ما زال هناك من يقف حجر عثرة أمام مشاريع التطوير والتنمية، يكفرون كل من يخطو خطوة للأمام، نتيجة خوفهم من التطوير وافتراضهم للأسوأ وعدم تقبلهم لإيجابيات التغيير، ما يؤخر المشاريع التنموية ويؤجلها لحين تقبلها بمعناها الصحيح بعد أن نكون قد تأخرنا في تطبيقها، ولا سيما في كل ما يخص عمل المرأة أو التوسع في رقعة توظيفها، ما يجعل المسؤول المعني وأسرته ومن يحيط به في محط هجوم مستمر وفي مواجهة دائمة مع الخطاب التكفيري والمشكك في العقيدة والدين والوطنية، الأمر الذي قد يدفع المسؤول إلى تأجيل المشروع أو التراخي فيه. "الرياض" تبحث مع اختصاصيين شرعيين ومثقفين وفي علم الاجتماع، أسباب هذا الهجوم وما يجب على المسؤول لمواجهة خطاب التكفير. د. سامي الماجد: الشريعة ليست هي محرك الحياة ولكنها ضابطة لها طبيعة بشرية بداية رأى أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور سامي الماجد أن الحذر والارتياب من كل جديد الذي قد يصل أحيانا إلى محاربته والتحذير منه ليس خصوصية سعودية أو إسلامية، ففي الدول المتقدمة كانت شرائح من مجتمعاتها في أول زمن الثورة الصناعية في اوروبا لا يبعد موقفها عن ذلك التوجس، ثم كان الزمان كفيلاً بإذابة الجليد، وصار الناس يتلهفون لكل جديد، كما أنه ليس المقصود تسويغ موقف من يحارب الجديد ويحذر منه، بل تفسيره وتفهمه بما يعين على ترويضه وإقناعه أن الشر لا يتربص بك خلف كل تطوير أو جديد خارج مألوفك. المحمود: من أخطر الأمور التجاوب مع اعتراضات المتطرفين التكفيريين وزاد أن مما يفاقم المشكلة أن نواجه ذلك الموقف بتشنج واستفزاز مماثل أو أشد، أو بمغالاة في تقدير موقف لمسؤول رافض التطوير والتجديد ربما تكون في بعض الأحيان موهومة، فمثلاً لا أظن الأمر وصل برموز هذه الشريحة الممانعة إلى تكفير من يسعى للتطوير أو التجديد، وقد تكون المشكلة انهم يتداولون مصطلحات شرعية يظنها الناس تكفيراً للأشخاص وليس الأمر كذلك. فيجب أن لا نلتفت لما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء مستعارة بكلام يحسب على طيف ربما هو يتصنعه وليس منه، أي محاولة تشويه، مضيفا أن كل مجالات الحياة تخضع لضوابط وكليات شرعية عامة تنحو منحى العدل وإعطاء الحقوق وحفظها وصيانة الفضيلة. د.الرديعان: لا جدوى من تراخي مسؤول التطوير وتقاعسه عن التطوير الشريعة ضابطة للحياة وأكد د. الماجد أن الشريعة ليست هي المحرك للحياة وراسمة خطتها بتفصيلاتها وأحوالها؛ ولكنها ضابط للحياة ؛ كالإرشادات المرورية على جنبات الطريق، ولو كانت الشريعة في معاملات الناس وتنظيم حياتهم كما هي في شأن العبادات التوقيفية التي لا يجوز للناس أن يزيدوا فيها أو ينقصوا منها أو يجتهدوا في تجديد هيئتها؛ إذن لجمدت الحياة على نمط تقليدي لا يدخله التغيير، ولو كانت الشريعة كذلك لكانت أشد شيء حرباً على التجديد والتطوير، وحاشاها. الدكتور خالد الرديعان وقال: ليس مطلوباً من المسلم أن يبحث في الشريعة عن نمط حياته وتنظيماتها، إنما هو يختار ما يناسبه وهو اثناء ذلك يراعي ضوابط الشريعة العامة المحكمة، والاحكام التفصيلية المنصوصة لمعاملات معينة؛ لكنها محصورة معروفة؛ كتحريم الربا والزنا والسفور والخلوة .. إلخ. وحول الأذى الذي قد يطال المسؤول وقد يمتد إلى ذويهم زاد أن من أقذر الممارسات في ميادين الاختصام والاحتراب اقحام العرض باللمز والطعن والسخرية وألفاظ العنصرية، وهذه مشكلة عامة لن يجدي فيها الوعظ والإرشاد، بل لابد من تقنين عقوبات رادعة سريعة التنفيذ هي الكفيل بردع من يمارس ذلك. الدكتور سامي الماجد إذابة الجليد ورأى د. الماجد أنه حتى نخلق مجتمعًا قابلًا للتطوير يجب أن نتحلى بالصبر والحلم لتفهم طبيعة المجتمع وأن نكون على قدر في التدرج والوضوح أيضاً، ألسنا نشيد بالشريعة في تدرجها في تشريعاتها؟! لماذا لا نقتدي بها اذن؟! كثير من مستجدات الحياة ارتاب منها بعض المجتمع وحذروا منها وحاربوها، ثم كان الوقت كفيلاً بإذابة الجليد كما قلت، كانوا يحذرون من إعطاء المرأة الجوال لأنهم يرونه وسيلة لإفسادها، ثم الآن هم من يسارعون إلى تسديد جوالات نسائهم إذا قطعت عنها الخدمة! ومثل ذلك جوال الكاميرا... الخ. ومع ذلك أقول: إن بعض خطوات التطوير والتجديد جاوزت حدود الضوابط الشرعية التي لها الأدلة المستفيضة في القرآن والسنة، فلا بد من إخضاع برنامج التطوير والتجديد إلى المناقشة والمراجعة والمشورة، وبخاصة في قضايا تمس الأعراض في المجتمع، فلا يناسب فيها الأخذ بعسف وصرامة ومسارعة تفتقد الهدوء والأناة. ومن هنا تأتي أهمية إشراك المجتمع في تقنين وتنظيم هذه البرامج، ومن المغالاة في أهمية التجديد والمعاصرة أن ينظر للجديد على أنه سالم من كل علة، وأنه أفضل من القديم على أي نحو كان لمجرد أنه جديد وذاك قديم، وفي ظني أن هذا إفراط يدفع بالخصم إلى مزيد من المناكفة والمعاندة المتطرفون لا يقتنعون واعتقد المفكر والكاتب محمد المحمود أن ما يواجهه المسؤول من ممانعة قد تصل حد التكفير والقدح في العقيدة تصرفا لا يعمم بالإطلاق، لأنه من فئة محددة معروفة بتطرفها، أي هو بالتحديد من فئة ترى أنها الممثل الشرعي والوحيد للإسلام، وأنها المتحدث الرسمي بلسانه، ولها أجندتها الخاصة التي تختلف عن مسار هموم الوطن وأبنائه. ومهما حاول المسؤول التأكيد على أن العمليات التطويرية لن تمس تعاليم الدين الإسلامي فإن المتطرف لن يتوقف عن التكفير والقدح في العقيدة والتشكيك في المسار الأخلاقي، وذلك لسبب بسيط، وهو أن المتطرف له تفسيره الخاص، والخاص جدا، لتعاليم الإسلام. وهو تفسير يختلف عن تفسير الأغلبية الساحقة من المسلمين على امتداد العالم أجمع. ومن هنا فمهما حاول المسؤول التأكيد على سلامة مشاريعه من التجاوزات الدينية فلن يقتنع المتطرف أبدا؛ لأنه يريد أن تأتي كل الفعاليات على هواه، أي كما يتصور هو الإسلام، وليس كما يتصوره المسلمون، والذين هم أيضا في نظره لا يستحقون صفة: الإسلام؛ لأنهم لا يوافقونه على تطرفه وتزمته وانغلاقه. محمد المحمود تجاهل اعتراضات التكفيريين وقال: إن من أخطر الأمور هو التجاوب مع اعتراضات المتطرفين التكفيريين. فلا بد من التأكيد على أن الاستجابة للمتطرف، ومراعاة خواطر المتزمتين، ومحاولة استرضائهم بأي تنازل لا تقود إلى توافق من أي نوع، بل على العكس، تقود إلى وضعية يشعر فيها المتطرف بالقوة؛ فيمعن في محاولاته التعويقية، ويتمادى في فرض شروطه التعسفية التي إذا لم يقبل المجتمع بها، وهو لن يقبل حتما، فسيكون التكفير هو نصيب هذا المجتمع الذي لا يستجيب له. يجب أن نتذكر دائما أن التسامح مع التكفير يمنح التكفير مشروعية الرقابة على الجميع. عندما نتراخى في تنفيذ بعض المشاريع التقدمية مراعاة لخواطر المتطرفين فإننا نخسر المعركة على جبهتين: نخسر المشروع التطويري الذي تكمن فاعليته في توقيته، وبفوات التوقيت يفقد المشروع أهميته، ويتجاوزه الزمن، الزمن الذي هو ميدان الفعل التقدمي، كما نخسر على جبهة الصراع مع التكفير، إذ نمنحه القوة عندما نخضع لابتزازه، ونساعد على تنامي فعالياته التكفيرية، ونعطيه فرصة لتوسيع دائرة نفوذه. والحل في نظري يكمن في الشجاعة في اتخاذ القرار من قِبَل المسؤول أيا كان موقعه من المسؤولية، المسؤول يتخذ القرار الحاسم؛ مهما كان حجم الضجة التي سيحدثها المتطرفون جرّاء هذا القرار. وطبعا، في مثل هذه الحال سيغصب المتطرفون التكفيريون وسينشرون التهم الكبيرة، ولكن علينا أن نعتاد على مثل هذا التشنج الذي يصل حد الصراع، فكل الفعاليات الناجحة لها ثمنها. أيضا، إذا تعوّد المسؤول على سماع هذه التهم، ولم يلقِ لها بالا، فإن المجتمع أيضا سيتعود على سماعها ولن يلقي لها بالا. هنا تفقد هذه التهم كل أثر لها على أرض الواقع، فالناس بالتكرار يعرفون أن هؤلاء التكفيريين مجرد منغلقين مشاغبين لصالح أجندتهم الخاصة التي يجمعها تطلّعهم للهيمنة على المجتمع. نقطة ضعف وحول ما قد يطال أسرة المسؤول من أذى رأى المحمود أن الإنسان قد يتحمّل ما يقع عليه خاصة، أما أن يكون سببا في الإضرار بأسرته وأقاربه، فقد يكون الأمر صعبا. وبما أننا مجتمع مترابط عائليا وأسريا فإن هذه المسألة يأخذها كثير من المسؤولين في اعتبارهم، وربما كانت هي نقطة ضعفهم التي يدخل المتطرفون إليهم من خلالها. لكن علينا أن نتذكر أن المسؤول لم يحظ بهذه المسؤولية إلا على اعتبار أن لديه الشجاعة الكافية للاضطلاع بها. والمسؤول الذي يجد نفسه غير قادر على تحمل مسؤولية القرارات الصعبة، عليه أن يترجّل، ويترك كرسي المسؤولية لغيره ممن يستطيعون تحمّل المسؤولية. أما أن يكون مسؤولا وفي الوقت نفسه غير قادر على تحمّل مسؤولية قراراته فهذه خيانة قبل أن تكون ضعفا ومهانة. إن الأمر هنا لا يخص المسؤول المتردد المرتعش إزاء تُهم التكفيريين، لأن قراراته من موقع المسؤولية العامة لا تخصه ولا تخص أسرته، بل تخص عموم المواطنين المسؤولين منه في موقع اختصاصه. استجابة عمياء من جهة أخرى رأى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود الدكتور خالد الرديعان أنه من الطبيعي أن نجد في كل مجتمع ثلاث فئات فيما يخص الموقف من التجديد والتطوير. أقلية مستنيرة تسعى إلى التطوير ومواكبة العصر، وفئة محافظة ومنغلقة تقاوم كل جديد دون تمحيص، وهناك فئة ثالثة تشكل السواد الأعظم من أفراد المجتمع تتأثر بمن حولها... ومكمن المشكلة أن هذه الفئة الثالثة تستجيب في الغالب لفئة المحافظين؛ لأن المحافظين يستخدمون النصوص الدينية التي يقومون بليها وتطويعها لتوافق آرائهم، ومن أجل ذلك يقومون بتضليل الرأي العام لخلق "وعي زائف". وبالطبع فإنهم يقومون بذلك لأنهم وبسبب التطوير سيفتقدون بعض المكاسب والامتيازات التي اعتادوا عليها، واستشهد بمن قاوموا المطابع الحديثة عندما أستوردها محمد علي باشا لمصر في القرن الثامن عشر حيث اعتبروها شر وأوهموا العامة أنها من عمل الشيطان و"صناعة الكفار" بينما تقول الحقيقة إن دخول المطابع سوف يقضي على مهنتهم في نسخ وبيع الكتب. وقد تكرر الأمر عندنا في موضوع دخول بعض المنتجات التكنولوجية الحديثة وتعليم البنات وعمل المرأة في بعض القطاعات، خاصة وأن هناك من هو مستفيد من بقاء الوضع كما هو وانه في سبيل ذلك سيفعل كل ما بوسعه لمقاومة التغيير والتطوير حتى وان كان مفيدا. تجديد من الغرب وزاد الرديعان أن هناك توجسًا لدى البعض من كل جديد وهذه طبيعة بشرية، ولكن حالما تثبت جدوى الجديد وفائدته تتغير الصورة رأسا على عقب، ويجب أن لا ننسى أمرا في غاية الأهمية وهو أن اغلب التطوير والتجديد يأتي من الغرب والدول الغربية ومن ثم نسقط عليه كل السلبيات التي نسقطها على الغرب كالقول إن الغرب دول كافرة وان مجتمعاتهم منحلة وغير متدينة....الخ. هذه الصور النمطية نعيد إنتاجها وتكريسها بل وتوظيفها لمقاومة التغيير خاصة عندما يكون التغيير في قضايا حيوية تمس بنية المجتمع كقضية عمل المرأة وتعليمها وقيادتها للسيارة إلى غير ذلك من القضايا السجالية وقال: حتى نخلق مجتمعًا يقبل التطوير يجب تجديد الخطاب الديني والخروج من اللغة الخشبية التي لا تواكب العصر. كما يلزم وضع خطط إستراتيجية للتحديث والترويج لها إعلاميا مع استبعاد العناصر المنغلقة التي تقاوم التطوير والتجديد لأنها حتما ستدافع عن مصالحها الضيقة، ونضع مع ذلك توجساتها بالحسبان ونحاورها لإزالة الشكوك من رؤوس المنغلقين والمحافظين ونبين لهم جدوى ما نقوم به وانه في المحصلة النهائية خير للجميع. معترضون بلا بدائل ورأى أن مشكلة المنغلقين أنهم لا يقدمون بدائل عملية لما يعارضون وجوده، فيجب على الإعلام المتزن والمفكرين التنويريين أن يلعبوا دورا حيويا ومهما في تبيان الحقائق والدفاع عنها مع عدم استعداء التيارات المحافظة حتى لا تحدث شروخًا في بنية المجتمع، كما أن الإصلاح السياسي وتحديث النظام السياسي برمته مهم للغاية لأن هذا الإصلاح سيمكن الجميع من الحوار وتبادل الرؤى للوصول إلى صيغ توفيقية ترضي الجميع؛ الأمر الذي ينتج عنه تخفيف التوترات التي عادة ما تصاحب عمليات التطوير والتجديد. وأضاف د. الرديعان أنه لا جدوى من التراخي في إحداث التطوير لأننا إن تراخينا وتقاعسنا عن التطوير سنجد أنفسنا في نهاية الركب، فالعالم اليوم مترابط ومصالحه متشابكة وبالتالي يلزم أن لا تفتر همتنا من السعي الجاد لإصلاح مجتمعنا وأن لا نيأس في استخدام كل الطرق المشروعة لمحاورة المقاومين للتغيير والتطوير لتبيان أهمية التطوير، مشيرا إلى أنه هناك تيار لا يمكن الاستهانة به يعارض عمل المرأة في المحلات النسائية لكنه للأسف لا يقدم بدائل اقتصادية للمرأة وليس لديه حلول لمشكلة البطالة النسائية، فهذا التيار يلزم أن نحاوره وان لا نيأس بشرط أن لا نستفزه أو نهمشه أو نضعه في الزاوية الضيقة. وفي الوقت نفسه يجب أن تمضي خططنا قدما على أن نبين جدوى ما نقوم به وانه في صالح المجتمع ودون خروج على ثوابته الدينية.