ثمة بون شاسع ومسافة كبيرة بين الإسلام الذي تمارسه الأمة الإسلامية اليوم وبين الإسلام الذي يريد الله منا أن تسيح مضامينه بيننا. فأصبحت الأمة الإسلامية اليوم تقوم بأعمال لا تماس مضامين هذا الدين لا من قريب ولا من بعيد بل إنها ذهبت - أقصد الأمة الإسلامية - تتشبث بأشياء وجودها عند الله كعدمها سواء بسواء. ويوم كان هذا هو حال الأمة فإن التردي يصحبها ليس في مجال دون مجال بل في جميع مجالات الحياة المختلفة ولعل من أهمها علاقة الأمة بربها تلك العلاقة المفضية بمخرجات سامية من عند الله لما كانت علاقة الأمة بالله واهنة أصبحت في حضيض السلم الحضاري.. ولكن هنا ينبري سؤال هام ألا وهو ما نوع العلاقة بالله التي تدلف بالأمة إلى النصر المادي والمعنوي معاً؟ لا أشك لحظة واحدة أنها تلك العلاقة المنبثقة من إجلالنا لله رب هذا الكون العظيم الذي يتجلى لنا في كل لحظة عظمة البارئ. إن الأمة الإسلامية اليوم تقوم بعبادات فارغة المضامين بل لا تعدو أن تكون عادات تفعلها كل يوم ليس.. إلا. إن لكل عبادة يفرضها الله علينا فإنه هناك مضامين وأهداف تصحب هذه العبادة، وإلا قولوا لي بالله عليكم ماهو الفارق بين من يزاول الصلاة بحركات دون إجلال لرب الكون وذكر لمقامه العظيم وبين ذلك الإنسان الذي يمارس رياضة سويدية بكل صدق لا فارق بينهما والحالة هذه. إن ذلك الإنسان الذي يفتتح صلاته بقوله (الله أكبر) هل صحيح أنه يعتقد أن الله أكبر وهو يمارس الظلم بمختلف صوره وهل هو يعتقد أن الله أكبر وهو يحتقر هذا ويستهزئ بذاك!؟ بدون شك أنه لا يعتقد ذلك وإلا لو قالها من سويداء قلبه لارتعدت فرائصة من ثقلها، وعلى ذلك قيسوا جميع أنوع العبادات. إن الإنسان الذي يمارس صنوف المآثم ويجترح السيئات لاشك أن قلبه فارغ من تقدير الله وإجلاله. إن الأمة الإسلامية اليوم تعيش خواء في معرفة مضامين الإسلام التي تفضي بالأمة إلى درجات العز والتمكين. إن الأمة اليوم لا ينقصها معرفة النصوص الشرعية ولكن ينقصها الوعي التام بمضامين هذه النصوص، بل إن الأمر أنكى من ذلك، فكثير منا يعرف ماتهدف إليه هذه النصوص ولكن يرتكب صهوة المآثم ويترجل عن المضامين التي تردعه عن ارتكابها إن هذا أو ذاك لم يدرك بعد عظمة الله التي من لم يأت إليه طوعاً سيأتيه يوماً ما كرهاً، ونعوذ بالله أن نأتي إلى الله يوماً كرهاً، فالذي يأتيه كرهاً لا جزاء له ولا ثواب على هذا المجيء. إن السماوات والأرض أعظم من خلق الناس، ومع ذلك يوم ناداها الله عز وجل قالتا أتينا طائعين قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) إن السماوات والأرض ما أتت هذا الإتيان إلا لمعرفتهما بعظمة البارئ عز وجل. إني هنا سأقود القارئ الكريم إلى سؤال مفاده لماذا لا نجل الله ونقدره حق قدره، وقد قال الله تعالى عن نفسه في وحيه الطاهر مخبراً بذلك: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚسُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) إن الله ذهب ينزه نفسه من عدم تقدير الخلق له. إني أقسم بالله إيماناً تترادف من الأرض إلى السماء لو أن أي أنسان تصور عظيم قدرة الله لما وجد وقتاً فيه يظلم أو وقتاً فيه يسفك الدماء.. إلى غير ذلك من صور الضلال والمآثم بل ينذر الإنسان وقته كله مشتغلاً بجلال الله وحده. إذا وعت الأمة ذلك فحري بها أن لا تسلك إلا ما يرضي الله، ولكن الأمة تغفل عن ذلك أحياناً ومن ثم تسوء حالها. إنه مما يدمي القلب أننا نجد مضامين هذا الدين تمارس عند من لم تقع أعينهم على مضامينه، وتخلو ساحة الأمة الإسلامية من ذلك! إنه بالمناسبة إن الذي بيديه النصوص ومضامينها أعظم جرماً من الذي يفتقدها. كثيراً من أبناء الأمة الإسلامية يعتقدون أن أوامر الله ونواهيه ماهي إلا مجرد تكاليف توضع على كواهلهم، كلا إنما أوامر الله ونواهيه ما هي إلا وصفة علاج لإنسان مريض من أخذ بها تعافى ومن تنصل عنها هلك قولاً واحداً لامرية فيه، إذ إن المسلم أحياناً يعتقد أنه والحالة هذه يمن على الله بإقامة شعائر الله! إن هذا الاعتقاد اعتقاد خر عليه السقف من فوقه. ما أريد أن أخلص إليه في هذا المقال الذي ما هو إلا من فرد من أفراد هذه الأمة هو بحاجة إلى الرشاد هو أن ندرك أن الله غني عن العباد وأن طاعتهم جميعاً لا تنفعه وأن معصيتهم جميعاً لا تضره فنحن الذين بحاجة الله آناء الليل وكل النهار. كثير من أبناء الأمة الإسلامية اليوم يقومون بممارسة أعمال ربما أنها ليست من الدين في شيء، ومن ثم يتصورون أنهم مسكوا تعاليم هذا الدين بقرنيه! إنما الدين الحق هو تصور عظمة الله، وعدم الجور على الضعيف، ومعالجة جراح المكلوم، وإطعام الجائع، وسقي الضمآن، والبعد عن جرح اللسان، هذا هو جذر الدين وما سوى ذلك ماهي إلا شعائر الغرض من إقامتها هو لنتوصل إلى تلك المبادئ والمثل. إن الدعاة والوعاظ لهذا الدين اليوم يكرسون جهودهم لأشياء ربما أنها يسيرة في الإسلام ويتركون التي تفُت عضد هذا الدين بيّنتها آنفاً. ختاماً إن هذا الدين مثل وأخلاق ومبادئ أفصح عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).