماع إليها. وأكد عدد من المراقبين أن هذا القرار لن يمر مرور الكرام، وأنه سيؤثر بالتأكيد على الساحة السياسية، مشيرين إلى ما يتمتع به الصدر من نفوذ سياسي وديني، إضافة إلى أنه كان أحد المكونات الرئيسية التي أتت بالمالكي إلى رئاسة الوزراء. وحمل عدد من السياسيين الولاياتالمتحدةوإيران مسؤولية الأزمة السياسية والأمنية الخانقة التي يعاني منها العراق، مشيرين إلى أن تغاضي الأولى عن ممارسات المالكي وأخطائه، إضافة إلى تدخل الثانية في الشأن العراقي، أفرغ الساحة السياسية من مضمونها. وكان لافتاً أن الصدر الذي اعتزل العمل السياسي، لم يطالب غيره باتخاذ نفس الموقف، بل على العكس طالب جميع العراقيين بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، وقال أثناء خطابه الشهير "يجب الاشتراك في هذه الانتخابات وبصورة كبيرة، لكي لا تقع الحكومة في أيد غير أمينة، وبالنسبة لي أنا فسأصوت، وسأدلي بصوتي لكل شريف يريد خدمة الشعب، وسأقف من الجميع على مسافة واحدة". وتابع "أرجو من العراقيين أن يشتركوا في الانتخابات وألا يقصروا، ومن يقصر فستكون هذه خيانة للعراق وشعبه". فماذا يريد الصدر؟ وإلى ماذا يرمي؟ هذا يجيب عنه بعض السياسيين الذين استطلعت "الوطن" آراءهم فأفادوا بالتالي: طائفية سياسية بداية يرى رئيس ائتلاف القائمة الوطنية إياد علاوي، أن المغزى السياسي من اعتزال الصدر، حسبما أعلنه هو التوقف الموقت وليس المستمر، وقال "ما رمى إليه زعيم التيار الصدري يتعلق بالنشاط المرتبط بالممارسة اليومية والإشراف على التيار وطريقة تنظيمه وقياداته وممثليه، ولكنه ليس اعتزالاً بمعنى ترك العمل الوطني بشقه الاستراتيجي والعام وهذا ما بيّنه في خطابه. وأعتقد أنه سيلتزم بهذه الرؤية ونرى ما سيحصل بعد الانتخابات". وعن إمكانية أن يؤثر قرار الاعتزال في الساحة السياسية العراقية واحتمال أن يؤدي إلى إنهاء الأزمة السياسية قال علاوي: "لقد أشار الصدر إلى جملة أمور مهمة وخطيرة، في مقدمتها التأكيد على الطائفية السياسية التي يتحلى بها النظام. وهي سبب كل الإخفاقات التي لازمت عمل الحكومة، ويعود إليها النصيب الأكبر في الاحتقان السياسي. كذلك أبان أن إيرانوالولاياتالمتحدة توافقتا على دعم حكومة المالكي ووفرا لها الغطاء الذي مكنها من الاستمرار. إضافة إلى اتهام رئيس مجلس الوزراء بالدكتاتورية. واتهام الحكومة بمجملها بالفساد المالي والإداري. وأكد أن الأجهزة الأمنية تمارس أعمالا منافية للقانون مثل اعتقال المعارضين السياسيين وإعدامهم، وهذه كلها اتهامات صحيحة". وأضاف "خطورة هذه الاتهامات تكمن في أنها أتت من شخص يشكِّل العامود الفقري للتحالف الوطني الذي جاء بالمالكي رئيساً لمجلس الوزراء، فضلاً على دعوة الصدر إلى انتخاب الشرفاء، وهذه تشكل ضربة قاصمة لقيادة دولة القانون والمالكي، في أوساط إسلامية ووطنية واسعة. مسؤولية مشتركة وعن عودة نواب التيار ووزرائه للعمل رغم قرار الاعتزال، قال علاوي: "الصدر أدان عودة هؤلاء النواب والوزراء المحسوبين على تياره، ومضى أكثر من ذلك عندما دعا إلى دعم الشرفاء في الانتخابات المقبلة ولم يسم تياره، أو يطلب دعمه. والأهم من ذلك كله أنه ألمح إلى أن من عادوا لممارسة أعمالهم من الوزراء والنواب لم يعودوا يمثلونه أو يمثلون تياره أو أفكاره أو توجهاته. ولم يعف علاوي الولاياتالمتحدةوإيران من مسؤولية ما يجري على أرض العراق، وقال: "إيران وأميركا مسؤولتان بالكامل عما تشهده بلادنا، فالأخيرة أسقطت الدولة العراقية، ولا أعني السلطة فحسب، بل الدولة بأكملها، وعندما احتلت العراق أصدرت قرارات بتفكيك مؤسسات الدولة الأهم، وأطلقت العنان لقوانين مسيسة، مثل قانون "اجتثاث البعث"، حيث أدى ذلك إلى إحداث أضرار في بنية الدولة، من دون أن تضع هذه القوانين في إطارها القانوني والقضائي، وإنما أعطت ساسة عراقيين حق التصرف بموجب هذا القانون السيئ الصيت. فضلاً عن ذلك جرى توافق مبكر بين الولاياتالمتحدةوإيران على اعتبار أن العراق ينقسم إلى 3 أقسام، الأغلبية الشيعية والأقليتين السنية والكردية، وهذا يعني تراجعا عن دعوتهم الأولى لتأسيس دولة المواطنة، التي تقوم على العدل والمساواة، واتجهوا إلى إقامة سلطة المكونات، وهذا أمر مرفوض من قبل القوى الوطنية وشعبنا الكريم. وفي ظل انكفاء عربي خطير وتكالب الأعداء علينا سيكون مستقبل العراق مجهولاً. فالولاياتالمتحدة باتت تسير على غير وضوح، وأصبحت إيران هي اللاعب الأساسي. علامات استفهام من جانبه، يرى المرجع الشيعي علي الأمين، أن الصدر نفسه ربما كان مشاركاً في ما يمر به العراق حالياً من مشكلات أمنية واجتماعية خطيرة، ويقول: "إعلان زعيم التيار الصدري اعتزاله العمل السياسي يكشف عن وجود خلاف كبير مع المالكي وعن عدم تمكن التيار الصدري من تحقيق طموحاته وتنفيذ وعوده لجمهوره. وبعد تفاقم الأزمات المعيشية والأمنية في عهد حكومة نوري المالكي الحالية أراد الصدر تحميل المالكي وحده المسؤولية عما جرى ويجري في العراق من أحداث وفشل في السياسة الاقتصادية والأمنية، مع أنه مشارك في الحكومة الحالية بوزارات متعددة، كما أنه شريك أساسي في المجلس النيابي، وأعضاؤه فيه هم الذين منحوا أصواتهم لحكومة المالكي". ويشكك الأمين في جدية قرار الاعتزال الذي أعلنه مقتدى الصدر، مشيراً إلى أن القرار لم يطالب النواب البرلمانيين بعدم ممارسة أعمالهم. وهو ما يرفع عددا من علامات الاستفهام، وقال "لذلك لا ندري مدى الجدّية في هذا القرار، خصوصاً أن القرار لم يقترن بطلب السيد مقتدى الصدر استقالة أعضاء التيار الصدري من الحكومة. كذلك لم يطلب من نوابه الاستقالة من المجلس النيابي ولم يوجه وزراءه بمغادرة مكاتبهم". ويستدرك الأمين بالقول إن القرار مهما كانت أسبابه ومبرراته ستكون له تداعيات على المشهد السياسي، لما يملكه الصدر من مكانة ونفوذ وسط أتباعه، وتابع "قرار الاعتزال سيكون له تأثير إيجابي دون شك في إيجاد الحلول للأزمة السياسية الحالية قبل الانتخابات النيابية المقبلة، لأن الحكومة الحالية بوضعها القائم ستبقى إلى ما بعد الانتخابات التي أصبحت على الأبواب". آثار سالبة من جانبه، يرى عضو القائمة العراقية عاصم العبيدي، أن قرار الصدر باعتزال العمل السياسي ستكون له آثار سالبة بدون شك على العملية السياسية برمتها، مشيراً إلى أن الصدر ليس بالشخصية التي يمكن تجاوزها في العملية السياسية، نسبة لما يملكه من وزن كبير، تمثل في عدد نوابه ووزرائه في الحكومة السياسية، إضافة إلى تأثيره وسط الطائفة الشيعية. ويقول: "التحالف الوطني هو أول الخاسرين من قرار الصدر، حيث يواجه تهديداً جدياً بفقدان تماسكه ووحدته، وقد حذرت القائمة العراقية مرات عديدة من وصول الأمر إلى هذه المرحلة الحرجة، خاصة فيما يتعلق بسياسة الانفراد بالقرار السياسي والاستحواذ التي انتهجها رئيس الحكومة نوري المالكي". وأعرب العبيدي عن أسفه لتخلي الشركاء عن تشخيص الأخطاء واتخاذ خطوات جادة لعلاجها، وأضاف "الصدر حمل التحالف الوطني جزءاً كبيراً من المسؤولية، لأن أطرافه تجاهلت مطالب الآخرين باعتماد مبدأ الشراكة في إدارة البلاد، ووضع حد لممارسات المالكي التي جرت البلاد إلى منزلق خطير". واستبعد العبيدي أن يؤدي انسحاب الصدر عن المشهد السياسي إلى حل الأزمة الراهنة، وقال "زعيم التيار الصدري لم يكن جزءاً من المشكلة حتى يسهم اعتزاله في حلها، بل كانت له جهود مخلصة على مدى السنوات الماضية لتجاوز الخلافات، وأرى أن اعتزاله سيعقد الأزمة أكثر لأنه كان يحث كتلته باستمرار على تبني المواقف المتوازنة تجاه مطالب المعتصمين، والضغط على الحكومة لتلبيتها، ثم وصلت الأوضاع إلى ما هو عليه، واختار المالكي الاعتماد على السلاح وحده في التعاطي مع مشكلات البلاد المختلفة". اعتقال وتهديد وفي ذات السياق، يسير المحلل السياسي العراقي عامر مجيد، الذي يرى أن تفاقم الأزمة في العراق التي وصلت إلى مرحلة إشهار السلاح خرجت من أيدي اللاعبين الكبار، ويقول "قرار مقتدى الصدر هو موقف مفاجئ لم يكن متوقعاً، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى دوره بعد أن عرف مؤخراً بتبنيه مواقف وفاقية، لإيمانه بالمشروع الوطني الذي يتجاوز الطائفة والمذهب، وهذا التوجه قوبل باحترام الشعب العراقي بأجمعه، وأشاد به زعيم القائمة العراقية إياد علاوي". ومضى مجيد قائلاً إن رئيس الوزراء نوري المالكي اختار إرهاب خصومه السياسيين بوسائل غير سياسية، عبر إصدار مذكرات الاعتقال، والتهديد بالمحاكمة، مما أدى إلى زيادة الاحتقان في الساحة العراقية، وأضاف "المستجدات في الساحة العراقية أفرزت قوى جديدة، ومن كان يتصدر المشهد بالأمس فقد حضوره السياسي نتيجة تذبذب المواقف. كما تعرض بعض المعارضين إلى ضربات غير قانونية من قبل رئيس الحكومة الذي لجأ إلى إصدار مذكرات الاعتقال، والتلويح بالتهديد". ولم يستثن مجيد شركاء المالكي السياسيين من المسؤولية، مشيراً إلى أنهم ساعدوا بسكوتهم ورفضهم الجهر بكلمة الحق في خلق دكتاتور جديد، ويقول "كل الأطراف المشاركة في الحكومة تتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وذلك لعجزهم عن التصدي لهيمنة المالكي على مفاصل القرار السياسي، وكان عليهم منذ البداية أن يبلوروا موقفاً موحداً للوقوف ضد هذا التوجه، لكنهم فضلوا مصالحهم الخاصة، وعملوا على الاحتفاظ بمناصبهم المرموقة، فاحتواهم المالكي ومارس سياساته دون اعتراض من الآخرين". تدخلات إيرانية أما القيادي في قائمة "متحدون" البرلمانية العراقية أحمد المساري فقد مضى في أكثر من ذلك، ولم يكتف بإلقاء اللوم على كاهل شركاء المالكي السياسيين وحدهم، بل اتهم المجتمع الدولي بالسكوت عما يقوم به رئيس الوزراء العراقي، مما أسهم في تقوية مركزه، وجعله لا يخشى أحداً، وقال "سبق وأن خاطبنا الجامعة العربية والمجتمع الدولي من أجل تفهم حقيقة الأوضاع في العراق، وما أفرزته السياسات الخاطئة للحكومة ورئيسها من معاناة كبيرة يرزح تحتها الملايين، ولكن للأسف لم نجد استجابة من هؤلاء. وقد بدأت اتصالاتنا الخارجية منذ اندلاع حركة الاعتصام، ولم نحصل على دعم أو تأييد، ويبدو أن حكومة المالكي تمتلك وسائل تأثير على تلك الجهات، باستثناء المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، وهي جهات ليست ذات تأثير فعلي تستطيع عبره التأثير. حتى ما أعلنته عن وجود انتهاكات لحقوق الإنسان موثق بالأدلة والمستندات الثابتة قوبل بتشكيك حكومي". معرباً عن اعتقاده بأن معالجة الأزمة في العراق تتطلب بالدرجة الأولى الحد من التدخل الإيراني في الشأن العراقي". يبقى أخيراً القول إن كتلة الأحرار العراقية، التابعة للتيار الصدري نفت أن يكون الهدف من قرار الاعتزال هو ترك الساحة للمالكي، مؤكدة خوضها الانتخابات المقبلة. وجاء النفي على لسان الأمين العام للكتلة ضياء الأسدي، الذي شدد على أن اعتزال الصدر الحياة السياسية لا يهدف إلى ترك الساحة السياسية في العراق لرئيس الوزراء. وأكد الأسدي في مقابلة سابقة، أن كتلة الأحرار ما زالت قائمة وتمثل جهة سياسية، وتعمل على الدخول إلى الانتخابات المقبلة، وتطمح بقيادة البلد ورئاسة الوزراء في المرحلة المقبلة.