يبدو بأن التوافق الدّولي والإقليمي حول تحييد لبنان وتحصينه سياسيا لم تنتقل عدواه الى الداخل الذي ازداد انقساما. فبعد دخول الفراغ الحكومي شهره ال11 ثبت في لبنان أن التعطيل الدّاخلي أقوى من الضوء الأخضر الخارجي. هكذا تعطلت حركة المشاورات حول الحكومة كليا لأسباب غير مفهومة في حين يبقى الرئيس المكلّف تمام سلام متفائلا من غير إسناد لتفاؤله، بينما رئيس الجمهورية ميشال سليمان يبشر قائلا إن "البلد أهمّ من حقيبة". والواقع أن اعتكاف رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع عن الجلوس في حكومة تضم "حزب الله" وتشبث العماد ميشال عون وتياره السياسي بحقيبة الطاقة التي "سترسم مستقبل لبنان الاقتصادي على مدى ال25 سنة القادمة" ليسا هنا السببين الرئيسيين للتعطيل ولا حتى حجّة ضرورة قيام حكومة "ميثاقية". فالمراوحة تكمن في مكان آخر في عقل كلّ فريق، ويبدو بأنّ الحماسة التي أبداها فريق 8 آذار للتشكيل فترت فجأة، من هنا دعمه المطلق للعماد ميشال عون في مطالبته بحقيبة الطاقة، دعم يطرح مراقبون تساؤلات حوله: فهل هو محبّة بميشال عون؟ هل هو تشبث به كغطاء مسيحي لحركة "حزب الله"؟ أم هو رفض لتولي تياره لحقبة الطاقة والغاز عبر التعطيل غير المباشر لتأليف الحكومة وعبر عون نفسه؟! من جهته، عاد "تيار المستقبل" لمهاجمة "حزب الله" وحلفائه علانيّة، وأمس أكد النائب جان أوغاسابيان: "أنّ "تمسك العماد ميشال عون بحقيبة الطاقة ليس إلا حجة لعرقلة حكومة يقف خلفها حزب الله". وقال: "الشروط العونية كانت بسبب عدم رغبة "حزب الله" بتشكيل حكومة جامعة في هذه المرحلة ولا داعي لاستمرار الوضع في لبنان على هذه الحالة". أضاف: "لو كان هناك قرار ايراني بتشكيل الحكومة، لكانت شكلت، فإيران أوعزت الى "حزب الله" تجميد الوضع في لبنان، ولا قرار ايراني بالافراج عن الحكومة". وإذ نفى ان "تكون حقيبة الداخلية عقبة امام التشكيل الحكومة". طالب رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف "بالاعلان عن الحكومة الحيادية تجنبا للفراغ". من جهته قال عضو "كتلة المستقبل" النائب محمد الحجار "إن العقبات امام تشكيل الحكومة لا تزال عينها، والدوران في حلقة مفرغة مستمر"، مذكرا بأن "حزب الله كعادته تراجع عن التزامات وتعهدات نقلت إلينا عبر الرئيس نبيه بري، خصوصا في موضوع المداورة". ورأى أن "حزب الله افتعل عقدا وشروطا جديدة عنوانها الحقائب الأمنية، واستعاد لغة التهديد اذا أقدم الرئيسان ميشال سليمان وتمام سلام على تأليف الحكومة، دافعا رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون الى الواجهة، والحجة دائما جاهزة، اما الميثاقية، او التهميش اوالاقصاء للمسيحيين". وقال : "هناك رغبة ايرانية بعرقلة مساعي تشكيل حكومة جديدة في لبنان بعدما أوحت هذه القيادة بتسهيلها بالشهر المنصرم، ربطا باستراتيجيتها بالمنطقة وبظروف انعقاد "جنيف 2"، وبعد أن سحبت دعوة إيران الى "جنيف 2"، استدعى كل ما نراه من تعقيد وعرقلة ورهن للساحة اللبنانية والسورية والعراقية والايرانية لتتغير هذه الظروف والشروط، هذا هو واقع الحال". وأوضح أنه "على الرغم من كل التسهيلات التي قدمناها ونقدمها للوصول الى حل في موضوع التشكيل نرى أن هناك فريقاً في البلد لا يقيم وزناً لكل آلام ومعاناة اللبنانيين، وهمّه كيف يرضي من يوجهه في الخارج، وكيف يربط الساحة اللبنانية بالاستراتيجيات الخارجية"، مشددا على أن "المشاورات الحكومية يجب أن لا تنقطع في أي لحظة من اللحظات". ودعا الى "تأليف حكومة بالشكل الذي يراه الرئيسان سليمان وسلام، لأنه من غير الجائز ان يبقى البلد مرهونا للمشروع والاستراتيجية الايرانية في المنطقة العربية"، معتبرا أنه "يجب أن يكون هناك حكومة حيادية تستطيع أن تلتفت الى حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والحياتية التي يرزح المواطن اللبناني تحت وطأتها".