هذا الصنف من الناس ليس بالقلة المتوقعة عند البعض بل هم أكثر مما نظن بسبب طغيان المادة وضعف التدين وهبوط مستوى الاخلاق، حتى أصبح الإنسان منا يثنى عليه بما يملك ويلبس ويركب ويسكن، ونسيت في خضم هذه المعمعات معايير القيم والأخلاق والفروسية والشهامة... ولذلك وجد في المجتمع من يحب نفسه ويقدمها على مصلحة الجميع ولو على حساب ظلمهم وقهرهم وسلب حقوقهم والادعاء بتملك مالا يملك، وهذه النفسية المريضة تظن حقيقة انها شخصية عظيمة، ولذلك وجد علماء النفس عند دراستهم للشخصيات المريضة بمرض جنون العظمة وجدوا أنهم في الأصل مصابون بمرض حب الذات المفرط وبالنرجسية، حتى يظنوا أنهم فوق خلق الله جميعاً، في الخلقة والأخلاق والنفس والجسد، لا أحد يدانيهم في الأفضلية، إن جالستهم على الطعام سابقوك لأفضله، وإن حادثتهم بحديث أخبروك بأنهم يعرفونه، حتى أطفالهم هم أفضل الأطفال وأذكاهم في ظنهم لأنهم يحملون المورثات الجينية ولأنهم صنيعة أيديهم تربية ورعاية!!.. النرجسيون عالة على أهلهم، لأنهم لا صديق لهم ولا حبيب، ولأنهم لا يجدون الموقع المناسب لذواتهم مع الذوات الأخرى التي لابد أن تخالطهم وتجتمع معهم في بيئة العمل.. وكم يجني الآباء على أطفالهم عندما يربون الطفل على انه أفضل الجميع وأذكى الأطفال وأكثرهم جمالاً وأحسنهم نسباً وحسباً، حتى ينخدع المسكين بنفسه ويظل يعتقد هذه المجاملات الممجوجة المبالغ فيها وتصبح في قلبه عقيدة راسخة تقوى وتتطور مع الزمن، والمشكلة أن النرجسي لا يعترف بنرجسيته حتى لو اتفق الخلق كلهم على وصمه بهذه الصفة فسيبقى بعظمته واعتداده بنفسه منافحاً عن نفسه ومدافعاً، حتى لو فقد من حوله من الأهل والإخوان والأصدقاء، حتى لو كره الناس مجالسته ومؤاكلته، فسيظل جاهلاً بمدى مرضه وحاجته الحقيقية إلى خطة علاجية يواجه فيها الواقع، أعاذنا الله وإياكم من حب الذات الذي يعمي العقول وعلى دروب الخير نلتقي..