أن ينظر الكثيرون من خريجي الجامعات والكليات والمعاهد إلى أن الوظيفة الحكومية تحقق (الأمان الوظيفي) لكن أن يشعر موظفو القطاع الخاص بالحاجة إلى هذا المفهوم واستشعاره أثناء العمل أمر يدعو للدهشة والتساؤل، حتى ان بعضهم يريد أن يتخلى عن مزايا القطاع الخاص مثل الراتب الجيد والتأمين الطبي وبدل السكن في سبيل الحصول على وظيفة حكومية تحقق له الاستقرار النفسي والمعنوي والمادي والانتماء وضمان استمراره في العمل دون قلق حول مستقبله وهو ما يسمى إدارياً (الأمان الوظيفي)، لاحظت ذلك من خلال مشاركتي في إدارة إحدى المسابقات الوظيفية، حيث كان هناك عدد كبير من المتقدمين يعملون في وظائف في القطاع الأهلي منها: البنوك وشركات الكهرباء، وشركات الحاسب الآلي وأخرى غيرها وقضوا في وظائفهم خمس سنوات وأكثر، وأغلبهم يتقاضى رواتب تعد مرتفعة بالنسبة لأعمارهم ومقارنة براتب الوظيفة الحكومية تتراوح ما بين 8000 و10000 ريال بدون البدلات ويرضون بوظيفة في القطاع العام لا يتجاوز مرتبها 6000 ريال، هذه الحالة جعلتني أسألهم: لماذا هذه التضحية، وماهي الأسباب؟ وكانت الإجابة المشتركة لهم هي: البحث عن الأمان الوظيفي، ألهذه الدرجة يفتقد القطاع الخاص الطمأنينة والاستقرار ويعيش حالة اضطراب نفسي وتوعك إداري أدى إلى نسبة تسرب عالية؟! وتبادرت إلى ذهني مسألة مهمة في رأيي تهُم القطاع الأهلي بحكم أنه شريك في مسيرة التنمية التي تعيشها بلادنا المعطاء وهي أن تسعى وزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية ووزارة العمل على توفير الأمان الوظيفي للقطاع الخاص حتى يمكن حل مشكلة البطالة، وخلق شعور لدى منسوبي هذا القطاع العريض بالأمان الوظيفي وضمان المستقبل بإذن الله، ومنها سعودة القرار في هذا القطاع، واتجاه هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) إلى دراسة واقعه وكشف ما قد يكون فيه من الفساد الإداري والمالي، وإلزام مؤسساته وشركاته إلى وضع أنظمة لضمان حقوق منسوبيه. ومن جانب آخر، سن أنظمة ولوائح في القطاع الحكومي من حيث الإنتاجية والالتزام والانضباط بما يشبه مؤسسات القطاع الخاص وأجواءه الإدارية حتى لا ينقلب الأمان الوظيفي في الجهات الحكومية إلى نوع من التراخي والتكاسل وعدم الإبداع والابتكار في مجالات الوظيفة، فإن الإسراف في مفهوم الأمان الوظيفي لدى البعض يؤدي إلى قلب هذه الدائرة الحكومية، وتلك إلى مؤسسة رعاية اجتماعية ينتظر الموظف فيها الراتب وكفى. الأمان الوظيفي بكل ما في هذا المصطلح من جمال ظاهر ومضامين إدارية رائعة إلا انه بمفهومه الحالي يخلق حالة من عدم الاستقرار في القطاع الخاص، ويخلق مشكلة في القطاع الحكومي من خلال تضخم الباب الأول في ميزانية الدولة، فيجب دراسة تصحيح هذا المفهوم.