ها هي إيران تفشل في نقلتها الأخيرة على رقعة الشطرنج، فقبل الذهاب إلى جنيف رفضت الموافقة على بنود جنيف الأول، ففقدت أهليتها لحضور "جنيف 2"، وسحبت منها الدعوة الأممية. لقد تعرضت الدبلوماسية الإيرانية لنكسة بسحب الدعوة الموجهة لها لحضور المؤتمر الدولي حول سوريا وهي التي كانت حاضرة على طول خط الأزمة وعلى أرض المعركة التي تدور رحاها منذ ثلاثة أعوام، وكانت ردة الفعل الإيرانية تلك برفضها أي شروط لحضور "جنيف 2" مغامرة غير محسوبة، فقد كانت تظن أن بإمكانها خلط الأوراق النووية بالمشاكل الإقليمية، فعشية التفتيش الذي خضعت له المنشآت النووية، توقعت طهران أن بإمكانها المساومة على تلك الورقة إلا أن ذلك لم يحدث. فتوالت ردود الأفعال من العواصم القوى الدولية الفاعلة بضرورة الموافقة على بنود "جنيف 1" وقبل أن يحزم مساعد وزير الخارجية حسين عبداللهيان حقائبه إلى مدينة "مونترو" في أرض الحياد هو ما رفضته طهران . لماذا رفضت إيران الحضور بدون شروط ؟ الواقع أن طهران وضعت نفسها في موقع لا تحسد عليه فإذا قبلت ببنود جنيف الأول، وأهمها الموافقة على تشكيل حكومة انتقالية، فهذا يعني صراحة الموافقة على التخلي عن النظام السوري الذي ترى فيه الحليف الاستراتيجي، وإن لم تحضر فهي أمام خسارة إقليمية في عدم حضورها لمؤتمر للفاعلين في المنطقة، ويشير الدكتور محمد السلمي الخبير في الشؤون الإيرانية إلى أن عدم الحضور من شأنه إضعاف الموقف الإقليمي لإيران. يبدو أن طهران كانت تستبعد أن يكون هناك تحرك سريع بعد توجيه الدعوة لها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بسببين: الأول، ضيق المساحة الزمنية قبيل انعقاد المؤتمر، والثاني: التعاطي الايجابي لإيران مع مفتشي الوكالة الدولية الذين كانوا في زيارة اليومين الماضيين، لكن ردة الفعل السريعة التي جاءت من قبل الائتلاف السوري وبعض العواصم كانت حاسمة ووضعت الجهود الدولية على المحك، لذا آثرت الأممالمتحدة التضحية بطهران على أن يمضي المؤتمر في طريقه، وهو ما بدأ يرشح من واشنطن التي قالت في معرض حديثها عن اللغط الذي دار أمس الأول، بأن إيران لم تكن إيجابية فيما يخص سوريا، الأمر الذي كان يعني ضمناً أن حضورها ليس ضرورياً على اعتبار أن الهدف من المؤتمر إنهاء الصراع. ماذا يمكن أن تكون ردة الفعل الإيرانية ؟ لا تبدو طهران أمام خيارات كثيرة في ظل ما حدث لها عشية انعقاد المؤتمر الدولي حول " جنيف 2 "، إذ إن النظام السوري نفسه بدأ يتحدث عن الإرهاق والتململ من طول أمد الحرب، لكن إيران بلا شك ستكون حاضرة في كواليس المفاوضات التي سيجريها الائتلاف مع وفد المعارضة، إذ يمكن أن تمارس ضغوطها تجاه تحقيق أهداف معينة تضمن معها طهران عدم تأثر وضعها الجيوسياسي في المنطقة ، حيث إن حدوث ذلك سيلقي بظلاله على نفوذها في لبنان وغيرها من الملفات، كما أنها مطمئنة إلى حد ما بسبب حليفتها الروسية التي اعتبرت غياب إيران عن "جنيف2" خطأ. في نفس الوقت يبدو أن إيران أمام لحظة حقيقة لإعادة حساباتها تجاه الملف السوري، وهو يدخل مرحلة يمكن أن تكون حاسمة، فبعد سحب الدعوة ستدرك طهران أن الحلول ليست رهينة دوماً بالحسابات الإيرانية التي لم تكن صحيحة هذه المرة.