كلمة حقوق المرأة ظلت ولردح طويل من الزمن مشبوهة في مرابعنا، وترفع دونها وحولها الشكوك والشبهات، وتربط بدعاوى التغريب والأجندات الخارجية، مع رفض تام بأن هناك مصطلح (حقوق للمرأة) على اعتبار أنها قد نالت تمام حقوقها، وذلك وفق الخطاب التقليدي الذي كنا يردد في المناهج وعلى المنابر وفي وسائل الإعلام بأن الإسلام أعطى للمرأة كامل حقوقها دون أن يراجع ذلك الخطاب نفسه حول تطبيقاته العملية والواقعية للنصوص الشرعية الخاصة بالمرأة، والتي كانت في غالبيتها تعكس مقاربات وتفاسير ذكورية متزمتة وإقصائية ضدها. وكانت هناك ترسانة مدججة تتربص بكل من يحاول تحريك ملف المرأة من الدرج المهمل، وقوائم من التهم تبدأ بالتخوين والأجندة التخريبية وتنتهي بأعداد اللقطاء في بلاد الغرب نتيجة لتحرر المرأة. حتى إذا انتقلنا للواقع وجدنا أن المحاكم والبيوت تضج بقضايا العنف الأسري والعضل وهضم حق الحضانة والنفقة والأوراق الثبويتة، إضافة إلى الاستغلال المهني والحجب عن الكثير من الوظائف، واختطاف الامتيازات الوظيفية، لتبقى في الكواليس عاجزة عن المطالبة مكتفية بأدوار السكرتاريا التنفيذية. وأمام هذا الطوق المكهرب الذي ضرب على النساء وأعاق لسنوات طوال مشاركتهن في المسيرة التنموية اختار البعض أن يحتال ويلطف الموضوع بالكليشة الشهيرة التي اعتدنا أن تلي كل مايتعلق بالمرأة (بحسب الشرعية الإسلامية) وكأن هناك اتفاق ضمني يخبر أن أي حق للنساء هو مثير للشبهات والشكوك وضد الشريعة. ولعل هذا الحصار أخر بشكل كبير بث وعي واضح للمرأة حول حقوقها المهضومة نتيجة لعرف صحراوي صعب ضدها، مع خطاب صحوي متشنج كرس إقصاءها وإبعادها عن الحياة العامة لسنوات طوال وثمينة من عمر التنمية. وبقيت الجمعيات النسوية لدينا تعمل على المستوى الآمن الخيري والتدريبي، دون أن تتبنى خطابا توعويا يتولى تمكينهن على مستوى الوعي بالحقوق الشرعية والإدارية، وشق قنوات تواصل بينهن وبين صانعي القرار. ولاندري في النهاية كيف حُصرت نضالات المرأة لدينا وبشكل خبيث وماكر في.. قيادة المرأة للسيارة، حيث تبدى للمجتمع أن المطالبات بحقوق النساء فقط مجرد طائشات مترفات يردن أن يقدن سياراتهن الفارهة، ويتخبطن في أهوائهن بين أرجاء المدينة. بينما كان هناك طوال الوقت استغلال منظم للمنبر الديني بهدف تكثيف قناعات شعبية مضادة لأي تحرك من الجهات الرسمية في مجالات تمكين النساء، كإشراكهن في مواطن صناعة القرار، أو مجلس الشورى، أو المجالس البلدية، بل أخذت هذا التحرك كمدخل للمزايدات السياسية ضد المؤسسة الرسمية. وسط هذا الشد والجذب الذي أخذ سنوات من عمر التنمية، تم إجهاض الكثير من المشاريع النهضوية المتعلقة بالنساء، وأدخلن في متاهة خطاب متشدد يحول بينهن وبين ذواتهن عبر فتاوى تتعلق بهيئتهن الخارجية وأرديتهن، مستهدفا فطرية مشاعرهن الدينية ليدرجهن في حالة من التشويش والذنب الدائمين، بحيث تبقى مقصاة عن تلمس حقوقها الشرعية، وحقوقها كمواطنة، وحقها في الاستقلالية الاقتصادية، بل حقها في الحياة.. (فالعمليات الجراحية لاتتم إلا بموافقة ولي الأمر). المفارقة الآن أننا بتنا ندهش بالسنوات الأخيرة، أن نفس تلك الكتيبة التي كانت المعطل الأول للمرأة قد انقلبت على عقبيها.. ذلك لأن متطلبات المرحلة السياسية الحركية حتمت تحركهن الميداني، لاسيما بعد وصول تنظيم الإخوان إلى الحكم في مصر. فنشطت لديهن الدورات وورش العمل الموجهة للمرأة ولقطاع الفتيات في الجامعات، بعد أن كانت أنشطتهن غامضة في السابق كنشاط (جماعة سرية غنوصية) ولكن الآن اختلف الأمر (هذا شأن المنظمات الحركية التي تخضع لأجندات لها سمات القداسة) وبتنا نسمع أيضا عن مؤتمرات محلية وخارجية في أسطنبول، مع دعوة بعض عضوات حزب الحرية والعدالة للمحاضرة لدينا. أنا هنا لا أستقوي بالسلطة ولا أستعديها على أحد، فلهم الحق في تبني الفكر الذي يشاءون، وبث الوعي الذي يرغبون لاتباعهم ومريديهم، شرط عدم المقامرة بالوحدة الوطنية، وأيضا القبول والتعايش مع الذي لايخضع لأجندتهم.. لا السعي إلى تصفيته وحصاره بتهم التخوين والعلمنة. السؤال الآن.. من أعطى لتلك الجماعات الحركية المؤدلجة الضوء الأخضر لتنظيم دورات وورش عمل بصورة متصلة تستهدف الشابات؟ من أعطاهم الحق باستدعاء عضوات تنظيم الإخوان لإلقاء محاضرات بين ظهرانينا ؟ مع مباركة ودعم من الرموز الصحوية المألوفة؟ اليوم تكشفت الكثير من الأمور وبات المجتمع يمتلك القدرة على تكوين رأي مستقل عن سلطتهم.. لكن السؤال من الذي يشعل لهم الضوء الأخضر دوماً؟