من الضروري الإشادة بالإسهامات البناءة التي تحاول رأب الصدع الطائفي، هذا الصدع الذي هو في الوقت الراهن أزمة الأزمات وأم المشكلات. من الضروري تسليط الأضواء على الإيجابي في هذا الحراك؛ خاصة إذا ما كانت الإسهامات جريئة وتنطلق من نقد ذاتي، أي من العتبة الأولى الضرورية لأي حديث عن التوافق المنشود لم يعد الخلاف المذهبي/ الطائفي اليوم يعمل على ترف الفكر؛ كما كان من قبل، بل عمله اليوم أصبح على أشلاء ممزقة، ودماء مسفوحة، وجثثٍ محروقة، وأعراضٍ منتهكة، وأوطانٍ مدمرة، وأموالٍ منهوبة، وآمالٍ مجهضة، ومشردين بالملايين من نساء وأطفال لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. وهذا ما لم يدر بخلد أولئك المُتعالمين بجهلهم، والمتذاكين بغبائهم، أولئك الذين كانوا يتلاعبون بأطراف أسنة الخلافات، ويستهينون بنيران الصراعات الدينية، بل ويُؤجّجونها؛ زاعمين بمكر أو بغفلة أو بغباء أنهم يريدون دحض الباطل بالحق المبين، مُتجَاهلين أن كل طرف من متطرفي هؤلاء وهؤلاء يدّعي أنه هو من يمتلك هذا الحق المبين. ما يحدث من مآسٍ مُروّعة تكاد تكون من حيث آثارها المباشرة واللامباشرة كوارث كونية، يشاهدها كل فرد منّا صباح مساء. لم تعد سرا، ولا حديثا مرجما بالظنون، بل هي واقع دامٍ أليم ينقله الإعلام لنا على مدار الدقيقة الواحدة بالحرف وبالصوت وبالصورة التي تجعلنا نعايش الحدث وكأنه على بُعد خطوتين منا. ومع هذا لا يزال دُعاة المذهبية والطائفية (الذين هم القتلة الحقيقيون من غير أن يتكلّفوا إطلاق رصاصة واحدة) يدفعون في هذا الاتجاه المأساوي؛ دون أن يرف لهم جفن أو يستيقظ لهم ضمير. كل من تمرّس بمعالجة عالم الأفكار وانعكاساته على عالم الواقع حذّر وأنذر قبل اليوم من هذه الطروحات المذهبية الضيقة التي تمتهن التفسيق والتبديع والتكفير. ومِن المؤسف حقا أن الأمر يبدو عبثيا، حيث نجد هذا الرعاع الجماهيري لا يستجيب لصوت العقل، صوت التسامح، بقدر ما يستجيب لصوت النزق والغضب والتعصب الذي يدعو إلى الإقصاء والنبذ والنفي، بل و إلى التصفية الجسدية المباشرة متى ما سمحت الظروف. لقد أفسد علينا المتطرفون حياتنا، وأشغلونا بأنفسنا منذ وقت ليس بالقصير، فمن التزمت الغفوي المقيت الذي تخلل نسيجنا الاجتماعي وكاد يخنق أصل الحياة بمحاصرته لضرورياتها (بعد أن نجح في خنق كل جمال)، إلى الإرهاب والتدمير الذي نجحوا في جعله هوية لنا فأصبحنا مكروهين في هذا العالم الذي نتنقل فيه بوصفنا موضع شبهة باستمرار. ويستمر الإفساد إلى أن وصلنا إلى هذا الاقتتال الطائفي الذي جعلنا نتقدم أقل من ثلاث سنوات بمئات الألوف من القتلى، وعما قريب سنحسبها بالملايين. ومع كل هذا الثمن الباهظ لا يزال المتطرفون يتصدرون المشهد بكل بجاحة، بل وبكل وقاحة، ولا زالوا يفلتون بما يشبه المعجزة ! من العقاب الذي يستحقونه، والذي قد يصل إلى تهمة التحريض المباشر على القتل، وهو التحريض الذي لا عقوبة له في أعدل القوانين وأكثرها مصداقية إلا الإعدام. ما يدل على حجم الدمار الذي أحدثه المتطرفون في عقولنا وقلوبنا (فضلا عن الدمار الذي نشاهده في الواقع؛ جرّاء مناكفاتهم المذهبية/ الطائفية) ، أن كل من يدعو إلى التقارب والتعايش ونبذ الموالاة التعصبية الاحترابية، يصبح في رؤيتنا التي صنعها المتطرفون لنا ! خائنا لدينه، منتهكا لمسلّمات مجتمعه الفكرية، مشكوكا في توجهاته ونياته...إلخ التهم التي تلاحق كل دعاة التفكير العقلاني/ التنويري، أولئك الذين يدعون إلى تمدين (= صياغة العلاقات والقانوين على أسس مدنية محايدة) الحياة العامة، من حيث هي فضاء عمومي، أي ليست ملكا فرديا يفعل فيه الفرد ما يشاء، وإنما هي ملك عام لا يحق لأي فرد أن يستأثر بمفاعليه؛ لأن أثر كل فعل فيه سلبا أو إيجابا لا بد أن يطال الجميع. ربما تكون هذه المآسي المُروّعة الناتجة عن الاحتراب الطائفي مُنبّهاً لنا؛ لنبدأ الخطوات الأولى للتوافق؛ لأن مشكلتنا الحقيقية هي أننا وإلى ما قبل انفجار هذه الصراعات، وربما إلى الآن ! لا نعرف الثمن الباهظ الذي ندفعه الآن، وسيدفعه أبناؤنا أضعافا مضاعفة؛ نتيجة الطروحات الغبية التي تخللت تراثنا القديم والحديث، والتي يقتات عليها المتطرفون إلى اليوم، مستغلين مساحة الجهل التي صنعتها ثقافة النقل الاجتراري: التقليد التي تسيدت عالمنا الثقافي. للأمل نقول: قد تخلق فينا هذه المآسي إرادة التوافق. ما نحتاجه كخطوة أولى هو إرادة التوافق. كل المقولات التاريخية والعقائدية لم ولن تقف حائلا فيما لو كان ثمة إرادة توافق تنتظم مسارات الوعي عند هذا الطرف وذاك. الإرادة تمارس تطويع كل شيء لغاياتها، حتى المقولات التي تؤسس للتنابذ والعداء والصراع.. إلخ تستطيع الإرادة أن تستخدمها (بممارسة تأولية لا تنفك بالضرورة عن مجمل نشاط الوعي الإنساني) في التأسيس لواقع التعايش، بل ولواقع المحبة والإخاء. يقول سبينوزا: " نحن لا نرغب في الشيء لأنه حسن، وإنما نراه حسنا لأننا نرغب فيه". الرغبة/ إرادة الشيء تسبق الحكم عليه. وهذا ما يشير إليه المتنبي في قوله متحدثا عن فعالية الوشاية، متى تنجح ومتى تفشل في تحقيق غرضها: إنما تنجح المقالة في المر ءِ إذا صادفت هوى في الفؤاد وحتى إنهاء الخلافات الزوجية بالصلح الذي يقوم عليه الحَكمان من أهله ومن أهلها، يربط الله عز وجل التوفيق فيه بإرادة ناجزة من كلا الطرفين. قال تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حَكَما من أهله وحَكَما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) فإرادة الإصلاح تبدأ منهما (= الحكمان) بالذات، والتعويل عليها ابتداء في توفيق الله. ونحن هنا في هذه الخلافات المذهبية/ الطائفية لم تتوفر لنا الإرادة الحقيقية للإصلاح والتوافق، وإلا لوفق الله بين هؤلاء المتناحرين، هؤلاء المتناحرين إما على حطام الدنيا، وإما على أوهام الحقيقة الميتافيزيقية التي يعتقدون أنهم ينفردون بها من دون الآخرين. إن لم تتوفر لنا إرادة التوافق بعد كل هذه المآسي التي لا يخرج فيها المنتصر إلا مهزوماً، فلن تتوفر لنا أبدا. إذا لم تستحثنا هذه الدماء وهذه الأشلاء وهذا الدمار للدخول في عالم توافقي، فلن يستحثنا شيء آخر، ولن ننتفع بمقولات الناصحين ولا بتحذيرات المحذرين. مَن لم تجعله هذه المذابح الوحشية يفيق من غيبوبته المذهبية الخانقة، ويدرك أن هذا العبث يستحيل أن يكون مراد الله، فلن يفيق حتى تلتهمه نيران الاحتراب المجنون. إن مهمة التوافق ليست منوطة بشخص دون شخص، حتى وإن اختلفت درجات المسؤولية. المهمة منوطة بنا جميعا، وعلى كل فرد منا أن يتقدم بما يستطيع في هذا المجال الإصلاحي، ولو بشق كلمة!. نعم، كلمة واحدة قد تنقذ حياة إنسان، وربما امتد أثرها وتنامت؛ فكانت سببا في إنقاذ حياة الملايين. كما أن كلمات المتطرفين التي كنا نستهين بها ونقول هي مجرد كلمات، استحالت حروبا طاحنة على الهوية الطائفية، كذلك الكلمات المضادة قد تكون سببا في إطفاء جمرات الكلمات الطائفية اللاهبة التي تحرق عقول الأغبياء من هذا الفريق وذاك الفريق. صحيح أن هناك إسهامات رائعة في هذا المجال. لكنها لا تأخذ نصيبها من الاهتمام الأكاديمي ومن تسليط الأضواء الإعلامية عليها؛ لأن الصوت الأعلى لا يزال من نصيب الناعقين بخطابات الكراهية التي يجني منها هؤلاء كثيرا من الأرباح. وللأسف، فكهنة هذا الخطاب الأصولي المتطرف هم الذي يسوقون الجماهير ويتحكمون في خيارات الدهماء، يسوقون حتى أولئك الذين يظنون أنهم مستقلون في آرائهم، بينما هم مجرد مُسوّقين من الدرجة الثانية لطروحات الكراهية، بدعوى يخدعون بها أنفسهم، وهي أن ما يطرحونه عبر وسائط التأثير يتبنونه عن قناعة، وأنهم مقتنعون دينيا وأخلاقيا بضرورة أن يُبادلوا الآخر ذات الكراهية التي يُوجّهها إليهم، أو التي يظنون كل الظن ! أنه يوجهها إليهم. وهنا تجدهم يتصارعون اجتماعيا وسياسيا، ولكن على خلفيات طائفية، متوهمين أنهم فقط يُعيدون التوازن إلى تجاذبات الهمّ الاجتماعي المنقوع بألوان الطيف السياسي. من الضروري الإشادة بالإسهامات البناءة التي تحاول رأب الصدع الطائفي، هذا الصدع الذي هو في الوقت الراهن أزمة الأزمات وأم المشكلات. من الضروري تسليط الأضواء على الإيجابي في هذا الحراك؛ خاصة إذا ما كانت الإسهامات جريئة وتنطلق من نقد ذاتي، أي من العتبة الأولى الضرورية لأي حديث عن التوافق المنشود. ولهذا أشير مشيدا بأهم ما اطلعت عليه مؤخرا في هذا المجال، وهو كتاب (أزمة العقل الشيعي) للباحث القدير: مختار الأسدي، فقد مارس فيه صاحبه نقدا ذاتيا موضوعيا لكثير من المقولات التي تحتاج إلى مراجعة، وخاصة تلك التي لها دور محوري في تحقيق التوافق بين طوائف المسلمين. مقولات مختار الأسدي تستحق التأمل، بل وتستحق العمل عليها على أكثر من صعيد. لكن، ما يهمني في سياق هذا المقال هو تلك النقاط التي وضعها كمشروع لاستيعاب الاختلاف وترسيخ المبدأ الأخلاقي، وهي سبع نقاط يمكن اختصارها بما يلي: 1 " عدم تقديس الذات أو تنزيهها أو تأليهها من جانب، وعدم اتهام الآخر في الدائرة الواحدة بالانحراف أو الكفر والضلال من جانب آخر" . والأسدي هنا يرى أن " هذا التقديس أو هذا الاتهام يغلقان كل أبواب الحوار" . أي أن الشرط الأولي كما يراه هو نقد الذات مقابل الآخر، وليس نقد الآخر من أجل تزكية الذات. في تقديري أن هذه أهم نقطة فيما طرحه، وهي في الوقت نفسه أصعب نقطة يتردد كثيرون في اجتيازها. كثيرون يتبجّحون بالمناداة بها، ولكن عند التنفيذ لا يصمد إلا القليل، بل والقليل جدا، ومختار الأسدي من هذا القليل، إذ مارس على امتداد كتابه البالغ 393 صفحة كل صور النقد الذاتي؛ مع حرصه الشديد على عدم الاستفزاز، وعلى احترام جميع الأطراف وتقدير كل المختلفين. 2 " الاعتراف بالآخر، وعدم مصادرته أو إلغائه، وحسن الظن برؤيته أو وجهة نظره، وتجنب الحكم على نيته، لأن الله تعالى وحده هو الذي يعرف النوايا ويحكم عليها ولا أحد غيره على الإطلاق" . وهذا الموقف هو بلا شك نتيجة للأول، فمتى ما وصلنا إلى الاعتراف بالآخر، وأحسنا الظن به، وتركنا الحكم عليه لله، فقد قطعنا أهم عقبة في طريق التوافق الضروري لتحقيق السلم الأهلي. 3 يؤكد على نسبية الحقيقة النابعة من نسبية الفهم البشري. وهو هنا يستحضر المقولة المنسوبة للإمام الشافعي: " رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب"، ويزيد على ذلك بالمقولة الأكثر تواضعا: " رأيي ورأيك كلاهما صحيحان يحتملان [هكذا] الخطأ، أو كلاهما خطأ يُحتمل فيهما أو في أحدهما الصواب". وهنا يستشهد بموضوعية الآية القرآنية:(وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين). بلا شك، ستتبخّر كل مقولات التعصب لو أن كل فريق أخذ قناعاته على هذا النحو النسبي. فالتعصب ناتج عن اليقين المطلق الذي تنهض عليه مقولات المفاصلة العقائدية بين طوائف المسلمين. بمجرد استشعارنا لإمكانية أن يكون لدى الآخر نسبة من الحقيقة، وربما أكثر الحقيقة، تتحوّل المقولات التي يجري عليها الاقتتال الآن إلى مجرد آراء بشرية، احتمالية، لا تستحق أن تُزهق من أجلها الأرواح وتسال الدماء وتدمر الأوطان. 4 " التركيز على نقاط التلاقي وتفعيلها وتنشيطها كمحاور عمل مشترك" . وهذا لو اشتغل الجميع عليه لأثمر جدا في الواقع العملي وفي سياقات الفكر، حيث إن نقاط التلاقي هي في الغالب الأعم من الأصول والمبادئ الأساسية. فمثلا، لو نظرنا إلى الإيمانيات الأساسية: إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وإلى الشعائر الأساسية المتفق عليها: صلاة وصوم وزكاة وحج، وإلى المحرمات الأساسية: قتل وعقوق وفواحش وشهادة زور، وأكل مال يتيم ، وتطفيف في الميزان، وإلى المبادئ الأساسية: عدل ونصرة مظلوم ومواساة محتاج.. إلخ لوجدنا أن الجميع يتفق عليها(بصرف النظر عن الخلاف التفصيلي)، يتفق الجميع عليها رغم اختلاف المذهبيات، ورغم صراعها على التفاصيل التي لا يجوز أن تلغي بهامشيتها متن المشترك التوافقي الذي يمنح هوية الإسلام للجميع. 5 " تطويق أو تحجيم دائرة الحواشي، أو البطانة، والسعي الجادّ لكشف الطحالب التي لا تنمو إلا في المستنقعات الآسنة، وقطع الطريق أمام الأفاعي والثعابين التي تلدغ وتخفي رؤوسها، وعدم الإصغاء للنخاسين الوسواسيين الذين لا يعيشون إلا في أجواء الصراع واحتدام الفتن ". يقصد الأسدي هنا فضح دعاة الفتنة الذين يظهرون وكأنهم مجرد دعاة يريدون هداية الناس إلى طريق الصواب، بينما هم محرّضون يقودون كل الأطراف إلى صراع حتمي، إما بالدعوة إلى ذلك صراحة، وإما بتمرير المقولات التي يؤدي نموها إلى صنع حالة اجتماعية صراعية، تبدأ من الصراع على الحقيقة الميتافيزيقية أو الحقيقة التاريخية، وتنتهي إلى الصراع على مكونات الواقع الاجتماعي والسياسي. 6 " التمييز بين الشخص والمنهج، وتلقي الاتّهام بروح عالية من التسامح والشفافية أو الصفح والأريحية، فحين يُقال مثلا ان فلانا أخطأ في هذه الرؤية أو تلك، أو أن منهجه أو أداءه خاطئ في هذا الفعل أو ذاك، لا يعني أنه فاسد أو فاسق أو مغفّل. كما لا يوجب هذا الاتهام، أو هذا القول إسقاط مرؤوته [هكذا] أو الحكم على دينه ومعتقده، وإنما إسقاط منهجه، أو تسقيط طريقته في العمل ليس إلا.. ". إن هذا التمييز الذي يؤكده مختار الأسدي ضروري، لأن نقد الذات وطرح نسبية الصواب، والتأكيد على المشترك لا تعني عدم نقد كل طرف للطرف الآخر، ولا الحوار بشأن ما يراه أي منهما خطأ. وبما أن هذا لا بد أن يحدث في مسيرة بحثية علمية، أو حتى إعلامية استطلاعية، فلا يجوز أن يكون هذا على سبيل نفي المنقود وإقصائه، إذ هو كما يكون مخطئا في مسائل، فقد يكون مصيبا في مسائل أخرى. فالنقاش والجدل يجب أن يكونا على مستوى الفكر من حيث هو فكر، وليس على مستوى تبخيس البنى الاجتماعية من خلال تبخيس الأفكار التي تتبناها تلك البنى كمرجعيات للهوية، شعرت بذلك أم لم تشعر. 7 " يُفترض عدم الاستعجال في الاتفاق على كل شيء فربما تبقى أشياء كثيرة، لا يمكن الاتفاق عليها، أو لا يمكن حلها لعدم توفر الوقت مثلا، أو لعدم توفر أجواء حلها، أو استحالة حلها لهذا السبب أو ذاك.. وهنا لا بد من ترك بعض الأمور وعدم الإصرار على حسمها ". وهو يرى أن بعض الأمور أبدية في استشكالها، ولهذا لن تُحسم في هذه الدنيا، مستشهدا بقوله تعالى: (إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون). ولا شك أن هذه استراتيجية تختصر كثيرا مما يمكن قوله في هذا المجال، حيث إن كثيرين لا يبدأون بالخطوة الأولى نحو التوافق المذهبي لمجرد أنهم يتوهمون ضرورة التوافق على كل شيء، وبما أن هذا مستحيل، فهم يتوهمون استحالة التوافق على أي شيء !. هذه سبع نقاط قدمها مختار الأسدي، وهي في غاية الأهمية عمليا؛ إذ يمكن العمل مبدئيا من خلالها، شرط أن يكون هناك استعداد مبدئي، أي إرادة حقيقية للتوافق. ومن الواضح أن هذا التوافق المنشود لن يحدث إلا في ظل حوار يقبل فيه الجميع النقد بصدر رحب، بحيث لا يرونه عدوانا يتهددهم، بل مجرد إضاءات تستحثهم على النقد والمناقشة والمراجعة للوصول إلى ما يُظن أنه الأقرب للصواب، الصواب الذي لا يمتلكه أحد بكُليّته مهما ادعى. ونختم هنا بمقولة موفقة لمختار الأسدي، يمكن أن تكون اختصاراً للبداية وللنهاية. يقول الأسدي كلمته الصادقة: " إذا التقت القلوب فلا خوف من تناحر العقول".