صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- في هذا الوقت بشأن معاقبة كل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت، أو انتمى لتيارات أو لجماعات دينية أو فكرية متطرفة يمثّل "طوق نجاة" لمن أراد أن يرتدع عن مثل هذه الأعمال ويرجع عنها، كما أنّه إنذار لكل من تسول له نفسه العبث والتغرير بشباب الوطن، والزج بهم في أتون الحروب والجبهات المتصارعة والمتناحرة خارج الوطن، غير عابئين بما يترتب على ذلك من مشاكل جسيمة تنعكس على الشباب وأسرهم وعلى أمن الوطن وسمعته. لا تؤجر عقلك إلى جماعات وأحزاب وحاقدين على البلاد من الداخل والخارج لقد كانت المنابر والحناجر الصادحة والهامسة لاستنفار حماس الشباب والمراهقين لخوض المواجهات القتالية تمثل هجمة صارخة، واعتداء على الولاية التي اُختص بها ولي أمر هذه البلاد وعلمائه، ومن هنا كان لزاماً وواجباً أن تتوقف تلك التجاوزات من هؤلاء المحرضين، والمتاجرين، والمسترزقين، بدماء شباب هذا الوطن، وكشفت التجارب السابقة في العراق وقبلها أفغانستان أنها كانت حروب نفوذ وحروب صراعات وتصفية حسابات بين الأفكار والأيديولوجيات والعقائد السياسية عند المتناحرين، وذهب ضحيتها الكثير من أبناء الوطن، وهذه التجربة المريرة وبما فيها من قسوة على شبابنا يجب أن لا تتكرر اليوم بأي شكل من الأشكال، وينبغي أن يتم النظر إلى أمر خادم الحرمين بشأن وقف هذه المغامرات والمحرضين عليها بنظرة الجدية والاحترام. قرار صائب وقال "د. يوسف الرميح" -أستاذ علم الجريمة والإرهاب بجامعة القصيم-: "لا شك أنّ صدور الأمر الملكي لردع العابثين بالنظام والأمن والاستقرار وبسمعة المملكة قد جاء في وقته، وكُنا بالفعل ننتظر مثل القرار لحماية الشباب من أي فكر متشدد يدفع بهم إلي جبهات القتال، وللأسف الشديد عندما يطلب بعض هؤلاء المحرضين من الشباب أن يذهبوا إلى جبهات القتال والحروب فهم لا يبالون بمشاعر ذويهم، فقد كان من الأولى أن يبدأ بنفسه وأولاده قبل الآخرين؛ ليعرف المرارة والكدر والحزن الذي يصيب الأهالي عند هروب أولادهم لجبهات القتال"، موضحاً أنّه لا شك أنّ دخول الشباب لجبهات القتال ينشأ عنه وجود فكرة سيئة تجاهنا كشعب سعودي، ليجعلنا في صورة أننا دمويون ونفرح بالمعارك للهروب إليها، وأيضاً نزيد من استعارها في مختلف بقاع الأرض؛ مما يخلق سمعة سيئة لبلادنا. دعاة محرضين وبيّن "د. الرميح" أنّ تصرف المحرضين للزج بالشباب في أتون الحروب والمعارك يجعل أسر الشباب تبكي ابنها، وهو كل يوم في جبهة بلا رادع ولا رقيب، وهذا العمل يؤسس لكثير من المشكلات، منها: مشاكل نفسية للشاب حينما يعود لمجتمعه، حيث يعود بنفسية قلقة متوترة دموية، بعيدة عن المجتمع وثقافته السمحة الهادئة المسالمة، أما إن وقع الابن في شراك الخطف من قبل المنظمات الإرهابية فإنه يحمّل أسرته ما لا تحتمل من دفع فدية كبيرة، مؤكّداً على أنّ الإشكالات التي تواجه الأسرة هي نتيجة حتمية تحصل بسبب طيش الشباب وحب المغامرة غير محسوبة العواقب. وأضاف: "ذلك كله يرجع لبعض الدعاة الذين يؤلبون ويؤججون الشباب ويثيرونهم للذهاب للجبهات والحروب، فنحن بالفعل أمام معضلة اجتماعية، نفسية، اقتصادية، وسياسية؛ بسبب ذهاب عدد من أبنائنا للجبهات المختلفة، مع أنّه كان من الأولى لمن يرغب في طاعة الله سبحانه وتعالى أن يطيع والديه وولاة أمره ولا يخرج عن طاعتهم مطلقاً"، لافتاً إلى أنّه لا خير في عمل بالخفاء والسرية؛ لأنّ الشر ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس، ولو كان خيراً لعرفه وأمر به ولي الأمر. د. يوسف الرميح القدوة الحسنة ولفت "د. الرميح" إلى أنّه حينما يتم استعراض حياة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم القدوة الحسنة، فإننا لا نجد في السيرة النبوية أنّ أحداً منهم ذهب إلى قتال أو إلى أي أمر مشابه من دون إذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مؤكّداً على أنّ ولي أمرنا -حفظه الله- لم يصدر هذا القرار إلاّ عندما علم وسمع بمآسي تلك الأسر المكلومة في أبنائها الذين زُج بهم في حروب شتى، مضيفاً: "آن الأوان لكي نقف يد واحدة ونبارك لولي أمرنا القرار، وأن نسمع ونطيع كما أمرنا ديننا"، داعياً إلى تفعيل القرار ونشره وتبريره في المساجد، وخطب الجمعة، والمدارس، والكليات، والجامعات، والأندية، وحلق تحفيظ القرآن، وجميع التجمعات الشبابية؛ لنخلق من القرار فعلياً أمراً حياً وثقافة مجتمع تلتزم بالسمع والطاعة لولي الأمر. رقابة ومتابعة وشدد "د. الرميح" على أنّه أمام هذا الواقع المؤلم والتجاوز للزج بشباب هذا الوطن؛ فإنّه أصبح من الواجب أن يكون هناك رقابة على كل معلم، وأستاذ، ومدرب، وإمام مسجد، حتى وإن دعا بطرق غير مباشرة إلى التغرير بالشباب، وأن يحاسب بناءً على هذا القرار، كل ذلك من أجل حماية وصيانة أمن المجتمع، حيث أنّ أرواح ودماء شبابنا غالية وليست رخيصة لكي يتلاعب بها أهل الأفكار والأطماع والتوجهات المشبوهة والمندفعين. وأضاف أنّ مآسي الحروب والجبهات التي ذهب إليها أبنائنا في الماضي؛ كشفت لاحقاً أنّهم كانوا ضمن لعبة كبيرة تلعب بها قوى ومصالح عظمى وأحزاب لا تريد خيراً لهذه البلاد وأهلها، ولذا فمن الأجدر أن نتعلم من دروس الماضي ولا نكرر نفس الخطأ، مؤكّداً على أهمية دور الأسرة، حيث أنّها الحصن الأول والركيزة الأولى لهذا الشاب في الرقابة عليه، وعدم دفعه إلى الموت، بل عليها تشجيعه على السمع والطاعة لولي الأمر، وحب هذه البلاد والبعد عن ثقافة العنف، ويجب أن يحاسب كل أب ثبت تساهله أو تشجيعه لابنه للذهاب إلى تلك الجبهات والحروب. صيد ثمين وأوضح "الرميح" أنّ أبناءنا عند وصولهم للجبهات يحضون باستقبال حافل يتم بعده غسيل فكره بطريقة ذكية وممنهجة للدخول في إحدى الجبهات؛ لكي يكون طعماً وصيداً ثميناً لهم لاستغلاله، وفي أحيان كثيرة نجد أبناءنا يقاتلون في صفوف جبهات متصارعة ايديوليجياً، وكل واحده يرى أنّه على حق؛ لأنّه استقطب من تلك الجماعة أو تمت أدلجته وغسيل عقله، وإقناعه بالجبهة، فأصبح أولادنا هم حطب الحروب التي تستعر من أجل تصفية حسابات بين الجبهات والجماعات المتصارعة، ثم يجد الشاب نفسه ومن دون شعور منه أنّه قد جند للإرهاب، كما تم تجنيد الكثيرين من شبابنا في أفغانستان. إبراهيم الغنام محاسبة المغررين وقال "إبراهيم الغنام" -من منسوبي تعليم القصيم-: "يجب أن نعلم أنّ كثيراً من الشباب الذين يذهبون إلى الخارج من أجل القتال هم من صغار السن في الغالب، وهؤلاء إما يذهبون بسبب الحماس الزائد غير المنضبط بقواعد الشرع وإما بسبب بعض الكلمات الحماسية التي تصدر من أشخاص غير ثقات، فيحرضون الشباب ويحمسونهم على القتال والذهاب إلى مواطن الفتن"، لافتاً إلى أنّه من غير المنطق والمعقول أن نحاسب الشباب الصغار ونترك المحرضين، فمن المؤكّد أنّهم مخطؤون وأنّ حماسهم قادهم إلى أمور لم يحسبوا لها حساباً، ولكن يجب أن نقف بكل حزم وقوة لردع الذين حرضوا الشباب وأغروهم بالخروج، ثم دفعوهم إلى أماكن مليئة بالشبه والأفكار الهدامة التي أثرت على فكر الشباب الذين خرجوا، وهذا الأمر معلوم للجميع بعد اعتراف بعض العائدين، حيث أنّهم نقلوا لنا بعض الصور والآراء الفكرية التي تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وأعلنوا توبتهم ورجوعهم عن الأفكار الهدامة. وأضاف: "نقولها وبصوت عال جزاك الله خيراً يا خادم الحرمين على ما أصدرت من أوامر لحماية شبابنا وأبنائنا من الأشخاص الذين أفسدوا عقول الشباب، وغرروا بهم، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك، وسر يا خادم الحرمين على الدرب وجميع أبناء الوطن المخلصين معك قلباً وقالباً، بل ويثنون على القرارات التي سوف يجني وطننا الغالي ثمارها في القريب العاجل، وسوف تحصن أبنائنا من كل فكر متطرف وعابث بأمن هذه البلاد". لم نستغل منبر الجمعة لمحاربة الأفكار المتطرفة في المجتمع قرار الحسم ونوّه "الغنام" بأنّ القرار التاريخي يجب أن يتم تفعيله وتوعية الناس به، عبر خطب الجمعة، وعقد الندوات، والمحاضرات، في جميع أنحاء المملكة؛ لبيان مزايا القرار، وكشف المخاطر التي سوف يحد منها، والتي تكون جدار حصيناً في وجه كل من أراد أن يعبث بفكر أبنائنا وعقيدة أهل السنة والجماعة التي نشأنا عليها، مضيفاً: "مما لا شك فيه أنّ مثل هذا القرار سوف يكون صدمة، بل هو لطمة في وجوه كثير من الذين يزجون باسم المملكة في كل مناسبة وغير مناسبة؛ أنّها تتساهل أو تدعم الجماعات المتطرفة، ونقول لهم إننا أول من عانى من الإرهاب، واكتوى بناره، ثم إننا أول من عمل على محاربته، فولاة الأمر وضعوا عدداً من البرامج لحماية أبناء الوطن من أن ينزلقوا مع الأفكار الهدامة، ونصحوا ودعوا الشباب بكل لطف وحنان". وأشار إلى أنّ القيادة لما رأت أن الأمر زاد عن حده وظن البعض أنّهم فوق الأنظمة؛ صدرت هذه القرارات الحاسمة لتكون رادعة لهم ولغيرهم، ولتكون قاطعة لأيدي جميع العابثين بأمن وطننا الغالي، والمتاجرين بأرواح شبابنا، فهذه هي الحكمة أن تعمل وتدرأ الشرور والمخاطر بكل روية وتأني، فإذا لم يفد ذلك أتى دور الأخذ بالقوة على يد كل عابث؛ لكي لا يتمادى في غيه وجهله وعبثه. نصيحة للشباب ونصح "الغنام" الشاب بأنّ يعلم أنّه إن فعل أي أمر محذور فإن وسائل الإعلام تتناقل الخبر، وتضعه بالخط العريض، وتقول: "شاب سعودي فعل كذا وكذا"، مضيفاً: "أنتم أيها الشباب بأفعالكم تجرون البلاد وسمعتها وأبناء الوطن إلى أمور لا تحمد عقباها، فالإعلام لا ينقل أنّ شخصاً بعينه فعل شيئاً، بل يقول: شاب سعودي، فاتقوا الله في أوطانكم وأهليكم وإخوانكم من أبناء الوطن، فلا تجرونا إلى أمور قد تسبب لنا الكثير من المشاكل"، مطالباً الشباب بأن لا يعيروا عقولهم إلى أناس غير معروفي الاسم والانتماء والهدف والعقيدة والهوية، والتمسك بآراء العلماء الكبار، وفتاواهم، ونصائحهم، ولا يخرجوا عنها، فإن فيها كفاية وبركة، منوهاً بأنّ المسلمين من جميع أنحاء العالم يتصلون بهم ويأخذون آرائهم ويقفون عند فتاويهم. الوسطية أفضل حل للغلو بين الطرفين