هناك فرق بين أن تحمل فكراً إصلاحياً أو تحمل فكراً حزبياً، الفكر الإصلاحي فكر منفتح على كل الأفكار التي تسهم في ضبط مسارات التنمية ودفعها إلى الأمام على عجلة الأمن والاستقرار، فالإصلاح يعني أن تقوم بعملية نقد وتقويم لتجارب سابقة من أجل التوصل لفكرة رائدة أو إصلاحية يكون منبعها تجارب سابقة، والتجربة في الميدان التنموي ليست عقيدة يلزم الإيمان بها، واحترامها في العمل الوطني يكمن في هويتها الوطنية، ولا نقول الدين لأن الدين ليس تجربة بل أصل ثابت تعرف منه صلاحية التجارب ويحدد به المباح من الاجتهادات الإصلاحية والممنوع منها. الفكر الحزبي فكر منغلق على ذاته لايرى الإصلاح إلا من خلال عقيدته الحزبية، ويدخل أصحابه العمل الوطني أو السياسي كمنافسين وليس كشركاء محتملين في العمل الإصلاحي، وعملهم يخضع لاعتبارات الانتصار والخسارة "نكون أو لا نكون" الانتصار للحزب أو الخسارة للحزب.. نجاح الأحزاب في بعض الديمقراطيات الغربية يرجع إلى قدرتها على تحييد الانتماءات العقائدية والمذهبية عن الحياة العامة، وساعدها في ذلك طبيعتها العلمانية، فبغير ذلك سوف تفشل الاحزاب، أو تكون قوى متصارعة فكرياً وجسدياً، ويكون البقاء للأقوى. فمنع التحزب هو منع للعلمانية، فبلد مثل المملكة شرفها الله برسالة دينية خالدة لا تقبل بأن تكون دولة علمانية، فالأحزاب حتى لو اتبعت فكراً دينياً لا تستطيع أن تتحرك إلا بفضاء علماني، فحزب العدالة التركي نجح لأنه في دولة علمانية، وفشلت الأحزاب الدينية في الدول الإسلامية التي لا تطبق النظام العلماني، فلو أخذنا تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر لوجدنا أنها جماعة صاحبة اتجاه ديني واحد يخالفها الكثير من الأحزاب الدينية في رؤيتها للسياسة والتنمية والأمن، إضافة لبقية الأحزاب المدنية، لذا سهل خروجها من الحكم، واتجهت لأدوات العنف لتثبت بها قدرتها على الحكم، ففي السياسة الحزبية الإسلامية لا توجد فكرة دينية واحدة بل مجموعة من الأفكار وللأسف بعضها ينفي بعضاً. الفكر الحزبي له سحره عند الشباب بسبب قدرته على تحريك شعلة الحماس في نفوسهم، ويملك خاصية رفع مراتبهم القيادية، فالشاب عندما يجد نفسه قد ارتفع فوق هامات سياسية قديمة، يزيد إعجابه بنفسه ولا يسمح لأي قوة مهما كانت أن تزيحه عن القمة، وشاهدنا نماذج شبابية كثيرة في ميادين الربيع العربي، ارتفعت عالياً، وكان ارتفاعها دماراً للبلد وسبب نزولها حريقاً خانقاً وفوضى، فالشباب لا يدفعه الى اعتناق الأفكار الحزبية قناعة واعية بتلك الأفكار بقدر ما يدفعه حماسه الأعمى وطاقته الشبابية التي تقوده إلى مصيدة العقائد الحزبية، وتنتهي قناعاته الحزبية بانتهاء مرحلة المراهقة الشبابية، فالمصداقية للاحزاب شعار ساحر يوهم بالحق ولا يصنعه. فدعاة الأحزاب هم إما يكونون صادقين في دعواهم وهؤلاء لا صدق لديهم إلا إن كانوا دعاة للعلمانية حتى ولو حملوا عناوين دينية، وإما أن يكونوا دعاة فوضى وخراب وهؤلاء أصحاب الأحقاد والأجندات الإقليمية أو الخارجية.