يتناول المؤلف"علي بن حسن العبادي" في كتابه ما هكذا يكتب الشعر في جزئه الثاني أهمية العروض والقواعد الشعرية أثناء إنشاء القصيدة العربية، حيث لا يمكن لأحد أن يستهين بقواعدها ونحوها وعروضها على حد تعبير المؤلف، وإن استهان أحدٌ بهذه القواعد فإن العرب هم حُرّاسها الأوفياء؛ لأي أذى يلحقه من المتحذلقين على هذا الفن العظيم والديوان الذي يحمل تاريخ العرب وحضارتهم وتراثهم، حيث يذكر المؤلف بأن العامية قد طغت وجاوزت الحد المسموح به فما أكثر الفرقعة التي نسمعها في شعر كثير من الشعراء المعاصرين ممكن يكتب الشعر عمودياً، وممن يكتبه حُراً ذا تفعيلة عروضية وممن يكتبه نبطياً؛ فالشعر كما قال أحد الأدباء الكبار المعاصرين صور وألوان ومعانٍ ترقص كالفراشات حول ثغور الأزهار في حديقة غناء وليس عبثاً وكلاماً خالياً من كل هذه الركائز المهمة. كما قدم للكتاب الدكتور الأستاذ عبد الملك مرتاض الرئيس السابق للمجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر قائلاً:"قد يكون الشيخ علي بن حسن العبادي، الظاهرة العروضية الأولى في العالم العربي، على عهدنا هذا، فلم نر أحداً عني بهذا العلم العزيز-علم العروض-، وقد كنا كتبنا كلمة قصيرة نشرناها بجريدة الرياض الغرّاء وذلك حين زرنا مدينة الرياض فالتقينا أول مرة الأستاذ العلامة العبادي، الذي أهدى إلينا يومئذ الجزء الأول من كتابه "ما هكذا يكتب الشعر" وهو عنوان كما كنا لاحظنا لا يخلو من شيء من الاستفزاز المعرفي، الذي يشتمل على تحدٍ واعتزاز بعلم العروض الذي أمسى في الثقافة الشعرية العربية كالكبريت الأحمر، كما كان أجدادنا يعبّرون حين يريدون إلى ندرة الشيء الثمين والجوهر العزيز، وقد جاء الجزء الثاني من كتاب "ما هكذا يكتب الشعر" أكثر إمتاعاً وأوسع تنوعاً من حيث القضايا المتناولة، والموضوعات المعالجة، ولأتوقف قليلاً لدى معارضات امرئ القيس للشعراء العرب الذين كانوا يعاصرونه ومنهم علقمة بن عبدة التميمي وهو المشهور باسم علقمة الفحل، والحارث بن التوأم اليشكري، ويرى الشيخ أن امرأ القيس بحكم أنه كان ثرياً وأميراً لم يعدم شيئاً من الغرور في تمثل شعره، فلم يكن يفتأ يتحدى الشعراء الذين كانوا يعاصرونه فيطلب إليهم أن يعارضوه.. وقد توقف الشيخ لدى بعض هذه المعارضات الطريفة، التي كانت تضمحل من ثقافة شبابنا الذي ألهاهم اليوم الأدب الرخيص الردىء، عن الأدب الرفيع، ولو مضوا في مثل هذه المعارضات لعسينا أن تضري قرائحهم تضرية شديدة، وتفتق مواهبهم تفتيقاً خصيباً، وهما الأمران اللذان كانا سيجعلانهم يقرضون الشعر في أرفع مستوياته الفنية وبأيسر الجهود الممكنة". وفي مقدمة للوزير السابق الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن الخويطر يقول فيها عن الكتاب: "لقد شدني الكتاب منذ أن اطلعت على المسودة الأولى من عدةِ نواحٍ منها أن كاتبه دقيق في مراعاة أصول اللغة العربية وأسلوبها ونحوها وصرفها ونهجها، ومنها أن كتابه بأكمله يدور في فلك علم مهم، وهو مثل علم الفرائض طيّار، يتبخر في ذهن العالم بسرعة عجيبة، حتى أصبح أصحاب هذا وهذا، يعدون على الأصابع في كل القرون التي مرت، ويدور كذلك حول علم صعب جداً، ويكفي أن العيوب التي يتعرض لها هذا العلم، يعجز عن حفظها وتطبيقها أقوى الكّتاب ذاكرة وفهماً وإدراكاً ولنا أن نلقي نظرة على الزحافات والعلل وعيوب القافية التي وردت في الكتاب، ممثلة كلفاً في وجه بدر الشعر، ومن هذه الزحافات والعلل وعيوب القافية: الخبن، القبض، العصب، والشتر، والتشعيث، والقطع".. وفي علاقته الشخصية بمؤلف الكتاب يذكر الخويطر أنه تعرف عليه من خلال عدة طرق عدة لعل من أبرزها صلته بالنادي الأدبي في الطائف ونشاطه الذي يشرق ويغرب وينالنا من فيض سحائبه الأدبية كذلك أنه كان رجل تعليم بارز وبصفتي وزيراً للتعليم العام في وقت مضى، كان لا بد أن تكون لي معرفة وصلة برجل تخرج على يديه رجال نعتز بهم"، كما يذكر العبّادي في كتابه الذي تكون من جزءين بأن أغلب الذين يكتبون الشعر في هذه الأيام لا يعرفون شيئاً عن الشعر، وإنما يكتبون عباراتٍ مرصوصة وأبياتاً مكسورة خالية من المعاني، ويجد هؤلاء من يستمع إليهم، كما يذكر المؤلف بأن الشعر العربي فن من أرقى الفنون وعلينا أن نفتخر به وأن نحافظ عليه حيث أن الشعر العربي ليس كما يحدث الآن، حيث أنه سابقاً كان مترابط الأجزاء تتواجد فيه الصورة الفنية بإتقان كذلك الموسيقى التي تنبعث من أبيات القصيدة فتخلف الأسماع. كما يشير المؤلف بأنه قد ألف هذا الكتاب في علم العروض ليس ابتغاء للشهرة ولا إعلاناً بالكتابة عنها بل لأن طلبة العلم قد جفوه وأعرضوا عنه وحملت على نفسي في تلقيه صابراً عليه، ورغم ما كتبته في علم العروض هذا العلم الخالد على -حد تعبير المؤلف- لم أذهب في كتابتي مذهباً ولا أدعي أني عالي الكعب في هذا العلم، ولا أملك الحجة غير الحجة التي تلقيتها عن أساتذتي، الذي هم مشايخ الحرم المكي الشريف. كما وقد عرض الكتاب الكثير من القصائد للمؤلف نفسه بهدف تقطيعها وتوضيح أوزانها والبحور التي اعتمدها العبادي في إنشاء قصائده، كما ويؤمن العبّادي في مؤلفاته ومقالاته المنشورة في عدة صحف محلية بأن علماء العربية لا يعترفون بالشعر إلاَّ إذا جاء موزوناً مقفَّى، فيه من جرس الكلمات، وإيقاع المقاطع، ما يجعله صورة من صور البديع، وهذا ما نادى به أيضاً (أرسطو) في كتابه الشعر، وصرّح في كتابه، بأن الشعر موسيقى وإيقاع.. وعلماء العربية يرون فيما نادوا به، واتجهوا إليه، هو الذي يميّز الشعر من النثر، فقال ابن خلدون (رحمه الله): «الشعر هو الكلام المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصّل بأجزاء متّفقة في الوزن والقافية والروي».. ثم يأتي الإمام جار الله الزمخشري (رحمه الله) فيقول في كتابه «القسْطاس»: «أقدّم بين يدي الخوض فيما أنا بصدده، مقدمة، وهي: «أن بناء الشعر العربي على الوزن المخترع، الخارج عن بحور شعر العرب، لا يقدح في كونه شعراً عند بعضهم، وبعضهم أبى ذلك، لأنه لا يكون شعراً حتّى يوافق فيه على وزن من أوزانهم».. إلى أن يقول: «ثم إنّ من تعاطى التصنيف في العروض من أهل هذا المذهب، فليس غرضه الذي يؤمه أن يحصر الأوزان التي إذا بُني الشعر على غيرها، لم يكن شعراً عربياً، وأنّ ما يرجع إلى حديث الوزن، مقصور على هذه البحور الستة عشر لا يتجاوزها، وإنما الغرض حصر الأوزان التي قالت العرب عليها أشعارهم، فليس تجاوز مقولاتها بمحظور في القياس على ما ذكرت، فالحاصل أن الشعر العربي، من حيث هو عربي، يفتقر قائله إلى أن يطأ أعقاب العرب فيه، فيما يصير به عربياً، وهو اللفظ فقط، لأنهم هم المختصون به، فوجب تلقّيه من قبلهم، وأما أخواته البواقي، فلا اختصاص لهم بها البتّة».