يعيش اليمن مرحلة تاريخية فاصلة تستوجب من الجميع استيعابها بشكل دقيق، وتفرض تحديد الأسس السليمة والمنطقية للتعامل معها وتوجيه محركاتها لصالح الوطن، وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي، من خلال وضع البرامج التنفيذية للتجسيد الخلّاق لما سيتمخض عنه مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي كان بمثابة سفينة النجاة لليمن، بما شهده من حوار مسئول حول كل القضايا الوطنية، شاركت فيه كل أطياف العمل السياسي بما فيها الحراك الجنوبي السلمي وجماعة أنصار الله، والمرأة والشباب، استمر نحو عشرة أشهر حفلت بالعمل الدؤوب والحوار المسئول والنقاش المستفيض سادته أجواء وحالات اتفاق واختلاف، البعض منها كاد -في بعض الأحيان- أن يُفشل مؤتمر الحوار.. ومع ذلك حقق المتحاورون انتصاراً تاريخيّاً للوطن وللوحدة والأمن والاستقرار بالتوافق والاتفاق على المخرجات التي ستشكل محطة تاريخية هامة في مسار العمل الوطني، وتجسد تطلعات اليمنيين في تجاوز الأزمات التي أثقلت كاهل الوطن بتداعياتها السلبية ومخلفاتها المدمرة، وأحدثت تصدعات عميقة كبدت الوطن خسائر فادحة، وعرقلت مسيرة البناء والتطور المنشود، وفي المقدمة الوصول إلى إقامة الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام والقانون القائمة على مبادئ الحكم الرشيد والعدل والمساواة والحرية والديمقراطية. ان واقع ما بعد مرحلة الحوار التي ستضع اليمن على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخه المعاصر تطوي صفحة الماضي بإيجابياتها وسلبياتها، وتفتح صفحة جديدة حافلة بالآمال والطموحات، تستدعي توجيه الجهود نحو الإصلاح والتصحيح لمجمل الأوضاع السائدة على ضوء مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والاتجاه نحو البناء المؤسسي لهيئات وسلطات الدولة، وتنظيم علاقتها بالمجتمع بكل قطاعاته، وتحديد دور كل قطاع عبر رؤية تفاؤلية جديدة تستفيد من كل النتائج والدروس التي صارت ماثلة في الحياة، وتركيز الجهود لتصحيح المسارات، وتحسين الأداء، وإصلاح الاختلالات، خاصة وأن إرادة الإصلاح تفرض نفسها كحاجة شعبية تعززها الرغبة في التخلّص من إخفاقات وإحباطات الماضي، والتطلع نحو المستقبل الأفضل في شتى جوانب الحياة، والعمل الحثيث لإطلاق الطاقات الكامنة والمكبوتة في عمق المجتمع، وتحقيق كامل شروط وأركان حماية وحدة الوطن وتماسكه الاجتماعي، وممارسة الديمقراطية الحقة، وبلوغ غايات التنمية، ومواجهة الآثار السلبية الضارة والمدمرة لتأثيرات المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة في عالم متغيّر، صار الجميع يعيش في خضم تفاعلاته، في ظل علاقات متداخلة، ومصالح عليا لابد أن يعمل الكل جاهدين من أجل حمايتها وتوسيع نطاقها بوعي كامل لحقيقة النتائج المذهلة التي أحدثتها الثورات العلمية والتكنولوجية والاتصالية المتتابعة، والتي حولت العالم إلى بيت صغير تتلاقى مصالح سكانه بقدر مشترك في علاقات التعاون. ان أهم ما تتطلبه مرحلة ما بعد الحوار الوطني الشامل الذي جنّب الوطن تداعيات ومآلات غاية في الخطورة، تتمثل في أهمية استيعاب الرؤى التي خرج بها مؤتمر الحوار والتي ستمكن الوطن من ولوج آفاق المستقبل بروحٍ جديدة لخدمة مصالح اليمن والحفاظ على وحدته وكيانه المتماسك، يتم من خلالها تسيير دفة العمل الوطني، وتحمّل المسئوليات داخل الدولة والمجتمع، بداية بممارسة أسلوب حضاري سليم للحريات داخل المجتمع، والعمل على تطويع سلطات الدولة في القبول الحق والتسليم المطمئن لدور جديد للإنسان -فرداً ومجتمعاً- في تحقيق النهوض الوطني الشامل على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وتنفيذ خطط التنمية، وتهيئة الأجواء والمناخات الجاذبة للاستثمارات المحلية والعربية والدولية التي ستعمل على توفير فرص عمل تستوعب طاقات وقدرات الشباب، وتمكنهم من الإسهام الجاد في بناء اليمن الجديد، واستعادة عافيته، واستئصال كل الاعتلالات التي أُصيب بها، وإحياء القيم الإيجابية البنّاءة داخل المجتمع، وطرد كافة أشكال القيم السلبية القاتلة.