كتاب الدكتورة لمياء باعشن، الصادر مؤخرا عن النادي الثقافي الأدبي بمكة بالتعاون مع مؤسسة الانتشار، من الكتب التي تكوِّن علامة في مدونة النقد الأدبي في مشهدنا الثقافي؛ ذلك أن الكتاب قدَّم قراءات حيَّة لبعض مدونات السرد لدينا، داحضا مقولات كانت تجحد المواكبة النقدية، وآخر تضع النقد مشغولا بالتنظير، وجاعلاً التطبيق إسقاطاً لمقولاته النقدية. جاء الكتاب مانحا النص السردي أبعاده الدلالية التي تظل في حال اشتغال عند المتلقي؛ فمنح طاقة النص اشتغالها، ومنح المتلقي نشاطه، وهو يمارس مع التأويل حركة انتظار التوليد الدلالي؛ وذلك حين اتخذت الناقدة ما آل إليه الأثر عند دريدا منطلقا لها، تقول الكاتبة ص7 عن الأثر عند دريدا "أما عند دريدا فهنالك شيء آخر مؤجل يجعل العلامة ناقصة، وفي الوقت نفسه مفتوحة على العديد من الإيحاءات والتأويلات، وبدلًا من أن تتكون العلامة من دال ومدلول تصبح مكونة من دال ومدلول.. إلى ما لانهاية، فتؤول إلى شبكة من الآثار المتتالية عند ديريدا". وأدى هذا الاشتغال على التوليد الدلالي غير المتناه، باستنبات دلالة، وتشكيل مدلول ثم تركيب دلالة، على أن يظل النص مشتعلًا بطاقة مؤوله، وقابلًا للالتقاء مع طاقة مستقبلة لكي تتوالد الدلالات اللامتناهية للنصوص. وقفت الدكتورة لمياء على العديد من النصوص السردية الروائية، وأخذت تُحيل ما يتراءى لها فيها إلى علامات تظل في حال اشتغال، حين أشعلت "البصمة الشبحية"، وجعلت التحليل التفكيكي البحث عن شيء خلف بصماته الشبحية كآثار في ثنايا النصوص" ص9، لذلك اشتغلت على الاختلاف الذي يتمايز به كل أثر عن غيره، لتدفع الأذهان إلى تقصي المعاني البعيدة والغائبة بتعقب الآثار الكامنة وراء البصمات. دخلت الدكتورة إلى النصوص فأشعلت اشتغالها، وخرجت لنا بما تتمايز به هذه النصوص حين كشفت مثلًا عن التحجيب السردي للكيان الأنثوي في رواية "وجهة البوصلة"، وعن النبش حتى القاع وعتاقة مكةالمكرمة في رواية "الحفائر تتنفس"، و فلسفة الانفتاح والتعايش النصي في رواية "سيدي وحدانه". أيضاً أحسب هذا العمل علامة فارقة في أعمالنا النقدية تستدعي البحث عن اختلافها.