أقامت رابطة الأدب الإسلامي العالمية في مكتبها الإقليمي بالرياض محاضرة بعنوان: ( خواطر في الشعر والعروض ) الطبيب الأديب الدكتور عمر خلوف ، وذلك مساء الأربعاء 26/12/1429 ه ، وقد أدار اللقاء الناقد الدكتور علي الحمود الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقد حضره حشد من الأدباء والمثقفين وجمهور من محبي الأدب الإسلامي. تشكيل البدايات بعد أن شكر الدكتور عمر خلوف الرابطة على إتاحتها هذه الفرصة له تحدث عن تشكيل البدايات لديه إذ كان يجلس إلى أبيه ومحبيه من الشعراء فيستمع منصتا فيأخذ منهم الشيء الكثير ثم أنشد أبياتا مادحا أباه : أكبْرت فيك معاني الأدب فجنيت منها ناضجا عنبي ووجدت فيها مرتعا خصبا حطمت في أفيائه تعبي ونمت على الأغصان أجنحتي واشتدّ في أحضانها زغبي كما بيّن تأثره بعِّمه الشاعر الفصيح الذي جاهد في سورية وفي فلسطين ، وجعل بيته " مضافة " ومنتدى أدبيّا يوميّا لأكثر من أربعين عاما ، وقد ترك له ديوانه الوحيد ( عفو الخاطر ) ليكون زاده من الشعر الأصيل فقال محبا عمّه ليرد بعض جميله : عمّي ويرقص قلبي هانئا طربا ويشرق الحب في شتّى مغانيه ماذا أقول وليت القول يسعفني حتى أردَّ جميلا كان يسديه إني أنوء بحمل الفضل يثقلني حتى غدوت صنيعا من أياديه وقال : أحسب أنّ البيئة التي ولدت فيها وترعرعت من أجمل ما خلق الله على أرضه.. بيت عربي يتربع مطمئنا في حضن أجمل بساتين حماة المكتظة بأشجار اللوز والخوخ والجوز والتين. تغسل أقدامه مياه نهر ( العاصي ) بشاطئيه المسوّرين بأشجار الحور الفارعة ، والصفصاف . ولا ينام ويصحو إلا على هدهدة النواعير . وتحرسه من خلفه قلعة حماة المنيفة , بإطلالتها المهيبة , وأطلالها التي تحكي قصص العابرين والغابرين ويناغيه على شاطئ النهر الشمالي قصر ملك حماة الأيوبي العالم الجغرافي والفلكي الفذ / إسماعيل بن أبي الفداء المسمّى ( قصر الدهشة ) : إيه حماةُ .. وما أُحيلى مرتعي بين الصّحاب وعزّ بعدهم الصحب أما محاولاته الشعرية الأولى فقد جاءت وهو في المرحلة الثانوية ولم يكن عنده من أدوات الشعر إلا ما يقدمه كتاب الأدب والنصوص لطالب في القسم العلمي ، وقد تأثر في علم العروض بكتاب (سفينة الشعراء ) للدكتور محمود فاخوري الأستاذ الجامعي الحموي الأصل ، والحلبي المنشأ. ثم أتم تعليمه في دراسة الطب البيطري بدلا عن الأدب ، ولكنّه انغمس بعمق خلال الدراسة الجامعية بقراءة كثير من كتب الأدب والشعر والقصة والرواية ، وقد نشر بعض القصائد في الصحف المحلية مثل ( صحيفة الفداء الحموية ، والثقافة الأسبوعية الدمشقية ) ثمّ تجددت علاقته مع العروض في السعودية وألف عددا من الكتب في هذا العلم. تأملات في العروض كانت البداية للأديب الدكتور عمر خلوف تأملا لخصائص البنى العروضية الخليلية المختلفة والنظر في خصائصها, وطرائق تركيبها ، وكيفية اتفاقها وافتراقها على الرغم من انتمائها إلى ذات الإيقاع الشعري, حيث قام بوضع قوائم احتمالية لبنى كلِّ إيقاع على حدة ، ثم بدأ مسحا شاملا لمعظم دواوين الشعر العربي القديم والحديث ، وليجد لهذه القوائم شواهدها الشعرية الصحيحة . وقد جمع معظم هذه البنى الجديدة في كتاب مخطوط سّماه : (الحماسة العروضية ) نشر بعض ملامح هذا الكتاب في العدد الأخير(60) من مجلة الأدب الإسلامي عن التجديد الوزني عند الشاعر عمر بهاء الدين الأميري رحمه الله تعالى. واستطاع بعد هذا البحث تطوير طريقة علمية ميسرة فريدة لتقطيع البيت الشعري ومعرفة بحره أصدرها في عام 1993م في كتاب منفصل سمّاه : ( فن التقطيع الشعري ) يسّهل معرفة وزن البيت أو القصيدة ، وعدّ ذلك نقطة انطلاق إلى مزيد من البحث والمحاولة والتجريب لأن هذه القضية هي غاية علم العروض وثمرته العملية ، وهي مبتغى طالب هذا العلم سواء كان شاعرا أم ناقدا أم محققا أم باحثا. كن شاعراً هذا الكتاب : (كن شاعرا ) صدر للأديب عمر خلوف أخيرا ضمن أعماله التجديدية في علم العروض وقد بدأه بهذه الأبيات. يا سادة الشعر هذا الوزن في يدكم عجينة كيف شاء الشعر شكّلها ما باله أثرت الألحان صفحته حتى إذا عرضتْ بالشعر أهملها جدّد لحونك ، واخترما يروقك من إيقاعها ، ربّما أَوتيت أجملها وهو كتاب تعليمي مبسّط قدّم فيه الإيقاع الشعري فنّا هينا ليّنا بعيدا عن جفاء العلم ، ويتدرج مع طالب العلم خطوة فخطوة , وقد مهّد الكتاب لهذه الخطوات بمقدمات ضرورية بعيدة عن التعقيد والصعوبة كما في كثير من كتب العروض متجاوزا عيوبها في البدء ( بالزحافات والعلل) و ( الدوائر العروضية ) و ( القوافي ) ممّا يجب تأخيره ، وقد شرح المبادئ الأولية لهذا الفن بأبسط ما يكون الشرح مبتدئا بفهم : ( الساكن والمتحرك ) وما يتركب عنهما من ( مقاطع عروضية ) ، (فتفعيلات) ثمّ البحور ، وبيّن تركيبها من بحور ساذجة فمركبة ، مبينا أسماءها ، ومفاتيح أوزانها. الشعر والطبّ وقف الأديب عمر خلوف متحدّثا عن الشعر والطبّ فقال : لقد كان الشعر موهبة قبل أن يكون اكتسابا ، وكان الطبّ اكتسابا قبل أن يصير مهنة , ولا أجد تعارضا بين الشعر والعلم ، بل ربما كانت الأحاسيس المرهفة لدى الطبيب الشاعر دافعا له على إتقان طبّه، والارتقاء به إلى درجات الشعر ، لقد أفدت – أدبيا- من تحصيلي العلمي ، قدرة على التفكير المنظم , والصياغة المحكمة . كما أفدت - أكاديميًّا- من تحصيلي الأدبي قدرة على التعبير السليم ، والبيان الواضح , والترجمة العلمية الصحيحة . ولقد أخذني البحث العروضي لأبتعد قليلا عن حدائق الشعر: مالي وللشعر يدعوني فأدفعه وينزوي صلفا عني فأتبعه كم بت أرقبه يرضى فيمتعني على جناحيه أو يرضى فأمتعه وكم بذلت له شوقا أهدهده وكم تدافع بالأشواق أضلعه ونظرة سريعة على إنتاجي المطبوع أو المخطوط يشير إلى طغيان الجانب البحثي العروضي على الجانب الإبداعي فليس لي من الشعر سوى ديوان صغير غير مطبوع. شعر التفعيلة وتحدّث المحاضر أخيرا عن شعر التفعيلة ، فعدّ هذا الشعر شكلا من أشكال الإيقاع العربي استلّ من الأوزان العربية المعروفة ، فهو يستخدم ذات الجمل الإيقاعية المستخدمة في تشكيل أوزان الشعر العربي ، أما ما يسمونه " قصيدة النثر " وأفضل أسمائها ( النثيرة ) فهي شكل من أشكال الكتابة النثرية , مهما كان فيها من المعاني الشعرية. دفء التواصل وفي الختام أثارت المحاضرة عدة أسئلة ومداخلات ، وقد بدأها الأديب الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس الرابطة الذي أشار إلى الرقّة في شخصية المحاضر . وقال : لقد انتزعناه من صمته ، ثمّ سأل : هل دراسة العروض من قبل الشعراء تزيد من مواهبهم الشعرية ؟! أما الناقد الدكتور علي الحمود فقد سأل هل قسوة العمل في الطب تجعل الطبيب يتجه إلى الشعر هروبا ؟! وتحدّث الأديب الدكتور وليد قصّاب عن إعجابه بهذه المحاضرة رغم ما أبداه من ملحوظات ، وأشار إلى أن الدائرة العروضية مهمة جدا في البحور الشعرية وسأل الكاتب شمس الدين درمش عن صاحب مفاتيح البحور الشعرية ، وذكر الأستاذ أحمد عبد الرحمن أن للشعر الإنجليزي أوزانا معروفة , وهناك وزن خصّه الشاعر شكسبير بكثير من أشعاره . وبيّن الأديب خليل الصمادي أنّ هناك علاقة بين الطب والشعر, وقد كتب قبل سنوات مقالة بعنوان ( أطباء أدباء ) نشرها في مجلة ( الفيصل ). وأشاد المستشار عبد الرحمن عمر السنيدي بالرابطة , وبالشعر الأصيل , وأنه ينبغي أن نشعر بالعزّة ونحن نقدم هذه النماذج الراقية. وأخيرا ختم اللقاء بقصيدة للأديب الدكتور عمر خلوف نالت استحسان الحضور في أصالتها وعذوبتها.