الأسطورة هي محاولة من الإنسان القديم لفهم وتفسير ما يحدث حوله، والوصول إلى إجابة عن الأسئلة التي تشغله، وعن طريق حكايات وشخصيات خيالية أو واقعية عبرت الشعوب عن معتقداتها وأفكارها ومعاناتها ومثلها وأحلامها، وتصوراتها، وأصبحت تلك الأساطير مع الزمن جزءاً من تاريخ الوعي الإنساني. من الأساطير الإغريقية المهمة أسطورة (برومثيوس) وتأتي أهميتها من مضمونها ودلالاتها الفكرية والفلسفية والتاريخية. تحكي الأسطورة قصة تكليف الإله الإغريقي زيوس الأخوين(برومثيوس) و(أبيمثيوس) بخلق البشر وتزويدهم وجميع حيوانات الأرض بمتطلبات الحياة، ويقال إن "برومثيوس بالغ في تكريم الإنسان فأعطاه القدرة على المشي منتصباً على رجلين كالآلهة وهو مالم يحصل عليه حيوان آخر من قبل، ثم قام بسرقة النار التي ترمز للمعرفة والدفء والنور من الآلهة بطريقة سرية، وأعطاها البشر ليستطيعوا بناء البيوت والسفن وتطوير حياتهم، فسخط عليه زيوس، وعاقبه بأن قيده بالسلاسل إلى صخرة كبيرة في القوقاز، وسلط عليه نسرا ينهش كبده كل يوم، ثم ينمو الكبد مجدداً في الليل ويتابع النسر نهشه مرة أخرى، وظل برومثيوس يعاني العذاب سنين طويلة حتى ظهر من البشر بطل عملاق هو هرقل، قام بتصويب سهم على النسر فقتله وبذلك خلص برومثيوس من عذابه الطويل " (برومثيوس) يمثل الكفاح الأبدي للظلم، والروح التي لا تنكسر أمام العذاب من أجل المعرفة والحرية والكرامة، وزيوس يمثل السلطة القاهرة التي لا تريد أن يخرج أحد على أوامرها ومقرراتها. أوحت هذه الأسطورة الغنية إلى كثير من الشعراء والمسرحيين والفنانين بأعمال فنية وأدبية رائعة، نذكر منها قصيدة أبي القاسم الشابي المشهورة (نشيد الجبار) أوهكذا غنى برومثيوس التي يبدأها: سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء ومن أبياتها: فاهدم فؤادي ما استطعت فإنه سيكون مثل الصخرة الصماء النور في قلبي وبين جوانحي فعلام أخشى السير في الظلماء إن المعاول لا تهد مناكبي والنار لا تأتي على أعضائي وقد جسدت أبيات القصيدة حياة الشابي بشموخه وصموده وتحديه للمرض والاستعمار موظفا الشاعر فيها الأسطورة اليونانية ليعبر من خلالهاعن معاناته في سبيل الحق. طالما أن البشرية ستظل تعاني الظلم والاستبداد فسيبقى برومثيوس يتكرر عبر الزمن، وما الصراع الأبدي بين الطغيان وبين التحرر، بين الظلم وبين العدل، بين الحق وبين الباطل إلا تجسيد لتلك البطولة. سيتجلى ذلك الرمز في كفاح كل من يحمل نور العلم والفكر ليبدد ظلام الجهل، في كفاح وصبر الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، في نضال مانديلا ضد العبودية والعنصرية والاستعمار، في ثورة وصمود الشعب السوري ضد نظامه المجرم، وفي نضال كل الشعوب المقهورة ودمائها النازفة من أجل الحياة الكريمة.