يقال أن قدرا من النرجسية أمر مطلوب كي يستطيع الإنسان أن يوازن بين احتياجاته واحتياجات الأشخاص الذين يعيشون حوله، وهو أمر مطلوب لسعادة الإنسان ألا يطغى أمر على أمر آخر، فالشخص الذي يعيش حياته من أجل الآخرين فقط ليس بالضرورة شخصا سعيدا أو سويا، لكن من يتعامل مع شخص نرجسي أو تفرض عليه الحياة التعامل مع هذا النوع من الشخصيات يعرف جيدا كم هو صعب ومقلق ومنفر التعامل معه. والأسطورة الإغريقية تقول أن حورية من الحوريات عشقت نرجس الذي لم يبادلها الحب فعاقبته بأن جعلته يعشق نفسه إلى الحد الذي جعله يغرق في بركة الماء التي شاهد فيها صورته. والنرجسية هي إحدى أمراض اضطراب الشخصية وهي عبارة عن خلل عقلي يصبح فيه المريض مغرورا وبحاجة ماسة إلى الشعور بإعجاب الناس به، ويعتقد النرجسي أنه أفضل من الآخرين ولا يقيم أهمية لمشاعرهم. لكن يختفي خلف هذا القناع ضعف بالثقة بالنفس وإنسان هش يكسره أي انتقاد بسيط من الآخرين. وهذا ما يجعل النرجسي يحرص على إحاطة نفسه بأشخاص يستطيع أن يستغلهم ويقومون بإزجاء المديح له ليلا نهارا. يظن النرجسي دائما أنه محل حسد الآخرين وهو في قرارة نفسه يعاني من الغيرة الشديدة من الآخرين في ذات الوقت. والفرق بين الثقة بالنفس والنرجسية أن الواثق من نفسه يقيم نفسه بنفس الطريقة التي يقيم بها الآخرون، فلا يرى نفسه أفضل من الناس ويعطي كل ذي حق حقه. النرجسي لا يحب التعامل مع من يشعر أنهم يتعادلون معه في الموهبة، الفكر، القوة أو أي أمر يشعره بالتهديد من أن يظل الأفضل في عيون الآخر. ولأن ثقته بنفسه ضعيفة فهو يشعر بالغضب الشديد أمام أي انتقاد لأي شيء يخصه، وهناك دائما أمر صغير يقلقه أو يشعره بالدنو يحاول تخبئته حتى عن نفسه. والمشكلة أن المريض بالنرجسية ليس صعبا فقط في التعامل، أي ليست المشكلة في أنه يسبب التوتر والضيق والمشكلات مع الذين يتعاملون معه أو يضطرون للتعامل معه، المشكلة انه هو أيضا يعاني لأنه إنسان غير سعيد، لأن هناك لحظات يعرف فيها أن الناس لا تحب التعامل معه، أو أن الذين يتعاملون معه يضطرون لذلك لمصلحة معينة بالإضافة إلى معاناته الشخصية من الإحساس الداخلي بعدم الثقة بالنفس. كثير منا عانى ويعاني من التعامل مع شخصية تعاني من شعور العظمة، والأمل الوحيد هو أن يعرف النرجسي نفسه ويحاول معالجة نفسه من هذه العلة بالعلاج النفسي، أما الآخرين من حوله فعليهم الصبر والاحتساب... [email protected]