ليس اختلال التوازن جسدياً فقط بل هناك اختلال التوازن النفسي وهو أشد مرارة من عدم التوازن الفسيولوجي. في العيادة جلست مريضتي في التاسعة عشرة من عمرها كانت ذكية وقادرة على التعبير عن مشاعرها قالت لا أعرف دكتورة عندي خلل في توجيه مشاعري، في فهمها، حتى في معرفة لماذا أشعر بهذه الطريقة؟ إنه والدي الذي سبب لي الحيرة والألم واختلال التوازن ولا أعرف حقيقة إن كنت أحبه أو أكرهه؟ لقد تركنا والدي منذ كنا أطفالاً ولم يصرف علينا ولم يمنحنا الحب والاهتمام. ثم ظهر فجأة في حياتنا الآن ودون مقدمات. كنا في غيابه لا نحمل له أية مشاعر سوى الحزن على حياتنا بدون أب وعندما ظهر ازددنا حيرة. ماذا نقدم لهذا الأب الذي تخلى عنا ونحن أطفال. فالحب ليس مجرد كلام بل هو عطاء خاصة للطفل الصغير الذي لا حول له ولا قوة! نحن لا نكرهه لكننا أيضاً لا نحبه. فالحب عاطفة لابد من تكوينها عبر فترة طويلة من الزمن. أنا وأخواتي وأخواني حيرتنا اليوم في أننا نعرف أنه لا يحبنا ولكن لا نريد أن نصدق ذلك. نملك كل الأدلة التي تقول لنا إنه حتماً لا يحبنا ولكننا نقاوم والسبب أن المنطق يقول والدنيا كلها تجزم أن حب الوالدين لأبنائهما شبه حتمي!! وعندما يحدث العكس يختل توازننا النفسي والعاطفي ونصاب بصدمة نفسية مؤلمة تستمر معنا العمر كله! أحياناً دكتورة نغالط مشاعرنا الحقيقية والواقعية لأننا نسعى لما يرضينا ويسعدنا وهذه المغالطة هي ما يسبب لنا المزيد من القلق والخلط!. أتمنى اليوم الذي أصل لحل ولفهم معنى مشاعري. أن أعرف ماهية مشاعري تجاه والدي وأن لا تختلط الأمور لديّ! حقيقة لقد عبرت هذه الفتاة هنا عن مشاعرها وصراعها الداخلي بوضوح وعمق وألم. إن عدم التوازن العاطفي والنفسي يصيبنا أكثر عندما تأتي الإساءة من أقرب الناس لنا لأننا لا نتوقعها ونحتار أكثر عندما تأتي من أحد الوالدين لأن المنطق يقول إن الطفل يولد ضعيفاً لا حيلة له وكل مشاعره بالأمن تتركز حول والديه ولو فقد هذا الشعور وهو طفل فإن ذلك سيؤثر عليه مدى الحياة. يكفي أننا نتحدث عن حب الأم وحب الوالدين إجمالاً أكثر من أي حب آخر! ومن هنا تبدأ مشاعر الذنب والحيرة لدى الأبناء. أمام هذه الحيرة لا نستطيع أن نجبر الأبناء على تزييف مشاعرهم أو خداع ذواتهم! ختاماً قد يكون الحل كما جاء في القرآن الكريم"وصاحبهما في الدنيا معروفاً" فلم يذكر الله سبحانه وتعالى أن واجب الأبناء في كل الحالات محبة الوالدين. لكن الواجب أو المستحب أن يعاملهما الابن أو الابنة معاملة حسنة!. ولعل ذلك يساعد في توازن مشاعر الأبناء وإخراجهم من دوامة الحيرة!