يُضفي التنزُّه الأسري برياً أو بحرياً خلال إجازة الربيع مزيداً من الراحة والألفة بين الجميع، كما يمنح النفس الاستمتاع بالمناظر الطبيعة والأجواء الجذابة بعيداً عن صخب المدينة والضغط النفسي والعصبي الناتج عن روتين العمل والحياة اليومية، بيد أنَّ العديد من تلك الرحلات قد لا تحظى بهذا القدر من المتعة أو تعود نتائجها بشكل سلبيّ على أفراد الأسرة؛ نتيجة تعرضهم لمكروه هناك أو فقد أحد أفرادها أو موته غرقاً أو حرقاً، أو تعرّضه للسعات بعض الزواحف. وقد يعود ذلك في الأساس إلى عدم التخطيط الجيد للرحلة من قبل رب الأسرة أو نتيجة عدم اختياره للمكان الآمن، وربما نتج ذلك عن عدم تقيّد أحد أفراد الأسرة بالتعليمات المنصوص عليها من قبل الجهات المعنية في هذا الجانب، خاصةً من قبل الأطفال الذين لا يدركون حجم الأخطار التي قد تواجههم أثناء لهوهم في مكان التنزه، وهنا قد يكون شعار هذه الرحلات العشوائية "شيل العزبة وفراشك يا ولد.. والحقوني" دون أن يتم تحديد الوجهة المقصودة إلاَّ بعد أن تتحرك السيارة بأفراد الأسرة بعيداً عن مكان إقامتهم، وحينها تبدأ عملية أخذ المشورة والاستماع إلى المقترحات. نزهة برية في البداية قال "عائض الروقي" -والد الطفلة (لمى) ضحية بئر وادي الأسمر- :"قررت في يوم من الأيام أخذ عائلتي المكونة من زوجتي وأطفالي في نزهة برية، وعند وصولنا إلى المكان ذهبت طفلتاي شوق (8 سنوات)، ولمى (6 سنوات) ليلعبا في مكان قريب من المكان الذي نتواجد فيه، بينما بقيت الطفلة الصغرى (وئام) معنا، وبعد مرور وقت قصير جاءت ابنتي (شوق) تصرخ وتبلغني أنَّ شقيقتها "لمى" سقطت في بئر مجاور. وأضاف أنَّ ذلك جعله يذهب مسرعاً إلى موقع سقوط ابنته، وإذا به عبارة عن حفرة صغيرة قطرها لا يتجاوز (50 سم)، موضحاً أنَّه تردَّد في النزول بادئ الأمر؛ لعدم وضوح ما بداخلها حيث لم يشاهد طفلته في تلك اللحظة، الأمر الذي جعله يتصل بالدفاع المدني وببعض أقاربه لنجدة ابنته، مشيراً إلى أنَّه بدأ بعد ذلك في البحث عن ابنته دون جدوى، مؤكداً على أنَّ عمليات البحث الطويلة عن ابنته لم تُسفر عن إنقاذها، إذ تُوفيت -يرحمها الله-، ولم يتم العثور إلاَّ على رُفاتها بعد ذلك بأسابيع. مكان مناسب وشدَّد "ناصر محمد الذيابي" على ضرورة التخطيط المُسبق واختيار المكان المناسب لأيّ رحلة يعتزم رب الأسرة القيام بها برفقة أفراد أُسرته، مضيفاً أنَّ أحد أطفاله توفي في السابعة من عمره بعد أن انفجرت بوجهه قنبلة من مخلفات أحد التمارين العسكرية، موضحاً أنَّ أُسرته كانت تتنزه في الموقع، وأثناء ذلك رمى الطفل بالقنبلة التي كانت أحد أنواع طلقات الهاون غير المُتفجرة على الأرض؛ ممَّا أدَّى إلى انفجارها ليلقى الطفل مصرعه في الحال. أمطار غزيرة وأشارت "إنعام فضل" إلى أهمية أخذ الحيطة والحذر أثناء الخروج للتنزه في أوقات هطول الأمطار، وتحديداً مع تقلبات الطقس هذه الأيام، داعيةً إلى عدم الاقتراب من مجاري السيول والالتزام بتنفيذ التعليمات الصادرة عن الدفاع المدني في هذا الشأن، لافتةً إلى أنَّ أحد أقاربها خرج بصحبة أفراد أسرته بعد هطول أمطار غزيرة صبيحة ذلك اليوم؛ للتنزّه والاستمتاع بمشاهدة منظر السيول بأحد أودية "تبوك"، موضحة أنَّ أفراد الأسرة جلسوا بالقرب من الوادي وأثناء ذلك جاءت سيارة آتية من بعيد يشير قائدها لهم بضرورة مغادرة المكان على الفور. وأضافت أنَّ قائد السيارة كان يُردِّد بأعلى صوته :"السيل قادم، غادروا المكان"، موضحةً أنَّهم صعدوا لسيارتهم فوراً، في الوقت الذي داهمت السيول فيه الموقع، مبينةً أنَّهم ظلوا بداخل سيارتهم خائفين يترقبون ما ستسفر عنه تلك اللحظات من نتائج بدءاً من الساعة الثانية ظهراً إلى الساعة ال (9) مساءً، إذ وصلت حينذاك فرق تابعة للدفاع المدني بكامل معداتها وآلياتها، حيث تمَّ عمل طريق لعبور السيارات المُحتجزة بالموقع. وأوضحت أنَّ ربَّ الأسرة استوعب حينها الدرس وأدرك خطورة تصرفه غير الصحيح الذي كاد أن يقضي على كامل أفراد الأسرة غرقاً؛ نتيجة عدم التخطيط الجيد وتجاهل التعليمات المنصوص عليها من قبل الجهات المعنية في هذا الجانب، مضيفةً أنَّ أُسرة أُخرى من أفراد عائلتها تعرَّضوا لموقف مشابه بأحد "شاليهات" محافظة "حقل"، وذلك بعد أن طلب الأب من أفراد الأسرة الاستعداد وتجهيز المتطلبات اللازمة للقيام برحلة بحرية. وبيَّنت أنَّه بعد أن وصل الجميع إلى الموقع انشغل أفراد الأسرة بتنزيل الأغراض من السيارة، وأثناء ذلك غادر الطفل "خالد" البالغ من العمر ثلاث سنوات فقط المكان ميمِّماً بوجهه تجاه البحر في غفلة من أفراد أُسرته، مضيفةً أنَّ أم الطفل لاحظت عدم وجوده داخل "الشاليه" بعد ذلك بوقتٍ قصير وأخذت بالبكاء والعويل طالبةً من زوجها وأبنائها سرعة البحث عن الطفل المفقود، مشيرةً إلى أنَّ نتيجة البحث عنه أسفرت عن وجوده ميتاً يطفو فوق سطح مياه البحر، لتبقى وفاته ذكرى موجعة في نفس كل فرد من أفراد الأسرة. وسائل السلامة ولفتت "غدي الباسل" إلى ضرورة توفير وسائل السلامة المطلوبة في المسابح، سواء في الأندية الرياضية أو داخل المنازل والاستراحات، موضحةً أنَّ طفلاً لإحدى قريباتها ذهب ضحيةً إهمال هذا الجانب، مبينةً أنَّ "معاذ" ذي الثلاث سنوات خرج ذات يوم برفقة والدته وأشقائه إلى إحدى الاستراحات، مشيرةً إلى أنَّ إخوته اصطحبوه ليلعب ويسبح معهم في المسبح التابع للاستراحة، بيد أنَّ إخوته عادوا بعد دقائق معدودة بدونه. وأضافت أنَّ والدتهم سألتهم عن أخيهم، موضحةً أنَّهم أكدوا على أنَّه كان معهم قبل دقائق ولم يتمكنوا من مشاهدته بعد ذلك أو تحديد مكانه، الأمر الذي جعل الجميع يهبّون لنجدته والبحث عنه، إلاَّ أنَّهم تفاجأوا بوجوده يطفو فوق مياه المسبح وقد فارق الحياة، وقالت :"مع أنَّ ذلك قضاء وقدر من الله –عزَّ وجل-، إلاَّ أنَّ عدم وجود وسائل السلامة المطلوبة، ومن ذلك إيجاد سياج يحيط بالمسبح تُعدُّ من أسباب سقوط الطفل ووفاته غرقاً". وقال "عمر المطيري" :"تظل أخطار هذه الرحلات مستمرة، فهناك حالات غرق وحوادث سيارات عند الذهاب أو العودة للمكان المقصود، إلى جانب تنزّه بعض الأسر في مواقع مليئة بالزواحف السامة"، مضيفاً أنَّ العديد من الحوادث نتجت عن سوء اختيار رب الأسرة للموقع المناسب الذي يُجنِّب أفراد أُسرته فيه المخاطر. تسرُّب غاز وأشار "عبدالعزيز الشمراني" إلى أنَّه لا يزال يتذكر تفاصيل حادثة حريق خيمتهم الصغيرة أثناء رحلتهم البرية في يوم من الأيام، لافتاً إلى أنَّ السبب الرئيس للحادث هو تسرُّب الغاز من إحدى الأسطوانات، موضحاً أنَّ خلوّ الخيمة من أفراد أسرته جعلهم ينجون بفضل الله من موت مُحقَّق، مؤكداً على أنَّ الأطفال عادة ما يدفعون ثمن أخطاء آبائهم أو أحد أفراد أسرتهم حينما يهملون الالتزام بالتعليمات الصادرة من الجهات المعنية في هذا الشأن، خاصةً في الأماكن التي يتنزهون فيها بصحبتهم. وتساءل "خالد عبدالدايم" عن جدوى السماح لبعض الجهات التجارية بحفر الآبار دون أخذ التصاريح اللازمة من الجهات المعنية، مشيراً إلى انتشار هذه الآبار في العديد من المواقع البرية التي يرتادها الناس بهدف التنزه مع أطفالهم؛ ممَّا يشكل خطراً كبيراً عليهم. مراقبة الأطفال وحذرت "د. خديجة الصغير" -أخصائية طب أطفال بمستشفى الملك خالد بتبوك- من حوادث الحريق أثناء الرحلات، مضيفةً أنَّها تكثر عند طهي الطعام أو عمل الشاي والقهوة، مشددةً على ضرورة عدم ترك الأطفال بجوار مواقد النار أو أماكن الطبخ، داعيةً أرباب الأُسر إلى حسن اختيار أماكن التنزه ومراقبة الأطفال والابتعاد عن مواقع الزواحف السامة، مشيرةً إلى أنَّه قد يكثر حينها عبث بعض الأطفال وإدخال أيديهم بجحور تلك الزواحف جهلاً منهم بخطورتها. مياه الأمطار ودعا "عودة بن سالم العطوي" -مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بالمديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة تبوك- المواطنين والمقيمين إلى عدم ترك أبنائهم يسبحون في مياه الأمطار؛ لخطورتها عليهم، مبيناً أنَّها مياه طينية يصعب السباحة فيها، مؤكداً على أنَّ مستشفيات "وزارة الصحة" بالمنطقة رصدت خلال السنوات الماضية العديد من حوادث غرق الأطفال في تلك المياه، مشيراً إلى أهمية توخيّ الحذر والتقيُّد بتعليمات الدفاع المدني أثناء التنزه، لافتاً إلى ضرورة تنبيه الأطفال وعدم السماح لهم بإدخال أيديهم في جحور الحيوانات الزاحفة واللعب في البرية دون لبس الحذاء المناسب. أماكن محظورة وأكد "عقيد. ممدوح بن سليمان العنزي" -الناطق الإعلامي بمديرية الدفاع المدني بمنطقة تبوك- على أنَّ المديرية تحرص دائماً على سلامة أرواح المواطنين في مناطق التنزه وإبعادهم عن كل ما يُكدر صفوهم نتيجة الأخطار التي قد تلحق بهم أو تواجههم في تلك المناطق، مضيفاً أنَّه عادةً ما يتم تحذيرهم من عدم الاقتراب من التجمّعات المائية وقنوات المياه الجارية والسدود والبرك، إلى جانب عدم السباحة في الأماكن المحظورة. وشدد على ضرورة مراقبة الأطفال وعدم تركهم يغيبون عن الأنظار في أماكن التنزه، خاصة بالقرب من المسطحات المائية؛ باعتبارهم لا يدركون مدى الأخطار التي تحيط بهم، إلى جانب عدم تركهم يتسلقون المرتفعات والمقاطع الصخرية والأشجار أو الاقتراب من الأماكن شديدة الانحدار؛ تجنباً لخطر السقوط. عائض الروقي ناصر الذيابي عمر المطيري خالد عبدالدايم د. خديجة الصغير عقيد. ممدوح العنزي