هذه أغنية ذاتية للغاية، وربما تكون الأكثر ذاتية من كل الأعمال التي تم عرضها في هذه الزاوية. إذ ما يزال الجدل الدائر حولها حياً حتى اليوم، نعم يضعف حتى يكاد يختفي من المشهد في عالم الموسيقى الأمريكية، لكنه يستيقظ من فترة لأخرى وفي أحداث تشبه المسرحية. في عام 1972م، قامت الفنانة الأمريكية كارلي سيمون بكتابة وتلحين وأداء أغنية أطلقت عليها "أنت تافه للغاية" ضمن ألبومها الذي حمل عنواناً موحياً للأغاني الموجودة فيه "ليس من أسرار"، لكن الحقيقة أنه حمل بعض الأسرار التي ما تزال الفنانة الخصبة إلى يومنا هذا تحفظها قيد الكتمان في ذلك الألبوم الذي كان البروز الأكثر شهرة في تاريخ سيمون وفترة تربعها الذهبية على قوائم البوب في أمريكا وبريطانيا ودول أوروبا وكندا. يأتي سبب الاهتمام الأول في الأغنية منطلقاً من رابط اعتباري لشخصية سيمون وعلاقاتها في وسط فني كان محتقناً بالأفكار الوردية لحملة الزهور ومجموعات الهيبيز. لكن عمل سيمون أدار تلك الرؤوس الحالمة وظلت تثير جدلاً أزعج الكثير ممن داسوا على تلك الزهور ولونوا تلك الأحلام بالأزرق. تفتح القصيدة الغنائية بحديث متكلم وبشكل مباشر إلى شخص يقتحم حفلة بزهو بالغ وكأنه يدخل يخته الخاص، بقبعة موزونة باستراتيجية بالغة مسدلة على عين واحدة، وبوشاح مشمشي اللون، ينظر لنفسه في المرآة، وبنرجسية بالغة يشعر بأن كل الفتيات يحلمن بأن يكن شريكات حياته. ثم وبإيقاع أكثر شخصية وحدية ومباشرة، تبدأ الكلمات في توجيه عبارات اشمئزاز بالغ إلى ذلك الشخص، أنت تافه للغاية إلى الحد الذي تعتقد أن هذه الأغنية تتحدث عنك، أليس كذلك؟ في لهجة تقريرية تختصر شعور الفراغ والزهو الهائل الذي يمتلئ به هذا الشخص. في المقاطع الأخرى تروي الكلمات وبنفس النبرة وصيغة الخطاب كيف بددت تلك الفتاة الطيبة البريئة حياتها في مشاركة "وهمٍ" مع شخص متلاعب يسعى وراء أحلامه الخاصة، مخططاً منذ البدء بأن يلقيها خلف ظهره في تصرف ليس الأول وحتماً هو ليس الأخير، هو الآن يعيش نجاحاته الهائلة، مرة في ساراتوغا حيث يفوز حصانه بالسباق، ومرة يحلق في طائرته الخاصة متوجهاً إلى نوفا سكوشا ليشاهد خسوف الشمس، وعندما لا يفعل شيئاً من ذلك، فهو برفقة جاسوسة من العالم السفلي أو زوجة أحد أصدقائه المقربين. بنية الأغنية اللحنية، تبدأ بقرع خفيف متصل على الطبول، مع جيتار مصاحب لرفع الإيقاع، يتداخل معها بسرعة طرقات عالية على البيانو تعزفها سيمون ببارعة، وبنعومة رغم علوها تصل إلى الارتفاع الأبرز في الإيقاع مع الكورس الذي تردد فيه ألست كذلك؟، لتستمر الأغنية مرتفعة إلا من تجاوز أعلى في كل كورس، ومن ثم عزف منفرد للجيتار على نغمة حادة، والكورس مرة أخرى، مع الإقفال على إيقاع مبتهج تردد فيه سيمون "أنت تافه للغاية، تظن أن هذه الأغنية تدور عنك"، تلاشى ثم قطع. ورغم كل الملاحظات الذاتية والأوصاف الشخصية المحتشدة في الأغنية فإن النقطة الأكثر إثارة كانت في الحديث عن "زوجة أحد أصدقائك المقربين"، تلك العبارة التي أطلقت معركة البحث عن هذا الشخص التافه أو الفارغ للغاية والذي أثار حفيظة سيمون لتكتب عنه هذه الأغنية، والذي يعتقد هو أنها كتبت عنه في وقتها!. أصابع البحث الكثيرة في عالم الموسيقى والإعلام الأمريكي لم تأل جهداً في تقديم الكثير من الاقتراحات وفي فترات مختلفة من عام 1972م وحتى العام الماضي عندما غنت سيمون مع المغنية الشابة تايلور سويفت التي أرادت الاستفادة القصوى من الحدث لتدعي أن سويفت أباحت لها بهوية الشخص المعني. الكثير من الأسماء كانت مثار اهتمام دائرة البحث، من زوجها الأول جيمس تايلور، كات ستيفينس، ديفيد بوي، - كُتب عن أبرز أعمالهم في هذه الزاوية - ميك جاغر، وارن بيتي، ديفيد كاسيدي، وحتى زوجها الثاني جايمس هارت. سيمون استغلت هذا البحث الذي توسع، وزادت التعقيد على صحافة تعشق الفضائح ومنحتهم عبر السنين حرفان من هوية التافه، إلى أن أقيم مزاد في عام 2003م، لأعلى رقم يشتري حقوق هويته، فاز بها مالك إن بي سي الرياضية ديك إبيرسول بمبلغ خمسين ألف دولار. في عام 2005م وفي لقاء قامت به صحيفة "أمريكا اليوم" ألقت سيمون نكتة على السؤال دائم التكرار، بأن الحنجرة العميقة يعرف هوية ذلك الشخص، في إشارة إلى مارك فيلت الذي تم الكشف عن هويته وقتها كمصدر لفضيحة ووترجيت التي أعلن بسببها ريتشارد نيكسون استقالته من منصبه كرئيس للولايات المتحدةالأمريكية. كل ذلك رغم تصريح ميسون الأول في السبعينات ومن خلال مقابلات لاحقة مع أطراف مختلفة مثل زوجها جيم هارت أو المنتج، بأن الأغنية تدور حول عدة أشخاص يجمعون صفات متشابهة كانت ظاهرة في تلك الفترة وما زالت حتى اليوم لشاب فارغ، يدمر أحلام فتاة آمنت به. بنظري أن الأغنية تعطي انطباعاً جيداً عن تلك الفترة، وتروي الكثير من معضلة الوسط الفني في الغرب والعالم عموماً، كما أنها تجسد واقع الصحافة الفنية التي تترك العمل وتبحث عن المؤلف وتستقصي دقائق حياته، الأمر الذي تنبأ به أندرو بينيت في بدايات كتابه "المؤلف" في أوائل الستينات.