يعيش محمد عبد الله حيرة كبيرة، بعدما تعثرت حياته الزوجية فقرر الانفصال، لكن طليقته تابعت مشوارها في تشويه سمعته عند كل أسرة يتقدم للزواج منها. هذه ليست قصة محمد وحده، بل قصص العشرات ممن لم يحالفهم الحظ في حياتهم الزوجية فلجؤوا للطلاق وبحثوا عن نصيبهم في بيوت أخرى، لكنهم اصطدموا بحملات شنعاء ضدهم، بغرض تشويه السمعة وتدمير حياتهم من قبل طليقاتهم. فمن واقع معاناة اجتماعية، يعاني بعض من الرجال المطلقين من تشويه سمعتهم بعد الطلاق من زوجاتهم السابقين، سواء أمام أبنائهم أو المجتمع، الأمر الذي يحدث تبعات اجتماعية ونفسية لكل الأطراف، خاصة الأبناء في ظل غياب الدراسات التي تعالج هذه المشكلة.. «عكاظ» فتحت هذا الملف وبحثت المشكلة مع أطرافها واستطلعت آراء المختصين في العلاقات الزوجية والأسرية حولها في سياق التحقيق التالي: بداية الحكاية مع محمد عبد الله يرويها بحزن قائلا: «بعدما تعثرت الحياة الزوجية مع أم أبنائي، قررنا الانفصال ربما يجد كل منا سعادته في زواج آخر، وكنت حريصا جدا على مشاعر أبنائي حتى لايتأثروا بالطلاق وأوصلت لهم رسالة أن عدم التوافق بين الطرفين ليس عيبا وتركت لهم حرية الاختيار في العيش في منزلي أو مع والدتهم ففضلوا البقاء معها ووافقت حفاظا على استقرارهم النفسي والاجتماعي»، وأضاف : «لكني لاحظت في كل زيارة لي في نهاية الأسبوع أن أبنائي لم يعودوا يحترمونني وحملوني وحدي سبب الطلاق مع والدتهم، وحاولت أشرح لهم الموقف دائما، ولكن أصبح موقفهم مني سلبيا وبدأوا يقدمون الحجج حتى لايأتوا لزيارتي، بالرغم من توفير كل متطلباتهم»، وأتبع محمد سرد حكايته: «عرفت أن السبب لتحامل أبنائي علي هو الصورة السلبية التي تحرص طليقتي على ترسيخها في أذهانهم نحوي، ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، فعندما أتقدم للزواج أجد الرفض من البعض ويكون السبب أنهم عندما يسألون طليقتي عن سبب الطلاق تشوه سمعتي لديهم، وهذه معاناة أعيشها وأعتقد أن هناك من يعيشها غيري من الرجال المطلقين»، ويرى محمد أن تصرف بعض النساء المطلقات ينم عن الغيرة ولا تدري أن هذا التصرف يسيء للأبناء مستقبلا، ويعتقد محمد بأن الطلاق يتحمل مسؤوليته الطرفان. خطر محدق فيما يرى أحمد عبد الرحمن، أن تشويه بعض المطلقات لسمعة زوجها السابق خطر يهدد حياة الأبناء وليس أباهم المطلق، فمن واقع تجربتي عند الانفصال حرصت على إفهام أبنائي بأن الطلاق كان قرارا مشتركا مع والدتهم، لأن استمرارية الحياة بيننا أصبحت مستحيلة واقتنع أبنائي بذلك، وما أن تم الطلاق حتى أصبحت طليقتي لا تتوانى في الحديث عن سلبياتي أمام مجتمعها العائلي، الأمر الذي تسبب في تدمير بناتي وأصبحن في خلاف مع والدتهن، الأمر الذي يؤثر أيضا كما يقول أحمد على إمكانية زواج بناتي، فعندما تشوه طليقتي سمعتي يؤثر حتما على زواج الفتيات ويضيف أنه من الواجب على الطرفين المطلقين عدم التنكيل، لأن أسرار الحياة الزوجية والانفصال لابد أن تكون في إطار الخصوصية. تنفيس الحقد ويتساءل صالح بقوله: لا أعرف لماذا عندما يتم الطلاق تحرص بعض المطلقات على تشويه سمعة طليقها، بدءا من أبنائه وانتهاء بالمجتمع؟!، مبينا أن حدوث ذلك، يسبب فجوة بين الأبناء وآبائهم بعد الطلاق، فمن واقع تجربتي عندما تم الطلاق بدأت طليقتي عندما تسمع بأنني تقدمت للخطبة من إحدى العوائل تنهال عليهم الاتصالات التي تنصحهم بعدم الموافقة، ويتساءل لمصلحة من تنفيس هذا الحقد، خاصة أنها من طلبت الطلاق، ولكن عندما تقدم للزواج مرة أخرى لم يكترثوا بما سمعوه من طليقتي وأهلها، لأن وجهات النظر تختلف وتزوجت، ولكن لا تتوانى طليقتي في الاتصال على زوجتي وتكيل لي الشتائم. رأي الطليقات أما المطلقات، فقد دافعن عن أنفسهن مشددين على أن هذا الفعل لا يصدر من كل النساء المطلقات، حيث قالت ياسمين «لم أحرص في يوم من الأيام على تشويه سمعة طليقي رغم ما عانيت منه، إلا أني ما زلت أحمل في نفسي عليه، لأني لم أقصر في حقه، ولكن سوء تعامله معي جعل طريق حياتنا مسدودا والحمد لله على كل حال».وأفادت رويدا أن الطلاق مسؤولية مشتركة بين الزوجين، وأنها عندما سئلت عن طليقها أجابت من قصدهم للزواج بابنتهم بإيجابياته وسلبياته، مشددة على أن بعض الأزواج ليسوا أهلا للمسؤولية، وبالتالي فالإخبار عن ذلك لا يدخل من باب التشويه، وإنما ذكر الحقيقة حتى لا تتورط بنات ليس لهن أي ذنب. نظرة الأبناء ولمعرفة رأي الأبناء مما يحدث من تبادل الاتهامات بين آبائهم وأمهاتهم بعد الطلاق، تقول هناء محمد: «أنا أحب والداي جدا وحرصت على عدم حدوث الطلاق بينهم ولكن دون جدوى، وقررت أن أعيش بعد ذلك في منزل والدتي ووافق والدي على اختياري، ولكن بدأت الخلافات مع والدتي لأنها دائما تتكلم عن والدي بصورة لا أرتضيها له، وأدخل معها في خلاف ويمتد أيضا لأسرة والدتي، فمهما كانت الحياة مستحيلة بينهم، إلا أنه يظل والدي وواجب علي احترامه، لأن أسباب الطلاق عديدة، ينبغي أن لا يدفع ثمنها الأبناء في المستقبل. أما شادي فيقول : «تم الطلاق بين والداي منذ سنوات، ولكنهما لا يكفا الحديث عن أسباب الطلاق أمام الآخرين، الأمر الذي سبب لي عزلة اجتماعية»، وأضاف «عندما تسأل والدتي عن سبب الطلاق، لا تعتبر ذلك من الخصوصية وحتى والدي، مما يؤثر على سمعة الطرفين، لأن من حق كل منهما الزواج مرة أخرى، ولكن عندما اتخذت موقفا حازما من تصرفات والداي، اختلف الأمر وأصبحوا يضعوني في دائرة الاهتمام، لأن هذه التصرفات تؤثر على مستقبلي عندما أفكر في الارتباط». التبعات النفسية وعن الأثر النفسي لهذه القضية، بين المعالج النفسي الدكتور عبد الله حريري أن الرجل يتأثر بالطلاق مثل المرأة، ولكن بنسب متفاوتة، مفيدا أن عملية الانفصال ليست سهلة على الطرفين، خاصة في حال وجود أطفال، ولفت حريري إلى أن الرجل عندما يقدم على اتخاذ قرار الزواج لم يكن بنية الطلاق، ولكن عدم التوافق قد يحول من التقارب العاطفي والانفعالي وبالتالي عادة لا يكون هناك اختيار سوى الاتجاه للانفصال، وعلى ضوئه فإن الرجل في مجتمع كمجتمعنا المحافظ يتأثر بنسبة الطلاق ومن تبعاته مثل المرأة، ولكن بنسب متفاوتة، وقد يساهم ذلك في عدم تحقيق رغبته في الزواج مرة أخرى وما قد يؤثر عليه من عدوان من طليقته كتشويه سمعته عند المجتمع وأمام أبنائه، لذا يرى بأن هناك حاجة عبر وسائل الإعلام لتكريس الوعي حول احترام حقوق الشخص الآخر، فالاحترام يعني ثقة الإنسان بنفسه واحترامه لحقوقه، ويجب أن تساهم الفعاليات الاجتماعية الأخرى مع وسائل الإعلام في مثل هذه العملية، ويفضل أن تكون هناك مراكز لتدريب الأزواج ما قبل وما بعد الطلاق على أسلوب الانفصال المتسامح ومساعدتهم لتجاوز العديد من المشكلات. علاج نفسي أوضح مستشار العلاقات الأسرية والزوجية محمد الزبيدي، أن كثيرا من الأزواج والزوجات يؤكد كل منهما مدى حبه للطرف الآخر بالتعبير اللفظي فقط، وفي الحقيقة كثير من الناس لا يدركون المعنى الحقيقي للحب، مبينا أن المجتمع بحاجة لفهم بسيط وعميق لهذه المعانى، وأشار الزبيدي إلى أن الحب في حقيقته توجه «تفكير ومشاعر وقول وعمل»، يوجد في القلوب نتيجة هذه العلاقات ويظهر على التصرفات، إما بالكلام أو الفعل، وبين الزبيدي أنه إذا كان توجه الإنسان في الأخذ من الطرف الآخر أكثر من العطاء، كانت النتيجة حب فعلا، ولكن حب يتمركز على الذات «الأنانية»، وإذا كان توجه الإنسان العطاء أكثر من الأخذ، فإنه في هذه الحالة يكون الحب للطرف الآخر بالمعنى الحقيقي ولا توجد أو تستمر علاقة بين البشر قائمة على أساس الأخذ أو العطاء فقط، وشدد الزبيدي على أن «أكثر حالات الطلاق التي حدثت ولا تزال تحدث يكون فيها أحد الطرفين يعتقد أنه يحب الآخر ويضحي من أجله، وفي الحقيقة أن المحبة تكون للنفس وكل ما يفعله لنفسه، وهو يعتقد أن كل ما يفعله حب للطرف الآخر، وهنا تتشكل حالة نفسية سلوكية معينة أو عادة معينة تصنف على أنها حالة نفسية أو عادة سلبية وبحاجة إلى نصيحة أو استشارة أو علاج، حسب عمقها ومدى أثرها في حياة صاحبها أو صاحبتها». وأفاد الزبيدي أنه في حالة ممارسة أحد الزوجين لمثل هذا النوع من السلوك، الذي يشكل مع الزمن عادة حب النفس أو الأنانية، وبالتالي تتشكل شخصية تمتلك توجها يسطير بطبيعة الحال على سلوك الشخص حتى تظهر إثارة بطريقة سلبية في الحياة الزوجية أو حتى بعد الطلاق، ما لم يقرر أن يغير ذلك التوجه، مشيرا إلى أنه إذا كانت الزوجة هي من تشكل عندها مثل هذا التوجه وهو حب الذات، فإن كثيرا منهن بعد الطلاق يصبحن تحت تأثير هذا التوجه المسيطر والذي من نتائجه حب الانتقام لأنفسهن، لأنهن يعتقدن أنهن فقدن كثيرا من المكاسب الثانوية للذات، بعد خسارتهن للحياة السابقة، وذكر أن أبرز هذه المكاسب «تتجسد في معان ومعتقدات وقيم وتصورات ذهنية في العقل والقلب)، تظل مولدة لكثير من السلوكيات التي تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تشويه صورة طليقها أمام الأبناء والمجتمع حتى تشعر بنوع من الراحة أو الرضا مقابل ما حدث في السابق من خسارة لإشباع تلك المكاسب، مستخلصا أن مثل هؤلاء الأخوات هن في الحقيقة بحاجة إلى النصح أو التذكير بالله أو الرجوع إلى أخصائي حالات نفسية وليس أمراض نفسية، والذي بدوره يستطيع أن يساعدهن للتخلص من الحالة النفسية السلبية «حالة الحقد والانتقام مثلا»، مع ملاحظة أن ما يحدث يسيء إلى أزواجهن السابقين، وبالتالي يسيء إلى أولادهن، ويسيء لهن بدون ملاحظة منهن، ولفت الزبيدي إلى أن علاج مثل هذه الحالات سهل وميسر لمن تملك منهن الرغبة للتغيير، مع الأخذ بعين الاعتبار أن استمرار الحالات النفسية بدون علاج، قد يؤدي إلى أمراض نفسية.