يوفر "القطاع الأهلي" نحو (11) مليار ريال في كل عام من حجم الإنفاق على التعليم في المملكة، وتُعد العاصمة الرياض أعلى المناطق في المدارس الأهلية، حيث تبلغ نسبتها (40%). وعلى الرغم من إصرار التربويين في القطاع العام والخاص على ضرورة وجود انسجام بين إدارة التربية والتعليم والمدارس الأهلية، إلاّ أن الأخيرة رفعت مؤخراً دعوى قضائية في المحكمة، حيث تقدمت نحو (130) مدرسة أهلية بدعوى تظلم، بسبب قرار تطبيق الإجراءات المحاسبية على المدارس التي لم تلتزم بتسجيل المعلمين والمعلمات في موقع صندوق الموارد البشرية المعروف ب"هدف"، الذي صدر بموجب أمر ملكي ينص على زيادة رواتب المعلمين والمعلمات العاملين في القطاع الخاص بحيث لا تقل عن (5000) ريال، مضافاً إليه (600) ريال كبدل نقل، فيما يساهم "هدف" ب(50%) من الراتب مدة خمسة أعوام. ويرى مهتمون بالتعليم الأهلي أن الإصلاحات المهمة التي أسست لها وزارة التربية والتعليم عبر تعميم صدر مؤخراً تُعد إحدى العلامات الفارقة في تطوير العملية التعليمية، وينص التعميم على تطبيقه على جميع المدارس الأهلية من خلال تسجيل بيانات المعلمين والمعلمات السعوديين في موقع صندوق الموارد البشرية، وتوقيع عقد العمل الموحد المعتمد من وزارة العمل بين المدرسة الأهلية والمعلم، أو المعلمة، وضرورة المبادرة بتسجيل المعلمين والمعلمات في نظام التأمينات الاجتماعية حفاظاً على حقوقهم التأمينية. ويؤكد الكثير على أن بعض المدارس الأهلية ليس فيها انضباط محدد، إذ إن هدفها الأساسي ليس التعليم بقدر ما تكون الأرباح نهاية العام، ففي السابق كان طالب المدرسة الأهلية يعني الاجتهاد والمثالية، أمّا الآن أصبحنا نشهد أن غير المجتهد يتوجه إلى المدرسة الأهلية حتى يحصل على الشهادة فقط!. ولا يجد المعلم السعودي الأجواء التي تُساعده داخل المدارس الأهلية، من حيث الراتب أو من حيث الظروف الملائمة التي تقود على الإبداع والتميز، فهو يرى أن مهمته في تلك المدرسة وقتية، وعينه دائماً تنظر إلى الأسماء التي تُعلنها "وزارة الخدمة المدنية" في التعيين داخل المدارس الحكومية، وهو ما يتطلب إيجاد ضمانات تُساعد المعلم على أداء مهمته في المدرسة الأهلية بصورة صحيحة، كما أنه من المهم زيادة الرواتب للمعلمين داخل المدارس الأهلية، ف(5600) ريال لا تفي إطلاقاً بالظروف المعيشية التي تُحيط بالمواطنين عموماً، إضافةً إلى زيادة الرواتب ستجعل خريجي الجامعات يتسابقون للدخول في المدارس الأهلية. إيجاد ضمانات وقال "كمال المزعل" -خبير بشؤون التعليم الأهلي-: إن سلم الرواتب لا يكفي مقارنة بحجم المعيشة اليوم، مضيفاً أن راتب (5600) لا يحقق طموح المعلم السعودي، مؤكداً على أن المواطن يشعر بالاستقرار في الوظيفة الحكومية، ويقبل حتى براتب أقل، بينما يخشى من القرارات التعسفية في المدارس الأهلية، مبيناً أنه إذا كنا نرغب في استقطابه واستمراريته، فيجب أن نرفع من راتبه، وكذلك نعمل على إيجاد بعض الضمانات للمعلم، فعلى سبيل المثال: لا يحق للمدرسة فصل سوى عدد محدود من المعلمين في العام الواحد، ويكون بنسبة مئوية، مشيراً إلى أن هذا لا يعني أن المدارس الأهلية لا تقدم معايير جودة وتميز، بل إن بعضها تتميز بتخريج طلاب موهوبين في اللغة الإنجليزية، وكذلك بعضها يُقدم احتراماً الطالب ولا يقسو عليه أو يُهينه، إضافةً أن بعضها يحترم ولي الأمر ويتعامل معه بإيجابية، إلى جانب أن بعضها ترتفع فيها نسبة الأنشطة اللاصفية. زيادة رواتب وشدّد "المزعل" على أن المعلم السعودي يحمل من الكفاءة الكثير، فهو ليس بأقل من نظيره الأجنبي، بيد أنه قد يكون أقل صبراً وتحملاً من الأجنبي، وهذا أمر نلمسه في بعض الأحيان، ذاكراً أنه يجب أن لا نقيس مدرساً سعودياً مبتدئاً بآخر أجنبي قديم، فلا بد ان يكون هناك فرق بينهما، موضحاً أن المعلم السعودي لن يقل كفاءة عن نظيره الأجنبي إن تم احترامه وإعطاؤه المميزات المناسبة، مضيفاً: "لنا أن نقيس ذلك على الطبيب السعودي، حيث يثق الناس الآن به أكثر من الأجنبي"، مُشدداً على أنه من المهم أن تكون لدينا مرونة في استقدام المعلمين للمدارس الأهلية، لنساعدهم على أداء الرسالة التعليمية، ناصحاً بأهمية الاهتمام بالمعلم السعودي في مختلف الجوانب، وضرورة إخضاعه إلى دورات مستمرة، خاصةً التربوية منها، إضافةً إلى ذلك من الضروري زيادة رواتبهم بشكل مستمر، حتى يتسابق المعلم السعودي للدخول في المدارس الأهلية. الآباء شركاء وأوضح "محمد التركي" -موظف- أن بعض المدارس الأهلية ليس فيها انضباط، وهدفها النهائي ليس التعليم بقدر الأرباح نهاية العام، مضيفاً أن همهم الأكبر هو استقطاب أكبر عدد من الطلاب، ففي السابق كان طالب المدرسة الأهلية يعني طالبا مجتهدا ومثاليا في كل أمور حياته، أما الآن فانقلبت المعادلة، إذ أصبحنا نشهد أن الطالب غير المجتهد وغير المثالي يتوجه به إلى المدرسة الأهلية حتى يحصل على الشهادة، إذ يتم قبوله طالما أنه سيدفع الثمن، ولا معايير تمنع من دراسته في المدرسة الأهلية، مبيناً أنه بات الكل يعرف كيفية نجاح طالب فاشل في المدارس الحكومية، والتي تتم عن طريق "الدف"، مشيراً إلى أن لذلك أسبابا عدة، منها التركيز على الجانب المادي لأصحاب المدارس أكثر من الجانب النوعي والمثالي لهؤلاء، كما أن بعض الآباء شركاء في هذه الكارثة التعليمية؛ كونهم موقنون بنجاح أبنائهم سواء بالاجتهاد أو بدونه. وعن الحلول قال: لابد من تطبيق الضوابط والقوانين الصارمة التي تفرض على كل مدرسة العمل وفق المنهج التربوي، كما يجب عدم التهاون مع أي مدرسة أو مدرس يثبت أنه متهاون مع الطلاب، ذاكراً أن الجهة المشرفة على المدارس الأهلية هي التي لها الحق في الضغط على المدرسة الأهلية. عقبات كبيرة وأكد "د.تيسير الخنيزي" -مستثمر بقطاع التعليم الأهلي- على أن هناك مؤشرات إيجابية بعد تولي وزير التربية والتعليم صاحب السمو الملكي خالد الفيصل مهام عمله، وأنهم كمستثمرين شاهدوها بأنفسهم، إذ كانت اتجاهاته مشهودة، فقبل توليه لم يكن يسمح بالتعليم الأجنبي، وحالياً الأمر مسموح للسعوديين ضمن شروط وضوابط، مضيفاً أن هذه الخطوة من أهم الخطوات الموازية للتعليم الأهلي في المملكة، مبيناً أن هناك عقبات كبيرة حالياً تعترض التعليم الأهلي، تتمثل في تضخم الأسعار العقارية، فالأرض التي كانت مليونين قبل نحو سبعة أعوام أصبحت الآن بنحو (20) مليوناً، ذاكراً أن المباني والأراضي مرتفعة جداًّ، ومشكلة التعليم الأهلي أنه يتطلب استثماراً كبيراً، علماً أن الأراضي مكلفة، ف(10) آلاف متر مربع تكلف نحو (20) مليون ريال، وهو عائق ليس بالبسيط، فوقت استردادها سيكون طويل جداًّ، متسائلاً: كم ستستغرق من الوقت حتى تعيد رأس المال، فتدخل في الأرباح. تميز الخدمات وأشار "د.الخنيزي" إلى أن الأمر الإيجابي هو أنه يمكن الحصول على قرض من وزارة المالية، بيد أن ذلك يأخذ وقتاً، لافتاً إلى أن التعليم الأهلي يتطلب تميزا في الخدمات التعليمية، مثل الملاعب وغيرها في البنية التحتية في المدرسة، وكذلك التطوير المستمر، ويوجد فيه برامج دولية حالياً تُعد ضمن المعايير، مؤكداً على أن زيادة الرواتب إيجابية، مضيفاً أن برنامج المواد البشرية مشجع جداًّ للمواطنين، حيث إن لديهم في المدرسة الأهلية (100%) سعوديات، وكذلك (100%) سعوديون كنسبة تغطية في المدرسة الأهلية، ذاكراً أن المدرسة الأهلية ملزمة بتدريب كوادرها وتوجيههم، مُشدداً على أهمية وجود إدارات مهنية، فالمهنية تجعلك تستخدمها بعيداً عن المحسوبيات، لافتاً إلى أنه يوجد طاقات سعودية كبيرة في مجال التدريس الأهلي، وجاء قرار الموارد البشرية ليدعم السعودة التي طبقت في الجانب النسائي إلى حد كبير. جسر عبور وشدّد "ماجد القناص" -مختص بالتعليم الأهلي- على أن دعم صندوق الموارد البشرية للمعلمين في المدارس الأهلية أمر إيجابي، مضيفاً أن المعلم السعودي يرغب في المدارس الأهلي لكنه لا يزال التفكير الخاص به هو جسر عبور لا غير، مبيناً أنه من الناحية المادية جيدة وتقارب المدرسة الحكومية حالياً، خاصةً أن بعض المدارس الأهلية تمنح التأمين الطبي وغيره من الميزات الوظيفية المهمة للموظف. وعن كفاءة المعلم السعودي قال: لا نستطيع إطلاق الأمر على العموم، فالمعلم الأجنبي تقدم ولديه خبرة كبيرة، والسعودي تقدم من دون خبرة، ومن لديه خبرة بالتأكيد عمل في القطاع الحكومي، وهو لن يأتيك ليعمل معك في المدرسة الأهلية، ذاكراً أن المعلم السعودي يفتقد إلى الخبرة، بيد أنه لديه حب للعطاء، ومن هنا يمكن تشكيله وصقله وتدريبه أثناء العمل، مشيراً إلى أن المعلم الأجنبي قدم لهدف معين، ويمكن ينجح مع الطالب عبر التنازل عن أشياء كثيرة ليحبه الطالب، بيد أن المعلم السعودي يؤدي العمل كما يعرفه، وقد لا يصبر على العمل، ولو صبر لنحو أربعة أعوام لأصبح معلماً ممتازاً. مشرف مُقيم وأوضح "القناص" أن المعلم السعودي يعمل في المدرسة الأهلية وعينه على رقمه في وزارة الخدمة المدنية، مضيفاً أن هناك أسبابا تجعله يرغب ترك المدرسة الأهلية، منها قلة القيود، ففي التعليمي الحكومي يدرك المعلم أنه يمكنه الخروج والدخول وقت العمل، أما في المدرسة الأهلية فيلتزم بدوام كامل من السابعة صباحاً حتى الثانية ظهراً، وكذلك وجود تحضير يومي، وفي بعض المدارس الأهلية يوجد مشرف مُقيم يدخل الفصل كل أسبوعين، ويوجد ولي أمر يستطيع أن يتحدث بحقوق الطالب لأنه يدفع المال، مؤكداً على أن المدارس الحكومية لا يوجد بها ذلك، إذ يمكن استخدام التحضير لخمسة أعوام، والمشرف قد لا يدخل على المعلم سوى مرتين في العام. وعن الفرق بين التعليم الأهلي والحكومي، قال: هناك أمور تجعل الطالب في المدرسة الأهلية يتفوق على الطالب في المدرسة الحكومية، منها الأهل الذين يتابعون ابنهم حيث سيتم زيارته ومساءلته، كذلك الإفادة من المعلم، فالفصل لا يزيد عن (20) طالباً، والمواد مثل الإنجليزي يأخذها الطالب من الإبتدائي ستا أو ثماني حصص في الأسبوع. تشتيت المعلم وقال"جاسم المشرف" -معلم لغة عربية في مدرسة حكومية-: إن مخرجات المدارس الأهلية في منهج اللغة العربية غير جيد، مضيفاً: "أجد ضعفاً في مخرجات التعليم في اللغة العربية، لضعف المقررات من جهة، ولافتقار المعلم غالباً للمهارات المساندة من جهة أخرى"، مبيناً أن هناك متطلبات في المدرسة الأهلية تشتت المعلم، إذ لا تتناسب وقدرته على الإبداع وأداء مهامه، ذاكراً أن الجميع متفق على النهوض بالعملية التعليمية، بيد أن ذلك يسبقه نهوض إداري وإصلاحات جذرية، وإعداد كفاءات وتجهيزات تتناسب والطموح بعيداً عن التلقين. وشدّد "محمد الحمود" -مبتعث- والذي درس في مدارس أهلية منذ الصف الأول الابتدائي حتى الثالث ثانوي على أن الإفادة من التعليم الأهلي بالنسبة للطالب يكمن في أمرين؛ الأسرة والبيئة المدرسية المثالية، مضيفاً أنه تمكن من إجادة اللغة الإنجليزية منذ الابتدائي؛ لأنه تعلمها في مدرسة أهلية، حيث لم يُعان كثيراً في دراسته حالياً في أمريكا، لافتاً إلى أن بعض المعلمين في اللغة الإنجليزية لم يكونوا من ذوي الجنسية العربية، وكل شيء كان باللغة الإنجليزية وهو ما لا يتوفر في التعليم الحكومي. المدارس الأهلية توفر بيئة تعليمية إيجابية للطلاب لكنها لا تهتم بالمعلم السعودي د.تيسير الخنيزي محمد الحمود محمد التركي جاسم المشرف